كتبت زينة عبود في نداء الوطن:
بطنّة ورنّة يحلّ شهر أيلول من هذا العام، وإذا كانت صرخة الأهالي تعلو في بداية شهر الإستحقاقات الكبرى على أبواب المدارس فإن الصرخة مضاعفة هذا الـ “أيلول” لا بل مضروبة بثلاث وأربع مرات. المشهد اليوم كالآتي: وزير التربية يعلن، وبإصرار، العودة الى التعليم عن قرب. المدارس والمعلمون والأهالي يطرحون سؤالاً موحداً “هل نحن فعلاً قادرون على تحمّل تكاليف هذه العودة وكيف؟”
نعترف أولاً بأن تجربة التعليم عن بعد أثبتت أنها بأفضل الأحوال كحلٌ قياساً إلى “العمى” وبالتالي لا بديل من التعليم الحضوري على مقاعد الدراسة.
غير ان أزمة المحروقات معطوفة على انهيار سعر صرف الليرة والأزمة الإجتماعية المتفاقمة تشكّل الهاجس الأساس بالنسبة الى الأهل… وفي صفوفهم رأيان متناقضان بين من يؤيّد العودة الى المدارس بشكل مطلق باعتبار ان الأولاد يخسرون كثيراً نتيحة استمرار إقفال المدارس، وبين من يفضّل بقاء الأولاد في البيوت لأسباب عدة أبرزها غياب الثقة بأن إجراءات الوقاية من كورونا والتباعد الاجتماعي ستكون فعّالة وسيتمّ الالتزام بها جدّياً خصوصاً أن معظم الأدوية باتت مفقودة من السوق والخوف الاكبر من تفشي الأوبئة بين التلاميذ لا سيما الصغار منهم في ظل غياب اللقاحات والعلاجات من الصيدليات والمستشفيات. ناهيك عن أزمة المحروقات التي تؤثّر ايضاً على التعليم الحضوري وكذلك التعليم عن بعد، وثمة اقتراحات باعتماد الفيديو بدل التدريس المباشر ما يتيح للطلاب تنزيل ومشاهدة الدرس عندما تتوافر الطاقة الكهربائية، لكن لهذا الخيار محاذيره وأوّلها: من يراقب التزام الطالب؟ من يتابعه؟ وكيف يتم التفاعل بينه وبين أساتذته.
أسعار الكتب نار
ندى أم لثلاثة أولاد مسجّلين في مدرسة Bauchrieh Adventist school ترفض التعليم أونلاين كلياً وتؤيّد العودة الى التعليم الحضوري، لكنها تعرب في الوقت عينه عن قلقها من ارتفاع الأسعار وتقول “نحن نتبع النظام الأميركي وبالتالي فإن كل الكتب تسعّر على الدولار فأي دولار سيُعتمد اليوم؟ إذا كان وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء سنكون أمام مأزق كبير خصوصاً ان هناك نصف الكتب بالإعارة، وأقل كتاب تقدّر كلفته بنحو خمسين الى ستين دولاراً ولا قدرة لنا لا على شرائه ولا دفع بدل الإعارة” وتشير الى أنها تترقّب زيادة محتّمة على الأقساط وهي تخشى النسبة التي ستطرأ في حين أن لديها ثلاثة أولاد والرقم سيضرب بثلاثة، وتختم بتنهيدة عميقة “الله يستر”.
الهواجس عينها تقض مضاجع الأهل. في مدرسة راهبات القلبين الأقدسين – الجديدة، همست معلمة لوالدة من أهالي الطلاب أن الإدارة تحاول الضغط باتجاه التعليم أونلاين للسنة الثالثة على التوالي، لأن الأقساط إذا ما أعيد فتح أبواب المدرسة، ستُضاعف ولن تتمكّن غالبية الأهالي من تسديدها.
هذه الأجواء تدفع بالأهالي الى الرجوع خطوة الى الوراء بعدما كانوا يطالبون بعودة المدارس. وتمام واحدة من هؤلاء الأمهات، لديها ولدان مسجّلان في مدرسة راهبات القلبين الأقدسين في الجديدة، تحاول احتساب الزيادة التي ستطرأ على الأقساط والقرطاسية والكتب لتشعر لوهلة أن رأسها سينفجر “كل شيء صار بالدولار ونحن بالليرة… كيف بدنا نعلّم ولادنا ونحافظ ع مستواهن الاجتماعي بعد اليوم؟!” بالنسبة الى الزي المدرسي، تشير تمام الى انه لطالما كان يسعّر بالدولار لكن “لا مشكلة مبدئياً فقد تساهلت المدرسة في هذا الموضوع سابقاً” لكن المسألة المستجدّة اليوم هي البنزين المفقود وتقول “الأوتوكار ليس خياراً مطروحاً لأنه مكلف لكن هل ستكون هناك كميات وفيرة في السوق كي نزوّد السيارات لتأمين توصيلة الأولاد ذهاباً واياباً من المدارس”.
