كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:
“وعدناكم بامتحانات رسمية مدروسة تراعي الظروف الاستثنائية وقد انجزت هذه الامتحانات بنجاح. ضعوا ثقتكم بالوزارة، وستكون السنة المقبلة مدروسة بمنهجها وأنشطتها. لم يبق لنا سوى التربية وسنحافظ عليها، كما عهدنا دائماً”. هذه هي رسالة الوزير طارق مجذوب الى طلاب لبنان! ولكن اي امتحانات هي التي انجزت بنسب نجاح فاقت 90% وكم يعوّل عليها للحفاظ على المستوى التربوي في لبنان؟ هل كانت امتحانات حفظ ماء الوجه لوزارة التربية أم فرصة حقيقية أعطيت للطلاب؟
أنجزت الامتحانات الرسمية في ظل ظروف صعبة لا يمكن لأحد إنكارها واختُصرت منهجاً وأياماً فجاءت النتائج فوق ما يتمناها الأهل والطلاب وكاد الجميع ينجحون، ما طرح علامات استفهام كثيرة حول جدوى هذه الامتحانات وتأثيرها على المستوى التعليمي في لبنان والجامعي بشكل خاص وعلى صورة لبنان في الجامعات الخارجية وتقييمها للطلاب اللبنانيين بعدما كانت تتهافت لقبولهم نظراً لمستواهم الأكاديمي العالي.
“هي على علّاتها خير من الإفادات” كما يجمع المختصون وتبقى على الرغم من الانتقادات شهادة رسمية يتسلح بها الطالب لتكون مدخلاً الى حياة جامعية او مهنية قادرة في ما بعد على غربلة الغث من السمين، والقادر على الاستمرار ممن عليه ان يعيد تقييم خياراته.
صدقية الامتحانات
د. سمير قسطنطين مدير مؤسسة “وزنات” للإستشارات وصاحب الخبرة الطويلة في المجال التربوي وتوجيه الطلاب نحو الاختصاصات الجامعية الملائمة حين سألناه إن كانت نتائج الامتحانات الرسمية عادلة بالنسبة للطلاب أجاب قائلاً:
“النتائج لم تكن عادلة إذا ما قارنّاها مع الظروف التربوية والسياسية والصحية في صيف الـ 2019 مثلاً. لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار ماذا أنهى التلاميذ من البرنامج وكيف أنهوه وتحت أيّ ضغوطٍ درسوا، فلا أستغرب ساعتها أن تكون الامتحانات بهذه الطريقة.
كان صعباً عليّ أن أكون مع إجراء الامتحانات أو ضدّها يقول قسطنطين لكن ما لم أفهمه هو اعتبار الدولة أنّ صدقيّتها التربويّة مرتبطة بإجراء الامتحانات وهذا مفهومٌ خاطئ. فالدولة هي التي تعطي الصدقية للامتحانات لا العكس”.
أما عن تأثير نسب النجاح العالية في الامتحانات الرسمية على المستوى الجامعي للطلاب في لبنان والخارج وعلى خياراتهم الجامعية فلا يرى قسطنطين ان التأثير موجود إلّا لجهة الأعداد التي ستقدّم طلبات انتساب للجامعات. فإذا كانت نسبة النجاح مرتفعة جداً كما حصل السنة، فإنّ أعداد التلاميذ الذين سيتقدّمون بطلبات انتساب للجامعات ستكون مرتفعة أيضاً والعكس صحيح، لكن الجامعات تقبل التلامذة للدراسة فيها قبل تقدّمهم من الامتحانات الرسمية بوقتٍ طويل وتبدأ بإصدار أوراق قبول التلاميذ في آذار فيما الامتحانات الرسمية تُجرى في تموز.
