كتب رولان خاطر في “الجمهورية”:
كالعادة، يرفع البطريرك الماروني عصاه محذّراً مما يُحاك للبنان ولشعبه، الذي يدفعه مسؤولوه إلى الهجرة وترك البلد لثقافة وهويّات غريبة عن المشهد اللبناني والكيان. فيدعو إلى التوقف عن تعذيب الناس، وإذلالهم، حاضّاً هؤلاء على الثورة، ومقاومة هذه النزعة التدميرية، وتحرير الدولة، لأنّ بكركي مع الثورة، لتجديد لبنان وتغيير الاعوجاج، ثورة تحتاج الى شد روابط وحدتها وتصويب أهدافها.
يدخل لبنان اليوم الأسبوع الحاسم حكومياً، كما تردّد على لسان المعنيين، وسط حالة استنزاف في الملف الحكومي بين من يقول بتعدّد العقد، ومن يؤكد مجدداً أن شبح الثلث المعطّل هو العقدة الأساسية، ما دفع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى طَلب «وضع حَد لنهج التعطيل والسلبية ودرب الانتحار والتوقف عن العبث بمصير الوطن والدولة».
وفي السياق، يرى مرجع سياسي مطلع على عملية التشكيل أنّ «الشروط التي تعطّل عملية تشكيل الحكومة هي نفسها، لكنّ الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي الذي قبل التكليف على قاعدة تغيير المقاربة القديمة، يدرك أنه في حال لم يستطع الذهاب الى مقاربة مختلفة فإنه سيصطدم بالحائط نفسه. وبالتالي، هو يحاول الوصول إلى تسوية مع فريق العهد، كناية عن تنازلات متبادلة من الفريقين تؤدي إلى الإفراج عن الحكومة». ويقول: «شطارة ميقاتي أن يعطي العهد الحدّ الأدنى مما يطلب. فمطالب العهد لناحية الإمساك بزمام الأمور، عبر الثلث المعطّل، والحصول على حقائب محددة، لم تتغير، فهو يعتبر أن اي حكومة جديدة ستكون هي الحكومة الأخيرة له».
ويرى المرجع أنّ «مُعاندة العهد، كما فعل الرئيس سعد الحريري، لن تؤدي إلى نتيجة ايجابية على صعيد التشكيل، وامام الرئيس المكلف خياران، إما أن يكون جزءاً من اللعبة ويذهب الى تسوية مع العهد كالتي دعا إليها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أو يكون خارج اللعبة. من هنا، الواضح ان الرئيس ميقاتي يعمل على تدوير الزوايا، والأمور تبدو متقدمة، والعُقَد محاصرة، وطريقة المفاوضات اختلفت عن المرحلة السابقة، لذلك هناك متغيّر متطور على مسار التشكيل».
لكن، يرى المصدر أنّ الأمور لا يجب أن تكون مفتوحة، بل من شروط نجاح مهمة الرئيس المكلف ان يضع سقفاً زمنياً لمسار المفاوضات، لأن هذا السقف هو عامل ضغط لكلا الطرفين المعنيين بعملية التشكيل. وبالتالي، في حال عدم الخروج بنتائج ايجابية، على الرئيس المكلف أن يتخذ قراراً حاسماً ويعلن اعتذاره من دون تردّد، وليتحمّل المعطّل مسؤوليته».
ولا يرى المصدر انّ مصادرة القرار الحكومي هي جزء من مشروع تفتيت الدولة، يُضمِره «حزب الله»، لأنّ تفتت الدولة وانهيارها سيفقدان الحزب السيطرة على القرار الوطني، وقدرة إمساكه بهذه الدولة، وتنحصر سيطرته على المناطق الشيعية، مقابل سيطرة مسيحية على المناطق المسيحية، وسيطرة درزية على المناطق الدرزية، وسيطرة سنية على المناطق السنية، وهذا ما لا يريده «حزب الله»، إنّما يريد دولة ضعيفة يتحكم بقرار الحرب والسلم فيها وبقرارها الداخلي والخارجي، وهنا ربما يأتي اتهام البطريرك الراعي السياسيين بأنهم «جزء من الانقلاب على الشرعية والدولة»، فبالنسبة الى المرجع السياسي، لا يعني كلام الراعي بالضرورة أنّ الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي بات حقيقة حتميّة، لأنّ أي بحث عن نظام جديد يتطلب توافر ظروف داخلية وخارجية، وهذا غير متوافر اليوم. و»حزب الله» لا يستطيع أخذ البلاد إلى مؤتمر تأسيسي على قياسه.
امام هذا الواقع المتأزم، يؤكد المصدر أنه «لا بدّ في نهاية المطاف من الذهاب إلى مؤتمر دولي كالذي يدعو إليه البطريرك الماروني، لأن الوضع في لبنان لا يجوز أن يستمر على المنوال ذاته. وبالتالي، يجب الذهاب إلى مؤتمر دولي في أسرع وقت للبحث في أمور بديهية وأساسية وجوهرية غير متفق عليها، كقرار الحرب والسلم، دور لبنان الخارجي، الحياد، مركزية قرار الدولة لناحية السلاح، بسط سلطة الدولة وغيرها من القضايا الخلافية. أمّا الذهاب للتفكير في نظام سياسي جديد، فسيكون نتيجة انهيار دراماتيكي وكلي للدولة اللبنانية وتحللها، نتيجة عدم تشكيل حكومة، وواقع اقتصادي سيئ، وغضب شعبي، وفوضى».
ويؤكد المرجع ان «هذا السلوك التدميري يُتهم «حزب الله» بأنه وراءه، ويسعى إليه لتشكيل دولته الخاصة على الأرض اللبنانية، ما يتطلّب ربما رفع حجم المواجهة مع مشروع الحزب». وإذ يشدد هذا المرجع على هذه المواجهة ويصرّ عليها ويعتبرها ضرورية، يأسف «لأنّ أحداً من الأطراف السياسية لا يريد سلوك طريق الثورة وطريق المقاومة السلمية»، معتبراً «ان التحضيرات تجري على قدم وساق تحت عنوان الانتخابات. فالجميع ينظر إلى انّ المدخل إلى التغيير وقلب الطاولة هو عبر الانتخابات النيابية، لا عبر الانتقال إلى المقاومة السلمية».