كل المعصيات ارتكبتها السلطة السياسية في حق لبنان وشعبه وما زالت، كل يوم تراكم الاخطاء والارتكابات ولا من يردعها. غير ان السكوت عما تقترف بعدما قمعت الثوار عبر أجهزتها الامنية التي تسخّرها لحمايتها عوض حماية الشعب المقهور لا يعني الرضى، لا سيما عن جهلها للقوانين ومضامينها التي توظفها بحسب ما تقتضي مصالحها وحيث تتناسب مع صفقاتها، والشواهد الى ذلك اكثر من ان تحصى، آخرها ما دأبت عليه لجهة الاستدانة من مصرف لبنان ومد اليد الى الاحتياطي الالزامي متجاهلة انها بذلك تخرق الدستور والقانون وتضربهما عرض الحائط ، ولو ان حاكمه رياض سلامة لم يشترط لتغطية الدعم اقرار قانون، لما تأخرت عن صرف كامل الاحتياطي حتى القرش الاخير.
يرتكز النظام الاقتصادي في لبنان، وفق اوساط حقوقية وقانونية مطلعة على الفصل بين خزينة الدولة (المالية) وبين موجودات المصرف المركزي، بمعنى ان هذه الموجودات ليست ملكا للدولة، رغم ان المركزي هو مصرف الدولة، يفتح حسابا لها ويفيد الدولة بما اودعته ولا يحق للمركزي اقراض الدولة الا في حالات استثنائية ولمدة قصيرة بعد التأكد من مقدرة الدولة ارجاع ما اقترضته منه. تشّبه الاوساط حساب الدولة في المركزي ببطاقة الائتمان تستخدمها طالما يوجد في حسابها مال،ولا يمكن للدولة مد يدها الى ودائع الناس اذا كان حسابها مكشوفا في المركزي . وتوضح ان اعلان المركزي وقف الدعم، يعني انه توقف عن اقراض الدولة لانها باتت مديونة وفي وضعية مفلسة خصوصا بعد قرار رئيس الحكومة حسان دياب في اذار 2020 الذي اعلن فيه ان الدولة مفلسة وبالتالي فهي تتوقف عن تسديد سندات اليوروبوند المستحقة، مخالفا بذلك موقف المركزي، الذي اعلن انه قادر على تسديد السندات المستحقة باليوربوند على ان يطلب لاحقا من صندوق النقد اعادة جدولة ديون لبنان. الا ان حكومة دياب لم تعر اذانا صاغية لاقتراح المركزي تماما كما فعلت الحكومة حينما اقرت سلسة الرتب والرواتب مخالفة اقتراح حاكم المركزي واعتراض الهيئات الاقتصادية.
تشدد الاوساط على انه لا يحق للدولة (عبر المالية) ان تدعم اي سلعة الا بالعملة الوطنية اي الليرة اللبنانية، معتبرة ان ما جرى يوم السبت الفائت في اجتماع بعبدا لا يشكل حلا لأزمة المحروقات خصوصا وان حاكم مصرف لبنان ابلغ الحاضرين ان المركزي لن يستمر في سياسة الدعم لنفاذ الاحتياطي لديه وبالتالي لا يمكنه المس بودائع المواطنين اي الاحتياطي الالزامي من دون تعديل الدستور واصدار قانون يعدل قانون النقد والتسليف. واوضحت ان ما اتفق عليه ليس حلا للازمة، سائلة من اين سيأتي المركزي بمبلغ 225 مليون دولار اميركي لتغطية فارق الدعم ما بين 3900 و8000 الاف ليرة؟.كيف سيغطي هذا المبلغ؟ هل باقراض الدولة المفلسة من ودائع الناس؟ كيف تلجأ الحكومة الى حل يؤجج الازمة ويزيد من التهريب والتخزين؟
ان النهج الذي تعتمده السلطة هو الذي يحاصر الناس وليس الخارج كما تدعي اي اميركا والسعودية واسرائيل . وتسأل الاوساط كيف يحق للدولة ان تمنع الشركات من استيراد المحروقات طالما انها لاتملك المال للقيام بذلك، خصوصا وان البواخر موجودة في البحر قبالة الشاطئ اللبناني.
وتقترح في السياق صيغة حل يمكن اعتمادها لمعالجة ملف المحروقات تقوم على انشاء منصة على غرار منصة وزارة الصحة لمواجهة كورونا وتلقيح المواطنيين، فيتم تسجيل كل الاليات الخصوصية والعمومية المسجلة في دائرة تسجيل السيارات وتفرض الدولة على الشركات الراغبة في الاستيراد تخصيص اكثر من صفيحة للاليات الخصوصية وضعف العدد للاليات العمومية شهريا مجانا، وهكذا توجد حلا دائما بمعنى من يريد اكثر من حصته يشتري بسعر السوق. وتؤكد الاوساط ان لا يمكن للدولة المفلسة ان تضع يدها على ودائع الناس لانها ملكية خاصة وعليها تعديل الدستور والقوانين للغاية.وعندما تطلق الدولة يد الشركات في الاستيراد ترفع يدها عن هذا القطاع الى حين تصبح قادرة على العودة لاعتماد سياسة الدعم بعد اعادة تكوين ماليتها.
الاوساط المشار اليها تفيد ان انتقاد البعض لحاكم مصرف لبنان ارتكز الى انه دّين الدولة كثيرا، فكيف يطلب منه من انتقده ان يستمر بدعم السلع على رغم عدم توفر الاحتياطي الذي تبخر خلال سنتين.لقد كان احتياطي المركزي بحدود الـ36 مليار دولار عام 2020 فكيف طار واصبح 14 مليارا؟ماذا فعلت الحكومة ؟هل بدلت خطتها وهل فتحت تحقيقا لمعرفة كيف تبخر الـ19 مليار دولار، ولا وجود للبنزين والمازوت والمشتقات النفطية ام ان صمتها هو نتيجة ادراكها ان عمليات التهريب التي تغطيها، افقدت لبنان وشعبه مليارات الاحتياطي من دون ان يرف جفن للمسؤولين ومن دون ان يقدموا على اجراء واحد يوقف التهريب؟
في عظته يوم الاحد الماضي قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “ان الشرعية تتأمر على الدولة وعلى الشعب”. وهو كلام حق. اذ لا يحق للدولة تحت اي ذريعة او اسلوب ان تسطو على ودائع الناس لانها ملكية خاصة وعليها تعديل الدستور والقوانين.وقد نوّرها بذلك حاكم “المركزي” فهل من يسمع ؟