ولكن هل يصح القول أن مستوى الطلاب الناجحين لن يكون بالمستوى المطلوب في الجامعات كما في السابق؟ حول هذا الأمر يقول قسطنطين، إنّ للجامعات وسائل خاصّة لتقييم مكتسبات الطلاب عندما يصبحون من عداد طلابها ومستوى إنجازاتهم. وفي الأساس فإنّ الامتحانات الرسميّة هي واحدة من وسائل تقييم عدة فيما علامات المدرسة هي وسيلة ثانية، وامتحانات الدخول للجامعات هي وسيلة ثالثة.
ونسأله في الختام هل يمكن القول ان مستوى التعليم في لبنان بخطر؟
“أعتقد أن كلّ لبنان في خطر” يقول قسطنطين، “التعليم هو جزءٌ من كل. كل الاقتصاد والروافد الاقتصادية والقطاعات المنتجة، ومن بينها المدارس والتعليم المدرسي والتعليم الجامعي، كلّها في خطر. التعليم في خطرٍ أكبر من سائر القطاعات لأنّ القائمين على السلطة في لبنان لا يفقهون شيئاً في أمور التربية. التربية بالنسبة لهم هي نقل معلّم من هذه المدرسة إلى تلك، وتدبير منحة إضافية لأحد مناصريهم من مدرسة خاصّة، والمساهمة في تعيين مدير مدرسة رسمية في منطقته من جماعته. هذه هي حدود اهتمامهم بالتربية. للأسف الشديد”.
رأي أكاديمي مجرد ينظر الى الواقع التربوي بعين خبيرة ولكن ما هو رأي من اشرفوا على الامتحانات وساهموا في وضع توصيفها وتوصيف المناهج؟
النتيجة طبيعية
د. جهاد صليبا مستشار رئيس المركز التربوي للبحوث والانماء للشؤون التربوية يرى ان نسب النجاح المرتفعة جاءت طبيعية نتيجة الخيارات التي قدمت للطلاب. فعدد المواد الكبير الذي كان يخضع للامتحان سابقاً تقلص واقتصر على عدد محدود من المواد لم يتجاوز السبع ما خلق لدى الطالب امكانية اختيار المواد التي يرتاح اليها والانكباب على دراستها. كما ساعد تكييف المنهج مع الظروف الصعبة التي رافقت السنة الدراسية وتقليصه في اراحة الطلاب.”لقد كان هذا الاختبار بناء” يقول صليبا ويجب البناء عليه، فهدف الامتحانات ليس دفع الطلاب الى الرسوب بل وضع ستنادرد معين لتقييمهم وغربلتهم”.
هي تجربة لا بد من التوقف عندها لاجراء عملية تقييم وتحليل لسيرها ولنتائجها بالتنسيق مع وزارة التربية.على الرغم من شوائبها استفدنا من التجربة لنبني عليها ونضع خطة لعملنا في السنة المقبلة يؤكد صليبا. “تحليل الامتحانات وحده لكل مادة وكل فرع على حدة كفيل بان يخبرنا ان كانت هذه الخطوة ناجحة ام تحتاج إلى تعديل وإثراء. الامتحانات لم تنته هي تجربة للسنة الآتية”
التقليص الذي اصاب المناهح عمم على الجامعات لتأخذ به اولا في امتحانات الدخول وثانياً في آليات التعويض التي ستنتهجها خلال العام الجامعي يشرح صليبا.
وعلى الرغم من كل الانتقادات تبقى للامتخانات الرسمية صدقيتها ولا يمكن وضعها موضع شك قبل تحليل نتائجها بشكل مفصل وهادئ.ولكن عموما لم تكن تجربة سلبية بل انجاز يحسب لكل من ساهم فيه.
في خضم الحديث عن نسب النجاح العالية، ونسبة من نالوا درجة جيد جداً وحلّقوا في علاماتهم، قد ننسى ان الامتحانات شهدت نسبة من الرسوب اختلفت بين مادة واخرى وفرع وآخر وان يكن فرع العلوم الانسانية الآداب هو الذي شهد النسبة الاعلى من الرسوب. فما سبب هذا الرسوب وهل صحيح ان “من رسب هو من لم يشأ ان ينجح؟”.
