Site icon IMLebanon

تشكيل الحكومة في لبنان… إلى الوراء دُر

 

… في الحكومةِ التعقيداتُ القديمةُ «تعود إلى قواعدها»، وفي أزمة المحروقات بداياتُ حلْحلةٍ وليس حَلاً. خلاصتان للعنوانيْن الرئيسييْن اللذين يُثْقِلان على لبنان، الأول باعتباره مفتاحَ وضْع البلاد على سكة فرْملة الانهيار الكبير، والثاني بوصْف عدم انتظامِ توفيره «القِفْلَ» لمختلف القطاعات و«باب جهنم» الفعلي الذي يرتّب مخاطر وجودية على الأمن الصحي والاستشفائي والغذائي والمائي لشعبٍ وكأنه… «يُدفن حياً».

ففي الملف الحكومي حملتْ الساعاتُ الماضية أوْضح إشارةٍ إلى أن «الصاعقَ» الذي انفجر بتكليف الرئيس سعد الحريري والمتمثل بإصرار فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، تحت مسميات عدة، على الإمساك بزرّ «التحكم والسيطرة» منفرداً على عمل الحكومة عبر الثلث زائد واحد، عاد ليُرْخي بظلاله على مهمة الرئيس نجيب ميقاتي الذي يدخل تكليفه غداً الشهر الثاني، وسط «رياح مُعاكِسة» إقليمية أطلّتْ أيضاً من العنوان الإشكالي الذي شكّله تدشينُ «حزب الله» مرحلةَ استيراد المحروقات (المازوت والبنزين) من إيران من ضمنِ مسارٍ «يورّط» لبنان الرسمي – ولو جانَبَ المرور عبر مرافئه – الذي يصارع لفكّ عزلته العربية – الخليجية ولاستعادة ثقة المجتمع الدولي عبر الانضواء تحت شرعيته، ويبدو الحزب من خلاله وكأنه قام بنقْلةٍ احتسب نتائجها على طريقة win – win situation له.

 

وإذ كان المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس يؤكد تعليقاً على استيراد «حزب الله» المحروقات من إيران أن جميع العقوبات المفروضة على طهران لا تزال سارية «وعندما يتعلق الأمر بالنفط فإن هذا لم يتغيّر» من دون أن تتضح ترجمات هذا الكلام، فإن الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة حرص على «سحب ذريعة» تشكّل ركيزة مناخات إعلاميةٍ تتصل بفريق رئيس عون وتحاول ربْط الهبّة الساخنة في مسار التأليف وما اعتُبر «انقلاباً من ميقاتي على صيغة جرى التوافق عليها» بمآل قضية استجرار المحروقات من إيران ومحاذرة الرئيس المكلف «حرق يده» في هذا الملف.

والأكثر تعبيراً عن هذا الأمر كان ما نقله موقع لبنان 24 (المحسوب على ميقاتي) رداً على هذه «التسريبات من مصادر معروفة» كما ربْطها موقف الرئيس المكلف «بمصير موضوع الدعم وما سوى ذلك من ملفات ساخنة» أن ميقاتي «قَبِل في العامين 2005 و2011 تشكيل حكومتين في أصعب مرحلتين انقساميتين وحافلتين بالتحديات المحلية والخارجية عاشهما لبنان، وهو يدرك مسبقاً حجم التحدي الذي ينتظره.

ومن هنا فهو يتمسّك بالاطار العام الذي حدده لحكومته لتكون جلسات مجلس الوزراء منتجة وفاعلة لاتخاذ القرار المناسب لمصلحة البلد، لا ساحة للصراعات التي يَتَعَطَّل معها القرار، كما حصل سابقاً».

وبين ثنايا هذا الموقف، لاحتْ العقدةُ الرئيسيةُ التي طفت للمرة الأولى بهذا الوضوح على مفاوضات التأليف مع ميقاتي والمتمثلة بالثلث زائد واحد، الذي بات يحمل اسماً حَرَكياً هو مَن يسمّي الوزيريْن المسيحييْن من خارج الحصة المباشرة لعون (6 + 1 طاشناق) ومن خارج وزيريْ المردة ووزير «القومي» في حكومة الـ 24 (مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين) بحيث يشكّل هذان الوزيران «المكمّلَ» للثلث المعطّل الذي يصرّ خصوم عون على أنه المطلب الأساسي لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل باعتبار أن الحكومة هي «الجسر» للانتخابات الرئاسية (خريف 2022) التي لن تولد إلّا بعد فراغ.

وفيما تذكّر أوساط سياسية بأن هذه العقدة تحديداً هي التي كانت «اللغم» الذي أطاح بمهمة الحريري والذي جرى تمويهه بعنوان أن الحكومة تتشكّل مناصفة بين المسيحيين والمسلمين وليس على قاعدة مثالثة مقنّعة تحملها صيغة الثلاث ثمانيات وأن عون هو «ضامن الميثاقية» في الغالبية العظمى من نصفها المسيحي في غياب الأحزاب المسيحية الوازنة عن المشاركة في الحكومة، تشير إلى أن كل الخلافات الأخرى حول أسماء مَنْ سيتولى بعض الحقائب على أهميتها ليست إلّا تعقيدات تدور في «الحديقة الخلفية» للعقدة – الأم أي الثلث المعطّل.

