يبشروننا بأن الأصعب بدأ وبأن طريق الجلجلة لا يزال في أوله. يحاولون شراء الوقت بتطبيق استراتيجية الترقيع، في حين تتفاقم مع كل طلعة شمس الأزمات المعيشية والإجتماعية حتى تحول البلد إلى مساحة “كل مين إيدو إلو… والشاطر بشطارتو”. ويستغربون كيف ارتفع معدل السرقات والفلتان على حساب أمن المواطن الذي لا حول له ولا قوة إلا بالوقوف في طوابير الذل لتعبئة خزان السيارة بالبنزين أو لشراء ربطة خبز أو علبة دواء علما أن الجواب يصله قبل السؤال… مقطوع! فهل يكون الأسوأ الذي تتحدث عنه أوساط سياسية معارضة من بوابة الفوضى الإجتماعية؟
كلنا يتذكر مقولة “ناموا وبوابكن مفتوحة” التي راجت في عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية. اليوم قد لا تتوافر فرصة النوم للبنانيين بسبب انقطاع التيار الكهربائي وما يترتب عليها في ليالي الصيف الحار، أو بسبب المكوث في السيارات أمام محطات البنزين ليتسنى لهم تعبئة الخزان مع ساعات الصباح… لكن حتى في ذاك الزمن كانت هناك ظاهرة سرقة وكان هناك شرطي بلدية. لكن ماذا ينقصنا للعودة إلى سكة أمان تلك الأيام؟
قائد الشرطة السابق العميد أنور يحيى اكد عبر “المركزية” “أن خدمات الأمن من قبل أجهزة الدولة تراجعت مما يهدد سلامة الأمن المجتمعي. فالظروف السياسية والمعيشية للناس، وتراجع خدمات الأمن من قبل أجهزة الدولة، وتلاشي هيبة الدولة، والأسفاف بالتخاطب بين بعض الفرقاء السياسين وكبار مسؤولي السلطة، كل ذلك ساهم في تهيئة أفضل الظروف لتنامي الجريمة بشتى أشكالها، وكانت تنقصنا الحركات التصحيحية ضمن السلطة القضائية، بحيث أضحى المدعي العام يستعين بميليشيا، أحيانا، لتنفيذ قراراته المتناقضة مع النيابة العامة التميزية، مما ينعكس سلبا على قرارات السلطة القضائية التي تصدر الأحكام وتجري التعقبات بحق المجرمين والمرتكبين للجرائم، ومنها جرائم السرقة”.
وأضاف العميد يحيى: “لا شك أن انهيار قيمة العملة اللبنانية، وارتفاع سعر صرف الدولار، وتراجع الخدمات الصحية والمدرسية والإجتماعية للدولة، ساهم بأرتفاع معدل جرائم السرقة والسطو لكن ثمة أسبابا مستجدة على خلفية الوضع الإجتماعي المأزوم. فحال الإحباط التي يعيشها أفراد القوى المسلحة من جيش، وقوى أمن داخلي، وأمن عام، وأمن دولة، نتيجة غلاء الأسعار وأنهيار قيمة النقد اللبناني، والجوع الذي أصاب عائلاتهم، وعدم أعطاء الدولة سلفات غلاء معيشة لهم، وفقدان مادة البنزين، أضافة الى الإحباط المعنوي المتعمق داخل القيادات الأمنية والعسكرية بسبب الخلاف على الحصص في الحكومة المزمع تشكيلها منذ أشهرعديدة، فيما البلد يزداد أنهيارا بقطاعات الأستشفاء والطبابة، بحيث يعجز العسكري عن تأمين طبابته مع العائلة بسبب إحجام المستشفيات عن تنفيذ عقود طبابة عناصر قوى الأمن الداخلي وعائلاتهم وفقا للقانون إلا بعد دفع المبالغ المالية الكبيرة كفروقات الدولار… كل هذا يعمّق الشعور بعدم الأستقرار لدى العناصر الأمنية، وينعكس ذلك على أندفاعهم نحو الخدمة”.
الآتي أعظم. من هنا لا بد من قراءة ما يمكن التمسك به لتأمين الحد الأدنى من التوازن والإستمرارية. ويقول العميد يحيى “إلى دور البلديات لجهة القيام بالدوريات ومراقبة الأمن والمجرمين المعروفين أحيانا، ونشر الحراس الليليين وأنارة الشوارع ليلا بما تيسر في ظل انقطاع التيار الكهربائي وإطفاء المولدات ليلا بسبب شح مادة المازوت، على القيادات الأمنية اتخاذ أقصى التدابير للتعويض على عناصر الخدمة الفعلية، ورفع معنوياتهم، وخلق الأجواء السياسية والأمنية لهم لإعادة تنفيذ المهام المكلفين بها قانونا، منها حماية الأشخاص والممتلكات قبل الذهاب إلى فرض تدابير الأمن الذاتي من قبل بعض القوى السياسية، كما كانت الحال في حقبة العقد التاسع من القرن العشرين!”.
ولفت إلى ضرورة “تحول دور القوى الأمنية إلى ضابطة عدلية، بعد وقوع الجريمة بحيث تعمل بأشراف النيابة العامة لجمع الأدلة الجرمية، وتوقيف الجاني، وإيداعه النيابة العامة لأخذ الجزاء القانوني من قبل القضاء البطيء الإجراءات، والقابل أحيانا للرضوخ لتدخلات النافذين للتخفيف عن المرتكبين”!
وختم العميد يحيى: “إن إنقاذ البلد أصبح أولوية، عبر سرعة تشكيل الحكومة، ووقف حملات البيانات النارية والبيانات المضادة، التي تغرق المواطن بمزيد من الإحباط، والتشاؤم، والسعي للهجرة الى الخارج بكافة السبل. لكن يبقى الأهم، ويتمثل بتعاون جميع القوى السياسية لاستدراك مخاطر تأخير تشكيل الحكومة الذي قد يجعل من القوى الأمنية والعسكرية، التي أضحت بتجهيزات ضعيفة، وموازنة عاجزة عن تأمين الحد الأدنى لصيانة العتاد، وطبابة ومعنويات منهارة، تصرف وقتها لتأمين القوت الضروري، بدلا من القيام بالمهام الأمنية المكلفة بها قانونا، لا سيما التصدي لأرتفاع معدلات جرائم السرقة والسلب بقوة السلاح، مما يهدد سلامة الأمن المجتمعي التي تعهدت الدولة بصيانته أمام المواطنين!”.