بجدارة وبلا منازع، أثبتت الأكثرية الحاكمة أنها الأقدر على اجترار الأزمات وإعادة تدويرها في قوالب عقيمة تتفنّن في إذلال الناس وتتفانى في سبيل إطالة أمد عذاباتهم المتناسلة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وصحياً وحياتياً على امتداد طوابير الذل وامتهان الكرامات ومرمغة أنوف اللبنانيين بالأرض تسولاً وتوسلاً لربطة خبز أو حبة دواء أو قنينة بنزين أو جرة غاز… وصولاً إلى “تعطيشهم” ودفعهم إلى التهافت على تخزين غالونات مياه الشرب خوفاً من انقطاعها!
بنجاح باهر استطاعت هذه الأكثرية “الجهنمية” أن تشتّت حراب الناس وتحويل معركتهم مع السلطة، إلى معركة “حياة أو موت” ضمن إطار صراع “البقاء للأقوى” والأقدر على تحمّل اشتداد وطأة المعاناة والتضوّر والتصحّر وانقطاع مقدارت الصمود الحيوية، بينما أهل الحكم والحكومة منغمسون على طريقتهم في صراع “الصمود والتحدي” على وقع احتدام معركة “من يحكم الحكومة؟”، وفق تعبير مصادر مواكبة لاتصالات التأليف، موضحةً أنه السؤال الذي يدور حوله الكباش الراهن بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، لا سيما وأنّ الأول مستمر في لعبة “اللف والدوران حول الكراسي والأسماء” للاستحواذ مواربةً على حصة الثلث المعطل في الحكومة العتيدة، ولذلك فإنّ الثاني سيخطو خطوته التالية إلى قصر بعبدا “إجر لقدام وإجر لورا” لأنه لن يقبل بأي شكل من الأشكال “التسليم بنيل عون وتياره هذا الثلث”.
ونقلت المصادر، أنّ ميقاتي “حزم حقائبه” بالمعنى المزدوج للعبارة، فإما ينتقل إلى ضفة التأليف أو يغادر رصيف التكليف، موضحةً أنّ الرئيس المكلف يتجه خلال الساعات المقبلة “بروحية الحسم” إلى قصر بعبدا حاملاً المسودة النهائية لتشكيلة حكومته، وسيبدي كل انفتاح إزاء طلب رئيس الجمهورية تعديل إسم أو إسمين “بالحد الأقصى” تحت سقف المعايير غير الحزبية والتخصصية الموضوعة للتسميات، لكنه في المقابل لن يرضى بإعادة “خربطة الخريطة الوزارية” والاستمرار في لعبة استنزاف الوقت وإجهاض الحلول، سيما وأنّ المصادر كشفت عن أنّ عملية “حرق الأسماء واستبدالها” وصلت إلى ذروتها خلال الساعات الأخيرة إلى درجة بلغت حدّ “تغيير اسم كل نصف ساعة”.
وإذ لا يزال المقربون من دوائر بعبدا يؤكدون أنّ المساعي الحكومية ستصل إلى خواتيمها الإيجابية خلال هذا الأسبوع، استرعت الانتباه على ضفة المقربين من الرئيس المكلف تغريدة “غاضبة” لمستشاره الإعلامي فارس الجميل مساء أمس دعا فيها إلى الكفّ عن “اختراع الروايات وتعميم الأكاذيب والإيجابيات المزيفة” وأرفق تغريدته بصورة ذات دلالات تحت عنوان “قل كلمتك وامشِ”.
وربما تحت هذا العنوان، يستعد الرئيس المكلف لزيارة رئيس الجمهورية لاستعراض تشكيلة حكومية من 24 وزيراً (22 حقيبة واسماً بالإضافة إلى رئيس الحكومة ونائب رئيس مجلس وزراء بلا حقيبة)، مرتكزاً في تركيبتها على خلاصة اللقاءات وتبادل قوائم الأسماء بينه وبين رئيس الجمهورية والفرقاء المعنيين، مع إبقائه الباب مفتوحاً لتدوير الزوايا بشكل مقبول من الطرفين حول الاسمين المسيحيين العالقين. إذ بعد حصول رئيس الجمهورية في هذه التشكيلة على 6 وزراء مسيحيين إضافةً إلى وزير “الطاشناق” الأرمني، زائداً الوزير الدرزي من حصة طلال ارسلان، بات عون مستحصلاً على 8 وزراء عملياً، وبما أنّ “تيار المردة” حصل على وزيرين مسيحيين، و”الحزب القومي” على وزير مسيحي، بقي اسمان مسيحيان يرفض ميقاتي ان ينفرد عون بتسميتهما ويبدي جهوزيته للتوافق والشراكة حولهما.
وبانتظار ما سيفضي إليه اجتماع بعبدا المرتقب، آثرت مصادر واسعة الاطلاع عدم الإفراط في التفاؤل أو التشاؤم واستباق الأحداث، مكتفيةً بالإعراب عن قناعتها بأنّ “عون لن يغامر ويفرّط بفرصة تشكيل الحكومة لأنه بات يعلم يقيناً أنّ ميقاتي عندما يزور بعبدا سيكون حاملاً التشكيلة الوزارية مع خطاب التأليف في جيب وكتاب الاعتذار في الجيب الآخر”.