كتبت فاتن الحاج في “الاخبار”:
مرة جديدة، تقع هموم مليون تلميذ و80 ألف أستاذ خارج سلم أولويات السلطة السياسية. للسنة الثالثة، يترك القطاع التربوي يواجه مصيره بوزارة عاجزة ووزير لم يستطع أن يقنع معلمين وأهالي كثراً بخطة رفع شعاراً لها «ممنوع أن نقفل المدارس!». بالنسبة إلى هؤلاء، لن يكون نصيب الخطة الجديدة في التنفيذ أوفر من سابقاتها، لأنه، ببساطة، «لا يمكن بناء عام دراسي في الهواء، لا ينطلق من مستلزمات المدارس وهواجس المعلمين وهموم الأهل»، كما قالت مصادر مديرين في المدارس الرسمية.
ما إن أنهى وزير التربية طارق المجذوب مؤتمره الصحافي أمس حتى اشتعلت مجموعات الأساتذة على «واتساب» و«فايسبوك» بالتعليقات الساخرة وبإعلان مديرين في التعليم الرسمي عدم الاستجابة لقرار العودة الحضورية ما لم تؤمن مقوماتها.
لا يمكن تسيير المدارس بصناديق خاوية أو صناديق حجزت أموالها في المصارف، وليس واضحاً للمديرين ما الذي جرى حقيقة بالنسبة إلى المصاريف التشغيلية التي قال الوزير إنه أمّن لها أموالاً من الجهات المانحة، «فالكلفة التشغيلية تعني رواتب الحراس والعمال في المدرسة، وما يستحق عنهم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومستحقات عمال المكننة، ومبالغ تأمين التلامذة في الحوادث الطارئة، وتكاليف الكهرباء والتدفئة والمياه والصيانة والقرطاسية والطبشور ومواد التنظيف والأدوات المكتبية، لا سيما مواعين الورق والإلكترونية وتصوير الأوراق والمستندات والنشاطات اللاصفّية والرياضية». وإذا كانت الوزارة تمكنت من تركيب ألواح طاقة شمسيّة في 122 مدرسة رسميّة موزّعة على المحافظات، لتوفير كلفة المازوت، سألت مصادر المديرين: ماذا عن الـ 1100 مدرسة الأخرى؟ وهل القرطاسية تعني تلامذة الحلقتين الأولى والثانية من التعليم الأساسي فقط التي قال الوزير إن الوزارة ستوزعها عليهم مجاناً، من دون تلامذة بقية الصفوف الذين سيكتوون بنار أسعارها؟ وهل سيبقى سقف الإنفاق للمدير 3 ملايين ليرة وسط كل هذه الظروف؟ (الوزير تحدث في المؤتمر الصحافي عن العمل لرفع سقوف الإنفاق). وثمة تململ لدى المديرين، لا سيما في التعليم الأساسي، من الجو النقابي، إذ يأخذون على رابطتهم أنها تتخذ «مواقف باهتة ورمادية في القضايا الحساسة وخصوصاً لجهة أنها قبلت أن تسيّر المدرسة الصيفية رغم القرار بمقاطعة كل الأعمال الإدارية، وأن مديري 70 مدرسة من أصل 200 مدرسة التزمت التعليم في الصيف هم أعضاء في الهيئة الإدارية للرابطة». كذلك فإن معاملات المدارس متوقفة في المناطق التربوية التي ينفذ موظفوها مبدئياً إضراباً حتى نهاية الشهر الجاري. وينقل أحد المديرين شكوى الأهل من كلفة الباص، وقد أبدوا على «غروبات» المدرسة عدم ثقتهم بإمكانية إقرار أي مشروع للطلاب من دون أن يلقى مصير مشروع المليون ليرة المُقرّ سابقاً لكلّ طالب والذي لم ير النور.
على خط مواز، بقيت القضية الأساس المتعلقة برواتب المعلمين وكلفة انتقالهم إلى مدارسهم بلا حلول عملية ملموسة. وما عرضه الوزير يندرج في إطار الوعود والتمنيات، ومنها السعي لتأمين آليّة للدفع الشهري للمتعاقدين، العمل مع الجهات المانحة على توفير مبلغ يدعم حضور المعلمين إلى المدارس الرسميّة، والعمل على تنفيذ مشروع دعم العائلات الفقيرة – شبكات الأمان الاجتماعي، وذلك بالتنسيق مع رئاسة الحكومة ووزارة الشؤون الاجتماعيّة، تأمين سلفة غلاء معيشة تمهيداً لتصحيح الرواتب.
في هذا الوقت لا يزال المجذوب يراهن على «حلم» إقرار مجلس النواب مشروع قانون الـ500 مليار ليرة لدعم مدارس وثانويات ومعاهد القطاعَيْن الرسمي والخاص للعام الدراسي 2019-2020، ومشروع قانون إعفاء المؤسّسات التربويّة من المتأخِّرات والرسوم والمساهمات في الصناديق، وتسريع سداد مُستحقّات المدارس المجانيّة الخاصة وتأمين المحروقات المدعومة للمؤسّسات التربويّة.
التصميم على فتح المدارس لاقى ارتياحاً في صفوف المؤسسات التربوية الخاصة، إذ أشار مدير عام جمعية التعليم الديني – مدارس المصطفى محمد سماحة إلى أن وزارة التربية «قامت بما عليها والبرمجة التي قدمها الوزير في محلها، وإن كانت العبرة في التنفيذ والأمر مرهون بالأوضاع الميدانية عند الانطلاقة»، مطالباً بأن يتقدم الهم التربوي على الهموم الأخرى في حسابات الدولة. وقال إنه يؤيد الحلول الموضعية للمشكلات، إذ «لا يمكن أن نوقف أي مبادرة أو حل جزئي، إذا كنا لا نستطيع أن نحل المشكلة برمتها»، في إشارة إلى مشروع الطاقة الشمسية في 122 مدرسة. وبحسب سماحة، «المؤسسات انتظرت التفاتة أكبر من الوزير للقطاع الخاص، لا سيما لجهة دعم التلامذة والمعلمين، فهؤلاء لا يستطيعون أن يدخلوا عامهم الدراسي برواتبهم السابقة».
يذكر أن المجذوب وعد في مؤتمره الصحافي بإطلاق عدد من المبادرات مع دول صديقة وبعض الجمعيات ودول مانحة لدعم التلامذة في المدارس الخاصّة.