Site icon IMLebanon

لبنان المُصاب بـ”الكسوف” عبثًا يبحث عن “جنس الحكومة”

«لبنان في حال كسوف والأخطارُ الاجتماعية والأمنية تتصاعد يومياً ومَخاطرُ فلتان الأمور من عقالها تزداد… على رئيس الجمهورية (ميشال عون) والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة (نجيب ميقاتي) أن يتّفقا على التأليف بشكلٍ طارئ من أجل مصلحة الشعب اللبناني»… رسالةٌ عاجلةٌ وجَّهَها الممثلُ الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل للمسؤولين في «بلاد الأرز» بما عَكَسَ حراجةَ واقعها والمدى الذي بَلَغَه الانهيارُ الشامل في ضوء انزلاقه إلى أزمةٍ إنسانية تتوالى ظواهرها المؤلمة.

وجاء تحذيرُ بوريل الذي نَقَلَه سفيرُ الاتحاد الأوروبي في لبنان رالف طراف إلى كلٍّ مِن رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان نبيه بري والرئيس المكلف قبيل انعقاد اللقاء الرقم 13 الذي جمع أمس، عون وميقاتي، والذي جرى التعاطي مع خلاصاته على أنها إما ستعزّز اقتناع مَن لم يحيدوا عن ثابتة أن لا حكومة في المدى المنظور لأن اللحظةَ الإقليمية غير مؤاتية كما أن الحسابات «الرئاسية» التي تحكّمتْ بهذا الملف منذ عام ونيف وبعدها «الانتخابية» (النيابية) لم تتبدّل، وإما ستزيد من حظوظ «اقتناص» تشكيلةٍ تُوائم بين تعقيدات الوضع اللبناني و«موازين القوى» فيه وبين الحدّ الأدنى من المعايير التي يشترطها المجتمع الدولي لتوفير «سترة نجاة» للوطن الصغير الذي بات الخارج يتهيّب ارتدادات سقوطه… المميت.

وجمعتْ رسالة الاتحاد الأوروبي، بين الحضّ على «تشكيل حكومة في أسرع وقت، والتنفيذ السريع للإجراءات والإصلاحات اللازمة لإخراج لبنان من أزمته الحالية»، وبين رفْع منسوب «تحفيز» المسؤولين على إنجاز مهمة التأليف من خلال تأكيد «إمكان مناقشة تقديم الاتحاد حزمة أخرى من المساعدات للبنان بمجرد تشكيل الحكومة وإذا تم وضع برنامج عمل مع صندوق النقد الدولي»، وهو ما أكمله طراف بالتشديد لكن على أصحاب القرار اللبنانيين أيضاً تحمل مسؤولياتهم «ما عاد في وقت».

وارتكزتْ «ديبلوماسية الطوارئ» التي أطلقها بوريل على حيثيات ليس أقلها أن «لبنان ينهار وخطر الاضطراب الاجتماعي فيه وعدم الاستقرار يزداد»، وبلْورها أكثر سفير الاتحاد الأوروبي بتأكيد «اننا نشعر بقلق بالغ حيال التدهور السريع للأزمة الاقتصادية والمالية والأمنية والاجتماعية.

وتعاني الدولة في قدرتها على تقديم الخدمات والإمدادات الأساسية، كما أن اللبنانيين يعانون. وانفجار عكار مثال آخَر على دفع الناس ثمن التقاعس السياسي».

وعلى وقع تحديد المسؤول الأوروبي «الداء والدواء» في الأزمة اللبنانية، انعقد لقاء عون – ميقاتي الذي دخل تكليفه شهره الثاني، وسط معلومات عن أن الأخير حمل معه مسودة تشكيلة متكاملة من 24 وزيراً ولكن «غير مقفلة» بمعنى إبقاء الباب مفتوحاً أمام إدخال تعديلاتٍ عليها من رئيس الجمهورية لا تطاول«هيكلها»وتوازناتها أو تنسف قواعد التأليف التي حدّد لها الرئيس المكلف معايير تصبّ في اتجاهين:

– الأول خدمة رؤيته للحكومة التي سيترأسها وشروط نجاحها في تفكيك القنابل الموقوتة المالية – الاجتماعية – الأمنية المزروعة في طول لبنان وعرْضه والعبور بين «حقل الألغام» الاقليمي.

– والثاني مراعاة مقتضيات «بروتوكول تكليفه» الذي تم بغطاء من رؤساء الحكومة السابقين، وبينهم الرئيس سعد الحريري الذي أطيح بمحاولات تأليفه الحكومة على مدى نحو 9 أشهر وصولاً إلى اعتذاره في 15 يوليو الماضي.

وهؤلاء يقاربون هذا الملف من زاوية دستورية تتصل برفْض تكريس أي أعراف كاسرة لمندرجات نظام الطائف، وفق ما يتّهمون عون بممارسته، وأخرى سياسية ترتبط برفْض استيلادِ تشكيلةِ «تقْطع آخر الخيوط» التي تربط لبنان بالعالم العربي وتزيد من عزلته وهو ما يتّصل خصوصاً بـ«حزب الله» وما ظهّره الحريري بلا أيّ التباسٍ بعد كشْف السيد حسن نصرالله إبحار سفينة إيرانية محمّلة بالمازوت إلى لبنان (أشارت تقارير إلى انطلاقها أمس، من إيران) في خطوةٍ «فوق عادية» اعتُبرت إشارةً إلى «أن الرياح الإقليمية تجري بما لا تشتهي سفن التأليف».

