يمضي المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار قدما في طريق كسر المحرمات والخطوط الحمر، مسددا ضربات قوية الى السلطة السياسية لم تعرف الساحة الداخلية مثيلا لها على مر العقود الماضية، ما يجعله اي القاضي، محط تقدير شعبي كبير.
امس، اصدر الرجل مذكرة احضار في حق رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، بعدما تمنّع الاخير عن الحضور أمامه بذريعة أنّ “المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو المرجع الصالح” في استجوابه. وفي “الاحضار”، يمكن “الاستعانة بالقوى الأمنية لجلبه إلى الجلسة، التي ارجئت الى 20 ايلول المقبل، قبل 24 ساعة من موعد انعقادها. اما الإجراء الذي يلي فسيكون بإصدار مذكرة توقيف بحق دياب.
بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، فإن أداء البيطار، لا غبار عليه حتى الساعة، خاصة من الناحية القانونية، وهو يحظى بدعم الشارع والناس، ليذهب حتى النهاية في ما هو في صدده، متجاوزا كل الحصانات والمحرّمات “الطائفية” والمذهبية والنيابية التي ترمى في طريقه.
القوى السياسية والاحزاب، المتخاصمة والمتصارعة على كل شيء، وضعت كل خلافاتها جانبا، ورصّت الصفوف، واتفقت على امر واحد: مواجهة المحقق العدلي، لحماية نفسها. هي حتى الساعة، لم ترفع الحصانات عن الوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس وعن النائب نهاد المشنوق لتتيح لبيطار الاستماع اليهم بعد ان اتهمهم بالإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وجرح مئات الأشخاص، وذلك بعد التثبت من إحالة مراسلات خطية عدة الى المدعى عليهم تحذر من المماطلة في اتخاذ إجراءات لنقل مادة نيترات الأمونيوم من حرم المرفأ. ولا يزال اهل المنظومة يراوغون ويحاولون الهروب من العدالة، بشتى الوسائل، عبر طرح تعديل للدستور وعبر محاولة انتزاع القضية من يدي القضاء العدلي لاحالتها الى “المجلس الاعلى” المذكور اعلاه، كما يتفقون على اتهام البيطار بالتسييس والانحياز.
في بيان صادر عنهم امس، صوّب رؤساء الحكومات السابقون عليه قائلين “ورقة إحضار” دياب “سابقة خطيرة بكل الأبعاد السياسية والوطنية والدستورية، وتنم عن إجراء غير بريء لينال من موقع رئاسة الحكومة دون سواها من المواقع العليا في الدولة اللبنانية التي يشار اليها نهاراً جهاراً بمسؤولية وقوع هذه الجريمة”، معتبرين هذه “الإهانة العلنية لموقع رئاسة الحكومة، إعلانا مفضوحا عن إدارة ملف التحقيق العدلي من أروقة قصر بعبدا”. هذا الموقف، يتقاطع، للمفارقة، مع مواقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من التحقيقات اذ انتقد منذ اسابيع البيطار، مطالبا إياه بتقديم دليل يدعم قراره باستدعاء المسؤولين الحاليين والسابقين للاستجواب في القضية. وقال “التحقيق مسيّس، إما أن يعمل بطريقة واضحة أو يجب على القضاء إيجاد قاضٍ آخر”.
وفق المصادر، ليثبت صدقيّته ومهنيّته اكثر، وليدحض كل المزاعم “السلبية” في حقه، لا بد للبيطار من التوسّع اكثر في تحقيقاته واستجواباته، وهو على الارجح في هذا الصدد. فالناس لا تريد فقط محاسبة “جزء” المقصّرين “وظيفيا”، بل جميعهم، تريد الرؤوس الكبيرة، مهما كبرت وعلا شأنها، وتريد استدعاء كل مَن كان يعلم بوجود النيترات في المرفأ ولم يتصرّف، من اعلى الهرم الى اسفله، ومنهم مَن اعلن جهارا امام الاعلام انه كان يعلم. كما ان الشارع يريد رواية كاملة عن باخرة الموت، مَن أحضرها الى بيروت وأنزل بضاعتها في المرفأ وأصرّ على “حمايتها”، واستخدمها على مدى سنوات… وقد بات شبه محسوم ان رجال اعمال مقربين من نظام بشار الاسد اشتروا البضاعة ونقلوها الى لبنان، فيما تتقاطع المعلومات عند كون النيترات نقلت الى الجنوب والبقاع من العنبر 9، اكثر من مرة… فهل سيجرؤ بيطار حيث لم يجرؤ الآخرون، ويقول الامور كما هي، ويسمي الجهات المحلية والاقليمية التي تسببت بالمباشر وغير المباشر، بزلزال المرفأ ونكبة بيروت؟