ورغم التسريبات التي جرت عن أن ميقاتي سيزور قصر بعبدا (أمس) حاملاً تشكيلة متكاملة، وفق تركيبة ثلاث ثمانيات، وأن ما بعد رفْضها اعتذار، فإن معطيات تقاطعت عند أن الرئيس المكلف، وإن كان يضع ورقة الاعتذار على الطاولة للعبها «في الوقت المناسب بحال اضطر لذلك»، ليس في وارد حشْر رئيس الجمهورية بتشكيلة take it or leave it وأن الصيغة التي سيحملها لن تكون على طريقة التحدي بل باباً لمزيد من النقاش واستكشاف النيات الحقيقية ودائماً تحت سقف أن المهلة ليست مفتوحة للتأليف.

ومن هنا كان لافتاً أيضاً تأكيد قريبين من ميقاتي «أن هناك حتى الساعة مَنْ لا يزال يتلطى خلف الأبواب الموصدة، معتقداً ان الظرف الراهن يسمح بالمزيد من الألاعيب السياسية ومحاولاتِ التذاكي للاستحصال على ما أمكن من«مكاسب حكومية» آنية ولاحقة تحت مسميّات عدة وحسابات حكومية عددية تعطيلية وانتخابية، متناسياً أن الرئيس المكلّف يريد لحكومته ان تكون منتجة لا مطية يستخدمها أصحاب الطموحات التي لا تأخذ بالاعتبار سوى المصلحة الشخصية، للعبور منها لتحقيق ما بات صعب المنال»، معتبرة أن «من مهازل الزمن أن يلجأ«بعض المصادر المعروفة»لأساليب تشبه توقعات البصاّرين لتحديد مواعيد مزعومة لتحرك الرئيس المكلف وزيارته رئيس الجمهورية، متجاهلين حقيقة أساسية وهي أن ميقاتي يتحرّك فقط على إيقاع قناعاته الشخصية والوطنية وقراره الذي يحدده بملء إرادته، وفي الموعد الذي يراه هو مناسباً لاستكمال البحث والتشاور مع الرئيس عون في ضوء المعطيات والمستجدات».

وفي موازاة ذلك، كانت أزمة المحروقات تضع اللبنانيين أمام معادلات صعبة، لا يكادون معها أن يلتقطوا أنفاسهم مع بدء تسليم المازوت والبنزين أمس وفق السعر الجديد لدولار الدعم (8 آلاف ليرة عوض 3900) ليحبسوها مجدداً مع حسْم أنه بعد نهاية سبتمبر المقبل سيكون اكتمل نصاب الرفع الكامل للدعم عن المحروقات ليصبح وفق سعر السوق الموازية كما تحدّده منصة sayrafa أي مصرف لبنان المركزي (حالياً نحو 17 الف وبأقلّ من ألفي ليرة من سعر السوق السوداء).

وفي حين بقيت البلبلة أمس أمام المحطات وفي سوق المازوت وسط الحاجة إلى وقتِ لتسليم الكميات التي تفرْمل «الموت» المتوالي لقطاعاتٍ حيوية، مثل المياه التي أعلنت مصالح في مناطق عدة أنها توقفت عن الضخ ريثما يتم «نجدتها» بالمازوت، وفي ظل أرقام صادمة حلّت كالصاعقة على اللبنانيين حول تكلفة اشتراكاتهم في مولدات الأحياء والتي لم يقل فيها اشتراك الـ 5 أمبير عن مليون ليرة وستتضاعف بعد رفع الدعم كاملاً، فإن أوساطاً مطلعة اعتبرت أن تمديد الدعم شهراً لن يؤدي إلى انفراجات واسعة بل إلى تبديد كارثي لمزيد من الدولارات التي يحتاج إليها لبنان وإلى ضخّها في جيوب مهرّبين ومخزّنين.

وإذ اعتبرت هذه الأوساط أن التحديد الرسمي لنهاية سبتمبر موعداً لتحرير السعر هو «دعوة» للمخزنين للإمعان بإخفاء ما سيتم استيراده في الأسابيع الأربعة المقبلة لبيعه بسعر أعلى، لاحظتْ أن السلطات تأخّرت كثيراً في رفْع الدعم كاملاً بعدما بات سعر السوق السوداء يناهز ضعف السعر الذي ستبلغه صفيحة البنزين مثلاً في أعقاب رفْع الدعم عنها، وهو ما يعني أن هذه السوق ستبقى منتعشة حتى بعد التسعير وفق منصة sayrafa ما لم يتم الضبط الكامل للمخزنين، ناهيك عن الإشكالية القديمة – الجديدة المتمثلة في فارق سعر المحروقات بين لبنان وسورية والذي يجري «تعديله» دائماً من الجانب السوري بما يلائم إبقاء شريان التهريب مفتوحاً.

كما رأت الأوساط أن مرحلة ما بعد رفْع الدعم الكامل مشوبة بأسئلة كبرى حول إذا كانت ستحمل حلولاً لأزمة المحروقات ما لم يتم تحرير الاستيراد وفي ظل إبقائه رهن فتح اعتمادات من مصرف لبنان لا يُعرف كيف ستتأمن الدولارات لها وبمئات الملايين شهرياً، وتالياً هل سيبقى التقنين في الاستيراد سائداً.

وفي غمرة الغبار الكثيف الذي لفّ يوم «حرق الأعصاب» الجديد للبنانيين أمام محطات المحروقات وفي بيوتاتهم المحرومة من الكهرباء، لم يكن أكثر تعبيراً عن المآسي المتنقلة التي يواجهونها من التقارير عن أن سيارة مخصصة لنقل الأموات (تابعة للجنة مقبرة صيدا) لم تتمكّن من نقل جثة أحد المتوفين من المستشفى الى مقبرة صيدا الجديدة في سيروب لدفنه، والسبب عدم توافر البنزين، فما كان من أهل الفقيد إلّا الاستعانة بفريق الإنقاذ الشعبي لنقله بسيارة تابعة له.