كتب وليد شقير في نداء الوطن:
لم يعد أمام المستعجلين على تأليف الحكومة سوى المراهنة على أن يؤتي الضغط الدولي المتصاعد على الفريق الرئاسي ثماره فيتوقف تعطيل التأليف تارة بمحاولة فرض أسماء حزبية فاقعة اللون وواضحة الولاء، وأخرى بالإصرار على حقائب بعينها والسعي لتحويلها إلى وسائل تنفيع وترغيب انتخابية، أو من أجل التمهيد لخطوات كيدية.
فالقاعدة التي تصرف على أساسها هذا الفريق خلال الاجتماعات الثلاثة عشر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي هي إما حكومة كما نريدها أو لن يوقع على مرسومها الرئيس. هكذا فهم رئيس الجمهورية “تدوير الزوايا” الذي توقع من ميقاتي أن يعتمده في التأليف.
أما المراهنة على أن ينفع الضغط الدولي في فك أسر الحكومة، فلأن الديبلوماسية الأميركية والأوروبية والفرنسية تابعت في الأسبوعين الماضيين تفاصيل العقبات التي تحول دون ولادة الحكومة ووصلت إلى استنتاج بأن الفريق الرئاسي يسعى عبر شروطه المتوالدة إلى الحصول على الثلث المعطل في التركيبة الحكومية من أجل التمكن من التحكم بالحكومة وإعطاء الفرصة للصهر جبران باسيل بأن يوجه عملها ويعرقله أو يسهله وفق مقتضيات مصالحه الانتخابية في حال حصلت الانتخابات النيابية في أيار المقبل، طالما الأولوية هي لتمتين قدرته على أن يفرض نفسه وريث وراثة عون في الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول 2022.
لم يساير السفراء كما في السابق، في حصر المسؤولية عن العرقلة بفريق الرئيس عون و”التيار الوطني الحر”. ولم يفتعلوا المساواة في التهمة بتأخير التأليف كما فعلوا في كثير من الأحيان حين وزعوا التهمة بين عون والرئيس المكلف السابق سعد الحريري. وهم باتوا يدركون أن ميقاتي قام بما عليه في محاولة تدوير الزوايا، والباقي يتوقف على الرئاسة الأولى، كي ترى الحكومة النور. كما أنهم خلافاً لمرحلة الحريري حيث كانوا يتركون مجالاً لما تبقى من إمكان الأخذ والعطاء مع الفريق الرئاسي في حال اعتذار الحريري، ومن أجل التمهيد لمجيء ميقاتي. أما مع الأخير فإنهم أبلغوا من التقوهم من المراجع والقيادات أن الوضع سيسوء أكثر مما هو متوقع في حال لم تنجح مهمة ميقاتي، إن على صعيد الأوضاع الحياتية أو على الصعيد السياسي الداخلي. والبعض يقول إن تحركاتهم في اليومين الماضيين لم تكن بعيدة عن تحضير الأجواء لعاصفة العقوبات الأوروبية والأميركية الآتية حيال المعرقلين، في حال اتجه ميقاتي إلى الاعتذار، بعد يأسه من الخروج بتشكيلة معقولة تراعي الحد الأدنى من التوازن بدلاً من محاولات الفريق الرئاسي فرض تشكيلة تمكنه من الاستفراد بالقرار فيها.
من الطبيعي أن يقرأ الوسط السياسي والديبلوماسيون الأجانب قرار القاضية غادة عون تسطير بلاغ بحث وتحرٍ عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على أنه محاولة لفرض الفريق الرئاسي أجندته على ميقاتي لإجباره على الالتزام بإقالة سلامة ومقاضاته، الأمر الذي يرفضه الرئيس المكلف، ما يعني توجيه ضربة إلى المحاولات الأخيرة لإحداث خرق في الانسداد السياسي. فمطلب إقالة سلامة طرحه عون على الرئيس المكلف منذ اليوم الأول لتكليفه قبل شهر، مثلما اشترط الأمر نفسه على الحريري عند تكليفه.
مقاربة الدول الغربية للوضع الحكومي لا تستثني من العراقيل سعي “حزب الله” إلى نقل النفط الإيراني إلى لبنان على أنه للضغط على مفاوضات فيينا حول النووي في ظل العقوبات على طهران، ومحاولة لفرض إدخال طهران إلى قطاع الطاقة اللبناني، من أجل تحويل لبنان إلى أحد أسواق خرق هذه العقوبات، مع ما يرتبه ذلك من مزيد من الهيمنة على قرار البلد.
ما اعتبره بعض نواب “التيار الوطني الحر” إنجازاً في استقبال النفط الإيراني رداً على رفع سلامة الدعم عن استيراد المحروقات، هو أبعد من ذلك بالنسبة إلى الدول الغربية والولايات المتحدة، لأنه جزء من الصراع الإقليمي. أما مفعوله اللبناني فهو المزيد من الارتماء من قبل الفريق الرئاسي و”التيار الحر” في أحضان “حزب الله”، وبالتالي مزيد من الارتهان للهيمنة الإيرانية، التي يراقب المجتمع الدولي مدى ترجمتها في الحكومة، بدءاً بحصة الرئاسة الأولى، وانتهاءً بإبقاء الفراغ للتفرد بالحكم.