كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
مذ أن قدّم حسان دياب استقالة حكومته، انضم الملف الحكومي إلى الملفات الخلافية بين حليفيّ تفاهم مار مخايل. كان “حزب الله” شبه مقتنع أنّ هناك استحالة، أو في أحسن الأحوال، صعوبة شديدة التعقيد في تأليف حكومة بديلة، فيما “التيار الوطني الحرّ” تصرّف باندفاع انقلابي على قاعدة امكانية تأليف حكومة من خارج المألوف، تكون “مسك ختام” عهد ميشال عون.
كان أول الاصطدامات بين الفريقين حين عاد سعد الحريري إلى مربّع التأليف، وهو المرفوض لا بل “مكروه” من الفريق العوني لأسباب كثيرة، ولو أنّ المعلن منها غير مقنع وهما اللذان نسجا تفاهماً رئاسياً حفل بشهور عسل وكثير من التقاطعات المصلحية. ثاني تلك الاصطدامات تجلّى بالدعم الذي قدّمه “الحزب” لنجيب ميقاتي حين اندفع الأخير باتجاه التكليف. يومها أيضاً لم يكن “التيار الوطني الحر” راضياً عن هذا الترشيح، ويفضّل خوض الاستحقاق الحكومي بأسماء أقرب إليه بالسياسة… لكن “حزب الله” الحريص على علاقته بالشارع السنيّ، يخشى تلك السيناريوات الانقلابية ويفضّل “عدم النوم بجانبها”.
فبلع العونيون “الموس” على مضض مع أنّ في بالهم خيارات أخرى قد تسمح لهم بتحقيق شيء من الانجازات لتكون خبزهم الانتخابي لتعويض الانتكاسات التي تعرضوا لها أمام الرأي العام. إلّا أنّ ميقاتي كان بنظر “حزب الله “الفرصة الأخيرة، المتاحة، لوقف الانهيار الدراماتيكي خصوصاً وأنّ الرجل مُحصّن بدعم دولي قد يساعده على إعادة الاستقرار السياسي والنقدي، ولهذا لم يتوان “حزب الله” عن ابلاغه بأّنه على استعداد لرفده بالدعم الذي يريده.
بدا الرجل واثقاً من خطوته، خصوصاً وأنّه تأكد من “حزب الله” أنّ الأخير سيقدم له كل التسهيلات الممكنة، وقد أثبتت المشاورات هذا الأمر بعدما قام “الحزب” بتبديل الأسماء التي كان يقترحها للحكومة بناء لرغبة رئيس الحكومة المكلف. لكن خطّاً أحمر وحيداً، أبلغ “الحزب” رئيس الحكومة المكلف صراحة بأنّه لن يقرب منه: الضغط على الفريق العوني لتسريع مشاورات التأليف.
ويوم أعلن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن انطلاق أول شحنة نفط إيرانية باتجاه لبنان، هناك من قال في حينه لرئيس الحكومة المكلف وقبل أن تسارع السفيرة الأميركية دوروثي شيا لطلب قصر بعبدا، والاعلان عن مسعى بلادها لتأمين الغاز المصري والطاقة الكهربائية الاردنية، ما معناه أنّها “اللحظة المؤاتية لتنتهي مشاورات التأليف وتُخرج الحكومة من عنق الزجاجة”، على قاعدة أنّ الضغط الذي يمارسه “حزب الله” في موضوع المشتقات النفطية، قد يدفع الإدارة الأميركية إلى تسهيل حركة التأليف لتسريع قيام الحكومة من باب تطويق أي محاولة من جانب “الحزب” لجرّ البلاد برمّتها إلى ضفّته السياسية. وهذا فعلاً ما حصل. لكن ردّ ميقاتي كان يومها أنّ الخشية تكمن في أن يتصرف الفريق العوني، على نحو معاكس. وهذا ما حصل أيضاً.
حتى الآن، يقول المعنيون إنّ محاولة القطب الطرابلسي لم تُنسف. هو بالأساس حين وافق على أن يكون رئيس حكومة مكلّفاً، كان يدرك جيداً ما هي العقبات التي تعترض طريقه، لكنه في المقابل يعرف جيداً أنّها ليست مقفلة بالكامل. حين وضع “بطاقته” على طاولة التكليف كان الرجل محصّناً بدعم خارجي، وتحديداً أميركي- فرنسي لا يخلو من امكانية الدعم المالي لحكومته، كذلك تمكن من اقناع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بفتح الباب أمامه، خصوصاً وأنّ ميقاتي لم يكن يشكو من علّتين كانتا تحولان دون عودة الحريري إلى السراي: الأزمة الشخصية في العلاقة مع جبران باسيل، والغضب السعودي عليه. واذا ما افترضنا أنّ للمملكة تحفظات بشأن السياسة اللبنانية تضاف إلى اشكالية علاقتها مع الحريري، فإنّ ميقاتي كان على استعداد لتجاوز هذا العامل بدفع أميركي.
وعلى هذا الأساس، اعتبر القطب الطرابلسي أنّها فرصته الذهبية لتقديم نفسه على شاكلة منقذ قادر على وقف الانهيار الاقتصادي- المالي ليخوض معركته الانتخابية بعضلات الانقاذ ما يسمح له بالعودة الى السراي بعد الاستحقاق على صهوة انتصار قد يدخله هذه المرة نادي الزعامات السنيّة.
حتى اللحظة، يجيب ميقاتي سائليه بأنّ نسبة التفاؤل لديه تقارب الـ60%، خصوصاً وأنّها المرة الأولى التي يرفع فيها الأميركيون وتيرة ضغطهم الجدي باتجاه التأليف، لكنّ رئيس الحكومة المكلّف يشكو من سلوك العونيين معه، على الرغم من الاستعداد الذي يبديه كي يحصل هؤلاء على ثمانية وزراء يتولون تسميتهم، لكن أكثر من ذلك يصبح مدار تشاور معه، واتفاق… وإلا ستصبح مهمة التأليف مستحيلة. وها هو سليمان فرنجية يهدد أنه في حال تخطت الحصة العونية الثمانية وزراء فهو سيكون خارج الحكومة. ولهذا سارع ميقاتي الى طمأنة فرنجية بأنّه لن يؤلف من دونه، في رسالة واضحة للعونيين بأنّ بقية الأسماء المسيحية غير المصنفة في خانة أي فريق سياسي، ستكون موضع تشاور بينه وبين رئيس الجمهورية.
يتصرّف “حزب الله” على أساس أنّ قيام الحكومة بات حاجة أكثر من ملحّة لكنه ليس على استعداد لممارسة أي ضغط على العونيين، وهو المتيقن أنّ هذا الفريق يخوض آخر معاركه لتحصيل بعض المكاسب لخوض الانتخابات بشكل مريح، مع العلم أنّ أي مكسب قد يتم تحقيقه، سيكون مجرد “فتات” أمام الاستنزاف البشري والانساني الذي يتكبده البلد كل يوم.