صليبا يرفض هذه المقولة ويقول لقد حاولنا مع كل الجهات المختصة اتباع كل الطرق العلمية لتقديم الامور بافضل وجه وخلق بيئة مناسبة للإمتحانات واختيار الاسئلة ووضع اطار مناسب للتصحيح وحرصنا على وضع آلية في اختيار الأسئلة تناسب كل الطلاب حتى لا يقعوا تحت ضغط الخوف. وحرصنا على تأمين عبور آمن من المدرسة الى الجامعات والمعاهد المختصة ضمن المحافظة على الكفاءات المطلوبة ولكن على الرغم من كل الجهود يبقى هناك من هم دون المستوى العلمي المطلوب.
اسئلة مكررة
بعيداً عن الآراء الرسمية والاكاديمية ما هو رأي الاساتذة وهم المعنيون الأوائل بالامتحانات ونسب النجاح وما هو تقييمهم لمصداقية الامتحانات؟
البعض رأى فيها مهزلة ومسرحية تم فيها ادخال الاجوبة الى الطلاب ولا سيما الحزبيين منهم والتغاضي عن أساليب الغش والنقل اثناء المراقبة بحيث تسنى للجميع الاستفادة من التهاون في المراقبة لتقديم مسابقات مشتركة.
احدى مدرّسات مادة الفيزياء في الصف الثانوي الثالث رأت الامر من منظور مختلف اذ شرحت لنا ان أسئلة المسابقات غالباً ما توضع بطريقة تصاعدية بحيث تكون الصعوبات تدريجية لتمييز التلميذ الجيد من المتوسط والضعيف. ويمكن للتلميذ المتوسط ان ينال 12 من 20 اما مسابقة هذا العام فكانت دون المستوى المعتاد ولم يكن فيها اي سؤال تحليلي او يتطلب ذكاء من الطالب بحيث يستطيع التلميذ الضعيف ان ينال اقله 10 من 20 ويكفي ان تكون لغته الاجنبية مقبولة حتى ينال علامة جيدة. وكانت معظم الاسئلة مكررة من الدورات السابقة بحيث يمكن لاي طالب سبق له ان راجع الدورات الماضية أن يحل المسابقة بسهولة. وقد أجمع كل الطلاب ان الامتحانات كانت سهلة وأنهوا المسابقات قبل الوقت المحدد.
وترى المدرّسة صاحبة الخبرة الطويلة ان التساهل حصل في وضع الاسئلة كما في المراقبة والتصحيح. لكن رغم هذا فانها ترى ان الامتحانات كانت خطوة ضرورية جيدة، اولاً بالنسبة للتلميذ المجتهد الذي من الأفضل له ان يكون حاصلاً على شهادة رسمية بدل افادة مدرسية، تساعده في دخول الجامعة في لبنان او الخارج، كما بالنسبة للتلميذ الضعيف الذي نال من خلالها فرصة لاختيار اختصاص مناسب لكفاءاته يمكن له ان يبرع فيه. وهو لن يتجه بالطبع نحو الاختصاصات الصعبة بل ستكون في يده شهادة تؤهله للانخراط في اختصاص يساعده على بناء مستقبله في وطن مأزوم. لقد كانت الامتحانات لخير جميع من استطاع متابعة دروسه اونلاين ومن لم يستطع لذلك سبيلاً. عموماً كان المنهاج هذه السنة مخففاً وتم الابقاء بالنسبة لمادة الفيزياء مثلاً على موضوعين من اصل اربعة. وهذان الموضوعان هما اللذان شملهما الامتحان الرسمي فيما الكثير من المدارس ابقى على المواضيع الاربعة لاعداد تلاميذه للمناهج الجامعية المطلوبة.
في المحصلة حاولت وزارة التربية ان تضيء شمعة في ليل لبنان التربوي وتستحق، على جهودها، درجة حسن.