Site icon IMLebanon

في زمن الاستعصاء… رسائل عون ومواقف بري

كتب إبراهيم أسامة العرب في “اللواء”:

لا أحد يفهم ما الفائدة من توجيه الرسائل للمجلس النيابي للمرة الرابعة، بدل الذهاب إلى تشكيل حكومة؟ خصوصاً أنّ المجلس ليس السلطة التنفيذية التي بإمكانها أن تتّخذ الخطوات الإجرائية للمواجهة، ناهيك عن أنّ الكتل النيابية بمعظمها لن توافق على أيّ تشريع يبيح استخدام أموال المودعين، لأن هذا الأمر مخالف للدستور، فالمادة 15 من الدستور تنص على أن الملكية في حمى القانون، فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه إلاّ لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عليها في القانون وبعدَ تعويضه منه تعويضاً عادلاً.

أما كلام النائب جبران باسيل، الناطق باسم الرئيس عون، فقد أعطى انطباعاً بأنه يقفل الباب على تشكيل الحكومة، حيث كان يتصرف كأن البلاد في فراغ وفي أزمة مفتوحة، وكأنه لا وجود لرئيس مكلف لتشكيل الحكومة ولا ضغوط من المجتمع الدولي على الرئيس وسائر الأفرقاء لتشكيلها بأسرع وقت ممكن. والأنكى من ذلك، أنه طالب بموقف من مجلس النواب وإلا فإنه وكتلته سوف يستقيلان. ولذلك، ردّ الرئيس بري بأنّ أحداً لا يهدّد المجلس النيابي على الإطلاق، وبأنّ الحل يكمن في تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت وبالبطاقة التمويلية وتحرير السوق. وخلص البرلمان اللبناني إلى تبني موقف الرئيس بري، بوجوب وضع تشكيل الحكومة أولوية على قائمة المهام لوضع البلاد على سكة الإنقاذ. وهذه هي المرة الثانية التي يرد فيها البرلمان على رسالة الرئيس عون بهذه الإجابة، بعد رسالته في أيار الماضي بشأن الاستمرار بتكليف الرئيس سعد الحريري، حيث أجابه البرلمان حينها بضرورة تشكيل حكومة سريعاً.

والرئيس بري مصيب في موقفه، حيث كان على رئيس الجمهورية أن يأخذ بعين الاعتبار أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها هي بسبب اعتماده سياسات تعطيل تشكيل الحكومات، ودفع رئيسين مكلفين حتى الآن للاعتذار، والثالث على الطريق. ولا يمكن أن يزايد أحد على الرئيس بري في مجال الاهتمام بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي، فهو نصير المحرومين، وأحد أعمدة الاعتدال في هذا البلد، ويشهد له الجميع بعمله الدؤوب دون كلل أو ملل في جمع الأضداد وفي ضمّ طاولات الحوار إلى طاولة واحدة، وفي تقريب المسافات بين المكونات السياسية اللبنانية؛ لاسيما أنه بإدارته الحكيمة والرشيدة استطاع دوماً أن يفعّل عمل المؤسسات الدستورية في لبنان، محاولاً إخراجه من المآزق الخطيرة التي يقع بها. ويسجّل له مبادرته الإنقاذية إبّان تكليف الرئيس سعد الحريري، ومحاولته إيجاد صيغة توافقية للحكومة الجديدة، هي صيغة الـ24 وزيرا مقسّمة إلى ثلاث ثمانات، لا ثلث معطّلا فيها لأحد، وتتشكل من اختصاصيين، ولكل وزير حقيبة باستثناء رئيس الحكومة ونائب الرئيس، وتلتزم ببرنامج الإصلاحات. ناهيك عن أن الرئيس بري هو الذي أطلق طاولة الحوار عام 2006، وهو من وضع السيناريو لتسوية عام 2008، وهو الذي يسعى دوماً لإخراج الحكومات من مآزق تشكيلها. كما أنه لبناني عريق، يرفض أن يكون رافع لواء عشيرة، أو طائفة واحدة، ومعني بمشاكل الناس جميعهم دون استثناء، وبفضل مزاجه ووعيه الحادّ لدور الحكم الذي يمثله، مؤمن بمبدأ الشرعية واتفاق الطائف ووجوب تجنيب البلد تفككاً حقيقياً نتيجة أي خروج عن هذا الاتفاق. وفي ميدان السياسة الخارجية، حريص دائماً على التعاون مع الدول العربية، وعلى عدم توريط لبنان في النزاعات الإقليمية، وبالتضامن مع الأشقاء العرب في كل ما يتصل بشؤونهم الداخلية. وهو في تحليلاته ومفاهيمه كما في أعمال السياسة، يتمتّع بسمو في الرؤية، وبُعد نظر، وإذا ما أضيف ذلك إلى حصافته في الحكم، واستقامته الفكرية والأخلاقية، نفهم لماذا يشعر خصومه بالانزعاج منه.

من ناحية أخرى، فإنّ الاهتمام الدولي بموضوع الحكومة يجب أن يسرّع التأليف، خصوصاً في ظل حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجية أميركا بأن تكون هنالك حكومة مكتملة الصلاحيات في لبنان تشرف على عملية الانتخابات النيابية، وتؤسس لعهد جديد قادر على النهوض بالوطن. ومن هنا نفهم سبب تعويل المجتمع الدولي على حكمة الرئيس بري ومساعيه الحميدة لتسخير كلّ الطاقات في البلد لتذليل الصعوبات تجاه تأليف الحكومة، ولإيجاد الحلول لتباينات الآراء بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف حول الحقائب الرئاسية، دونما انتظار للحلول الدولية للأزمات، أو التعويل على تسويات خارجية تأتي ضمن مباحثات فيينا. ولذلك أوفدت المجموعة الغربية السفيرة الأميركية إلى الرئيس بري، لحثه على ضرورة الاستمرار بمساعيه في اجتراح الحلول وجمع الأضداد، وعدم الوقوف عند حصيلة متشائمة، إيماناً منه بلبنان الرسالة ووجوب التصدي لكلّ ما يهدد مستقبل هذا البلد العزيز على نفسه.

كذلك، فقد باتت الحاجة ملحّة لكسر الحلقة المفرغة من اعتذارات الرؤساء المكلفين، ولإنهاء الجمود والمراوحة في عملية التأليف، عبر خلط الأوراق وإعادة ترتيب الأولويات. إلا أننا بأمسّ الحاجة إلى ملاقاة مبادرات الرئيس بري بأجواء صادقة ونيات مخلصة وإرادات وطنية وحسّ كبير بالمسؤولية، من خلال إحسان البعض القراءة في كتاب واحد، هو كتاب نهضة الوطن، ذلك أنّ وطننا يستدعي منا أن نتنازل عن كل الحسابات الخاصة والتفاصيل الضيّقة من أجل إخراجه من الأزمات المصيرية التي تضرب به من كل صوب وجانب. فما العبرة بالتمسّك بثلث معطّل من هنا، وحقائب سيادية من هناك، إذا فقدنا وطننا، وطن العزة والكرامة والإباء؟ كما أن الواقعية السياسية تفرض من كافة القوى السياسية أن تتنازل عن جزء من مطالبها للتوصل إلى تسوية توافقية تؤمّن للبنان الحد الأدنى من الاستقرار، خصوصاً أن الفوضى لا تصبّ في مصلحة أحد.

 

في النتيجة، ينتظر اللبنانيون تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، وهم أشدّ تعطشاً إليها، وإلى مسعى الرئيس بري بتذليل الصعوبات في زمن يحول فيه الضباب دون رؤية المستقبل، ويدعو إلى الكثير من التساؤلات.