IMLebanon

الربط بين العقد الحكوميّة والمشاكل المستفحلة خطأ كبير!

جاء في “المركزية”:

تعتقد مصادر سياسية ودبلوماسية على تماس مع مختلف الاتصالات المفتوحة والجهود المبذولة من أجل تسهيل الولادة الحكومية ومواجهة سلسلة الأزمات المتناسلة التي تتوسع من قطاع الى آخر حتى شملت مختلف وجوه حياة اللبنانيين، أن مشروع الفصل بين عملية التاليف ومجموعة الأزمات المستفحلة ليست سهلة على الإطلاق، معتبرةً أنّ مثل هذا الفصل أمر مرغوب ومطلوب لتقديم ملف التأليف على باقي العناوين لانه يشكل في المطلق أولى خطوات خريطة الطريق الى الخروج تدريجا من مختلف المشاكل المطروحة واحدة بعد أخرى.

ومن هذه المنطلقات، تعترف هذه المصادر عبر “المركزية” لتقول انه من الطبيعي جدا ان تكون عملية تأليف الحكومة هي الاكثر الحاحا ليس لأن وجودها يمكن ان يؤدي الى ما يطمح إليه اللبنانيون من انفراجات ينتظرونها بفارغ الصبر بل لأنها الآلية التي تستخدم لولوج المعابر الاجبارية المؤدية الى وقف النزيف الداخلي ولجم الانهيارات التي أصابت العديد من القطاعات الحيوية والشلل الذي تمدد في الوزارات والمؤسسات الحكومية واكتمال عقد المؤسسات والسلطات الدستورية التي تفتقر اليها اي دولة كاملة المواصفات. وإن من يمنن النفس بأن مجرد تشكيل الحكومة يمكن ان يحقق الانفراجات المنتظرة دفعة واحدة فهو واهم ومخطئ وسيكتشف خطأه في وقت قريب.

وتضيف هذه المصادر ان الربط الحاصل اليوم بين العقد الحكومية ومعظم المشاكل التي فشل اهل الحكم في مواجهتها على مدى السنوات الماضية يعد خطأ كبيرا لا يمكن الاستناد إليه على أنّه قاعدة ثابتة. فالسياسات الجامحة التي قادت الى محاولات التفرد بالسلطة، والسعي الى قلب التوازنات الداخلية المشكوك بديموتها لا يمكن الزج بها في عملية التاليف. وان حصل ذلك فهو خطأ استراتيجي كبير يقود الى مزيد من التعثر ويرفع المتاريس المتقابلة بين الفئات اللبنانية ويزرع العقبات والالغام امام الولادة المنتظرة. لا بل هو ما أدى إلى دفن الجهود التي بذلت في الكثير من المحاولات في مهدها وطوى سلسلة من المبادرات الهادفة الى توفير فريق عمل حكومي متجانس من أصحاب الكفاءة والاختصاصيين الذين يمكنهم سلوك الطريق المؤدي الى فكفكة العقد والمشاكل القائمة واحدة بعد اخرى وفق برنامج أولويات يتصل بمعالجة الأسباب لكل منها قبل مظاهر الازمة والنتائج المترتبة عليها.

وتعترف هذه المصادر، واستنادا الى وقائع المفاوضات الاخيرة ان المخاوف تعززت حيال عدم وجود النية بتشكيل هذا الفريق الحكومي المتجانس المتحرر من المناكفات الداخلية والانقسامات وهو ما سيؤدي الى المزيد من التأزم بعد مرور عام و18 عشر يوما على استقالة “حكومة مواجهة التحديات” وفشل اكثر من محاولة لعملية التاليف بعد التكليف الثالث في ظروف تنامت لاسباب قد تكون واحدة رغم الفوارق في هوية المكلفين وأدوارهم ومواقعهم.

على هذه الخلفيات، وانطلاقا من الاعتراف الذي لا نقاش فيه  بأن السلطة التنفيذية باتت منوطة بالحكومة مجتمعة، فإن النظر الى عملية تشكيلها تخرج من نطاق القضايا الآنية المطروحة الى ما عداه من قضايا وطنية كبرى. ومن المفترض الا يؤدي الخلاف على هذه المعضلة او تلك الى فتح معركة حول هذه الحقيبة او تلك. فمهمة الحكومة لا تهدف الى تسوية هذه المعضلة فحسب، ولا تتوقف مهمة الوزير عندها فكيف بالنسبة الى حجم القضايا التي يعانيها لبنان والتي تستدعي وجود حكومة قادرة وفاعلة لاستعادة علاقات لبنان الطبيعية بالدول العربية والغربية واحياء المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي كمدخل الى  احياء الثقة المطلوبة خارجيا قبل ان تستعيد شيئا مما هو مفقود في الدخل بكامل أفراد المنظومة السياسية والحكومية والادارية ولولا الثقة بالجيش والاجهزة العسكرية والامنية الاخرى ثبت لدى اللبنانيين انهم يعيشون في دولة فاشلة ومارقة ومن الواجب ان تدار من بعيد.

ولتعزيز هذه النظرية التي عكستها الآليات المعتمدة في عملية التاليف لا يرى المراقبون املا في امكان تأليف حكومة تحاكي هواجسهم وحاجة البلاد الى مثل هذه المؤسسة الدستورية التي عليها مواجهة الاستحقاقات الداخلية والخارجية بالقدر الكافي من القدرات المفقودة ان بقيت المناكفات قائمة بالشكل الذي نشهده والسعي الى وضع اليد على هذه الحقيبة او تلك، وهو ما ترجمته المزاجية التي تتلاعب بين مرحلة وأخرى بالتشكيلات الحكومية التي طرحت ولم تصل بعد الى خواتيمها السعيدة حتى اليوم باعتراف كثر بوجود بعض الفرص الجدية التي ضاعت مع ما بني عليها من احلام.

وبناء على ما تقدم، لا بد من ان تتوفر الاجابة على مجموعة من الاسئلة التي لم يجب عليها اي مسؤول حتى اليوم ومنها: هل هناك فعلا من يعتقد ان البلاد لا تحتاج إلى حكومة وأن هناك آليات دستورية وإدارية كافية لمعالجة ما هو قائم من ازمات؟ وهل صحيح ان هناك من يريد الاستئثار بالسلطة وتجاهل حاجة البلاد الى مؤسسات بالمواصفات الدستورية؟ وهل صحيح ان هناك من يعتقد ان بقدرته تطويع اللبنانيين بمختلف فئاتهم وخصوصا الرافضين لكل ما يجري من اجل تحقيق مصالح ضيقة وآنية ايا كانت الكلفة المقدرة لتحقيقها على كل صعيد؟ ومن قال انها مهمة مضمونة النتائج؟ وكيف السبيل الى تصويب البوصلة من جديد؟!