كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:
كان يفترض بالرئيس المكلف نجيب ميقاتي ان يزور بعبدا عصر الأربعاء لولا انه اتصل معتذراً عن المجيء لاسباب بقيت مجهولة لدى اوساط بعبدا، التي بدت في حيرة من امرها في تفسير الاسباب التي حالت دون لقاء ميقاتي رئيس الجمهورية ميشال عون. فللمرة الثالثة يتصل ميقاتي طالباً تأجيل زيارته وارجاء البحث الحكومي ريثما تنجلي الصورة اكثر، في وقت واصل ميقاتي تواصله مع عدد من الشخصيات للوقوف على رأيها بشأن المشاركة في الحكومة والتي يتوقع انّ طرحها لن يستفز رئيس الجمهورية ويدفعه الى رفضها.
وتزامن الارجاء بعد صدور مذكرة البحث والتحري عن المدعية العامة في جبل لبنان، القاضية غادة عون ولمدة شهر بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ما عزز فرضية الربط بين الحدثين خصوصاً وان ميقاتي كان تمنى على عون لو يتم تجميد ملف سلامة الى حين تشكيل الحكومة تجنباً لأي احراج يلحق بالمساعي ويوتر الاجواء.
خطوة قد تكون احرجت ميقاتي وتجنب لقاء عون على اثرها لكنها لم تكن هي الاساس لان مشاورات التشكيل لم تكن على خير ما يرام قبلها، فمن اطّلع عن قرب على اجواء الرئيس المكلف ليلة الثلثاء لمس قلقاً لديه لان تركيبة الحكومة كانت انقلبت رأساً على عقب، ولم تعد العقبات محصورة بحقيبة واحدة دون سواها. فوزير الداخلية لم يحسم اسمه بعدما رفض اللواء ابراهيم بصبوص توليها والمرشح البديل اللواء مروان زين قد لا يلاقي قبولاً من قبل عون، هذا فضلاً عن الانقلاب الذي حصل على مستوى الاسماء المسيحية التي بدّل فيها عون في اللحظات الاخيرة وغيّر اسماء كان اقترحها بنفسه. نقطة الخلاف الاساسية هنا ان عون يعترض على فكرة ثبات الاسماء السنة والشيعة بينما يشترط الرئيس المكلف موافقته على الاسماء المسيحية التي يقترحها عون. الارجح هي مشكلة نكايات بين من يقترح ومن يوافق، بات واضحاً ان اي اسم يقترحه عون هو موضع تشكيك ميقاتي والعكس صحيح.
مطلعون على اجواء التشكيل عن قرب يعتقدون ان ميقاتي محرج ويتهرب من تشكيل حكومة لارتباطه بأجندة سبق وحددها له نادي رؤساء الحكومات السابقين، وغايتهم من خلالها كسر ميشال عون عبر تشكيل حكومة يميل ميزانها لرئيس الحكومة وإما تقصد المماطلة ليبقى عهد عون بلا حكومة. فيما مصادر اخرى استبعدت ان تبصر الحكومة النور قبل ان يمر قطوع باخرة المازوت الايرانية ورفع الدعم نهائياً، غير ان معلومات مؤكدة تحدثت عن تواصل اميركي مع ميقاتي نصحه بفصل مسار تشكيل الحكومة عن الباخرة الايرانية، وهو الجو ذاته الذي تبلغه من الفرنسيين، والطرفان عملا بقوة على خط الدفع باتجاه تشكيل الحكومة، غير ان تأثيرهما يبدو اكبر على الرئيس المكلف منه على رئيس الجمهورية.
لكن رغم ذلك استمرت معطيات الحكومة غير مطمئنة ولا توحي بوجود تشكيلة عما قريب، ذلك ان القرار النهائي بالاقلاع لم يتخذ بعد من قبل الرئيس السابق سعد الحريري ورؤساء الحكومات الذين يطوقون ميقاتي بشروطهم، فضلاً عن تجدد الخلاف على عدة حقائب قديمة ومستجدة كالخارجية والعدل والاقتصاد والطاقة التي كانت لا تزال حمالة اوجه بين الاتفاق وعدمه، وكما ميقاتي كذلك رئيس الجمهورية الذي لم يتخذ قراره السياسي النهائي بالسير نحو التشكيل لعدم توافر معطيات مطمئنة لديه، ما يدفع المطلعين عن قرب الى اختصار المسألة بالقول ان صيغة الـ(3 ثمانات) من دون الثلث الضامن لم ترضِ اي طرف وبالتالي فقد مني طرحها بالفشل.
هل يعني كل ما تقدم ان ميقاتي يتأهب للاعتذار؟ الجواب لا بالتأكيد وفي نيته اعداد تشكيلة جديدة وطرحها على عون فاتحاً المجال امام فرص بحث اضافية. فالرجل الراغب بتشكيل حكومة اليوم قبل الغد لا يجد مصلحة له بالاعتذار، لا سيما وانه يظهر بمظهر المنقذ وهو قالها ان البديل عن عدم وجود الحكومة هو الانهيار.
لا يجد ميقاتي ضيراً من استمرار المحاولة تلو الاخرى، طالما انه رئيس حكومة ولو بالتكليف، والى ان تتوافر القناعة السياسية بولادة الحكومة يكون قطوع الباخرة الايرانية مر على خير، ومثله القرارات الاقتصادية الصعبة كرفع الدعم نهائياً وتراجع طوابير الذل على محطات الوقود. يريد ميقاتي ان يدخل على الجاهز، وينهل من قاموس الترشيحات ما امكن من الاسماء الى ان تحين الساعة بتوقيتها السياسي الملائم والذي لم يحن بعد على ما يبدو. تراجعت الزيارات لكن البحث مستمر ولو احترقت عشرات الاسماء على طريق التشكيل وضاق البعض ذرعاً من الانتظار.