وعَكَسَ الاجتماع القصير الذي جَمَعَ عون وميقاتي بعد انقطاعٍ عن اللقاءات المباشرة لأكثر من أسبوع، أن «الأمتار الأخيرة»، كما كان وصفها الرئيس المكلف، تجترّ وأن اختراقاً لم يحصل في جدار التعقيدات المتعلقة ببعض الحقائب والأسماء والثلث المعطّل الذي يختبئ وراء عقدة مَن يسمي الوزيريْن المسيحيين من خارج «كوتا» التوزيع على الأطراف السياسية ولو بوزراء غير حزبيين، وهو الثلث الذي يجعل الحكومة برأسين ويمنح طرفاً واحداً القدرة على التحكّم بقراراتها وحتى بنصاب انعقادها.

وإذ استوقف أوساطاً سياسية خروج ميقاتي من اللقاء وعلامات عدم الارتياح بادية عليه، مكتفياً بالقول «إن شاء الله خير»، معتبرة أنه إذا صحت قراءة معالم «وجه» ميقاتي، عندها يصبح ممكناً تَوَقُّع رجحان كفة الاعتذار الذي سيكون الثالث لرئيس حكومة مكلف في سنة بعد الاصطدام بالعقدة الكأداء المتمثلة بإصرار عون وفريقه على الثلث المعطل، حرص قريبون من ميقاتي على نفي أن تكون أجواء الاجتماع مع عون سلبية.

وفيما ستكون الأيام القليلة المقبلة كفيلة بإخراج الملف الحكومي من المنطقة الرمادية، فإن الأوساط السياسية تعاطت مع قيام القاضية غادة عون (محسوبة على فريق رئيس الجمهورية) أول من أمس، بإصدار «بلاغ بحث وتحر» في حق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في قضية التحويلات المالية إلى الخارج، على أنه بمثابة «إطلاق نار» على مسار التأليف.

ورغم أن تشكيكاً كبيراً حصل في «القيمة القانونية» لخطوة القاضية عون بحق سلامة، الذي يخوض فريق رئيس الجمهورية معركة شرسة ضده منذ قراره رفع الدعم عن المحروقات، باعتبار أن مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات سبق أن جرّدها من صلاحياتها، فإن المعنى السياسي لهذه الاندفاعة بدا نافراً في ظل المؤشرات إلى أن «رأس» سلامة يُعتبر من التفاهمات الجانبية التي يُراد الوصول إليها مع ميقاتي قبل الإفراج عن الحكومة إلى جانب تعيينات أمنية وغيرها يريدها فريق عون الذي يخشى خصومه أن يستخدم ملف التدقيق الجنائي بخلفيات «ثأر سياسي».

وفي موازاة ذلك، لم يكن ممكناً أمس، تَلَمُّس إذا كانت ستحصل إي ارتدادات سياسية للقرار – السابقة الذي أصدره المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بإصداره مذكرة إحضار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بعد امتناعه عن المثول أمامه كمدعى عليه في الملف لتُرجأ الجلسة إلى 20 سبتمبر المقبل.

وكانت الأمانة العامة لمجلس الوزراء أرسلت كتاباً إلى البيطار أبلغته فيه«عدم صلاحيته في استجواب رئيس الحكومة المستقيلة وعدم اختصاصه»، مشيرة إلى «أن الملف لا يزال بيد مجلس النواب، الذي لم يحسم موضوع الادعاء على النواب والرئيس دياب، ورفع الحصانات وإحالة الملف إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء».

وأشارت معلومات إلى أن بيطار اعتبر أن لا قيمة قانونية لرد الأمانة العامة لمجلس الوزراء فمضى بمسار الملاحقات الذي يشمل أيضاً ثلاثة وزراء سابقين هم نواب حاليون علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق والوزير السابق يوسف فنيانوس وقادة أجهزة أمنية وقضاة وموظفين كباراً، بتهمة الإهمال والتقصير الجنائي والتسبب بوفاة وجرح مئات الأشخاص، وذلك بعد التثبت من إحالة مراسلات خطية عدة إلى المدعى عليهم تحذر من المماطلة وعدم القيام بأي إجراءات لنقل مادة نيترات الأمونيوم من حرم المرفأ.

في موازاة ذلك، أشرف المحقق العدلي، في حضور عدد من المحامين يمثلون الأطراف المعنية، على عملية محاكاة لورشة التلحيم الذي سبقت الانفجار في العنبر الرقم 12 وذلك بعد إنهاء الاستعدادات الميدانية التي قامت بها لجنة مشتركة من ضباط في الجيش وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وعناصر من الدفاع المدني وقاضٍ، وبالتنسيق مع مصلحة الأرصاد الجوية لارتباط المحاكاة بالأحوال المناخية التي يفترض أن تكون متماهية بالكامل مع يوم الانفجار في 4 آب 2020.

وقد تمت إعادة تمثيل تفصيلي لمرحلة التلحيم الأخيرة للتحقق اذا كان للتحليم تأثير مباشر في التسبب بالحريق في البداية ثم الانفجار.

وقد أنشئ لهذه الغاية مجسم مشابه للعنبر رقم 12 على بُعد أمتار من الفجوة التي أحدثها الانفجار مع بوابة متطابقة لتلك التي حكي عن أنها خضعت لعملية التلحيم. وجرى تصوير وتوثيق المحاكاة الافتراضية (صور وفيديو) بعيداً عن الإعلام تمهيداً لضمّها إلى أوراق الملف.