كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:
تسيطر الضبابية على المشهد اللبناني، ولذلك تحاول القوى المختلفة تلمّس حقيقة المواقف الدولية، في ظل رصد رئاسي لتبعات إعلان السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا السماح للبنان باستيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية.
وتواصلت جهات لبنانية متعددة مع مسؤولين في واشنطن لفهم حقيقة الموقف، وما إذا كان سيحدث بسببه تجاوز لـ «قانون قيصر» أو إقرار بعض الاستثناءات، غير أن الجواب لم يكن واضحاً، وهو ما زاد الضبابية، إذ تشير بعض المصادر إلى أن موقف السفيرة الأميركية كان متسرعاً، في وقت يعتبر آخرون أنه مشروع يتم بحثه منذ فترة طويلة، وجاء كشف السفيرة عنه بعد ساعات من إعلان الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله استقدام النفط الإيراني إلى لبنان.
مصادر متابعة لحركة شيا نقلت عنها أن موقفها حول الغاز المصري لم يكن ردّة فعل بل نتيجة لمساعٍ طويلة الأمد، وأن الغاية من الإعلان هي تأكيد واشنطن وقوفها إلى جانب لبنان ومساعدته في مواجهة وتيرة الانهيار المتسارعة، والتي قد تشمل قطاع الاستشفاء، وهو ما يفرض على الولايات المتحدة المبادرة، في سبيل المساعدة.
وتقول المصادر إن نقل الغاز المصري إلى لبنان يحتاج إلى إصلاح الأنابيب، وهي خطوة ستكون كلفتها عالية، وبحاجة إلى وقت طويل، وكذلك يحتاج استجرار الكهرباء من الأردن إلى إصلاح الشبكة الكهربائية في سورية، مشيرة إلى أن هناك مفاوضات بدأت مع دمشق حول إمكانية السماح بذلك، وكان الجواب بأن هناك استعداداً لهذه الخطوة مقابل تلبية ثلاثة شروط، أولها إصلاح أنابيب الغاز واستفادة سورية منها، وثانيها إصلاح شبكة الكهرباء والاستفادة منها على حساب البنك الدولي، وآخرها إجراء محادثات رسمية لبنانية ــ سورية من خلال إرسال وفد رسمي لبناني لتوقيع اتفاقية بهذا الشأن.
وبالطبع، لا يمكن للبنان الإقدام على مثل هذه الخطوة من دون الحصول على موافقة أميركية واستثناء يقضي بالإعفاء من مندرجات «قانون قيصر»، الذي يفرض عقوبات على سورية، وهو أمر لم يبتّ بعدُ داخل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
وفي إطار استشراف آفاق المرحلة المقبلة والتنسيق، تأتي زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط للأردن للقاء الملك عبدالله الثاني الذي تربطه بالزعيم الدرزي اللبناني علاقة وثيقة، والعائد من جولة لقاءات خارجية شملت واشنطن وموسكو.
وعلى خطّ الاستشراف أيضاً، تتحدث بعض المعلومات عن زيارة مرتقبة لقائد الجيش اللبناني جوزيف عون للولايات المتحدة الشهر المقبل للبحث مع المسؤولين الأميركيين في كيفية الحفاظ على الاستقرار وتأمين الصمود في وجه التحديات المفروضة.
أمام كل هذه الوقائع، تُطرح أسئلة كثيرة حول المرحلة المقبلة لبنانياً، لا سيما في ضوء إصرار «حزب الله» على إدخال النفط الإيراني. وحتى الساعة، غير معروف ما إذا كانت الناقلة الإيرانية الأولى سترسو على الشواطئ اللبنانية أم في مرفأ بانياس ويتم نقل مخزونها براً عبر الصهاريج. وسيكون خيار تفريغ الباخرة في سورية أفضل من الناحية السياسية؛ لأن دخولها إلى لبنان قد يؤدي إلى فرض عقوبات أو تشديد الضغوط، إلا إذا كانت هناك موافقة أميركية ضمنية، مما يعني غض النظر عن «حزب الله»، من دون كسر «قانون قيصر». وتبقى «لا» جواباً واضحاً حتى الآن على هذه النقطة بانتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة.
وفي ضوء تزاحم الملفات اللبنانية وتشابكها ببعضها، لا يمكن لهذه التطورات كلها إلا أن تنعكس على الواقع الداخلي، وخصوصاً على مسار تشكيل الحكومة، الذي تحول إلى ما يشبه البورصة، فتارة ترتفع أسهم التشكيل، وتارة أخرى تغلب أسهم التعطيل. ويبقى الأكيد أن كل طرف يسعى إلى تحسين شروطه وتعزيز مكاسبه، وفي هذا الإطار جاءت خطوة القاضية غادة عون المحسوبة على رئيس الجمهورية ميشال عون بإصدار مذكرة بحث وتحرٍّ بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي كانت إقالته أحد الشروط الأساسية التي فرضها عون على رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي.
وتتوسع هوامش الأزمة اللبنانية من البعد الداخلي والصراع على الحصص إلى البعد الإقليمي والدولي والاشتباك الإيراني ــــ الأميركي، والصراع على الملاحة البحرية وحافلات النفط، من خلال إدخال النفط الإيراني كعنصر جديد على المعادلة سيكون له تأثيره على المسار الحكومي، وعلى دور قوات «اليونفيل» وعلى مجمل الوجهة السياسية التي سيسير بها لبنان.