هل البنزين مؤمّن للباصات المدرسية؟
في جولة سريعة على إدارات المدارس، يتبيّن لنا ان معظمها تتجّه الى زيادة الأقساط بنسبة 30 الى 35 بالمئة. بعضها أبلغ الأهالي عبر مذكرات نُشرت عبر مجموعات الواتسآب التي يتواصل عبرها الأهالي مع إدارة المدرسة. حتى ان البعض حدد موعد الدخول وأرسل قائمة الكتب التي تُحتسب بطبيعة الحال بالدولار. نسأل في إحدى المكتبات عن أسعار كتب لتلميذ في صف الـ EB5 ليأتي الجواب: 1087650 ليرة لبنانية. وآخر في صف الـ EB3 كلفة كتبه فقط 1034186 ليرة. فيما كانت كلفة هذه الكتب في أيام دولار 1500 لا تتخطى الثلاثمئة الف ليرة.
في السياق، تبلّغت جورجيت من كواليس إدارة مدرسة أولادها الثلاثة، زيادة الأقساط بنسبة 35 بالمئة في مدرسة الانطونية الدولية في الدكوانة أي أنها بدل ان تدفع خمسة ملايين وسبعمئة الف ليرة فإن المبلغ ارتفع الى سبعة ملايين وستمئة وخمسة وتسعين الفاً، وبعملية حسابية سريعة يتبيّن ان المبلغ الواجب رصده للأقساط هذا العام يناهز ثلاثة وعشرين مليون ليرة، ناهيك عن أسعار الكتب التي قيل لها أن الدولار سيُحتسب بثمانية الاف ليرة، لتبلغ قوائم الكتب لثلاثة أولاد بحدود ثلاثة ملايين وسبعمئة الف على الأقل.
التربية.. خليّة نحل
في مقلب وزارة التربية، يدرك الوزير طارق المجذوب أن وضع القطاع التربوي حرج جداً لكن لا يمكن للبنان ان يتحمّل سنة دراسية استثنائية للسنة الثالثة على التوالي، وتبعاً لمصادر مطلعة من داخل الوزارة فإن الميزانية تخضع للدرس في هذين اليومين في مسعى لإيجاد الحلول التي لا تزال ناقصة من أجل تأمين انطلاقة عام دراسي بأقل ضرر مادي ممكن على الأهل، وتشدد المصادر على ان الكلام عن زيادات على الأقساط بنسب تصل الى ثلاثين بالمئة غير دقيقة وتبقى مجرد أرقام ترمى من هنا وهناك.
وهو ما أكده ايضاً الأمين العام للمدارس الخاصة الأب يوسف نصر الذي اشار الى السعي لزيادة رواتب الأساتذة من دون تكبيد الأهالي أي زيادة على الأقساط مراهناً على الدول الصديقة للبنان والجهات المانحة التي يعوّل عليها بقوّة لدعم القطاع التعليمي في لبنان في ظل الظروف الدقيقة التي يمرّ بها.
كوستوم
الخشية لا تقف عند حدود الأقساط فقط. قبل أيام ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بلائحة أسعار الزي المدرسي التي نشرها معهد القديس يوسف – عينطورة والتي حملت أرقاماً مرعبة بدءاً من سعر المريول 255000 ليرة مروراً بسعر القميص 480000 ليرة وملابس الرياضة المحددة بـ790000 ليرة، وصولاً الى المعطف الذي بلغ سعره 845000 ليرة.
هذه الأرقام الخيالية ( بالعملة المتهاوية) تحاول غالبية المدارس تفاديها وتتجه الى عدم إلزام التلامذة بأي ملابس شرط ان يتمّ احترام الألوان الكلاسيكية منعاً لتشتت تركيز الطلاب عن الدراسة.
أما في ما خص كلفة النقل فالأمور لا تزال غير واضحة بتاتاً، وفي اتصال أجريناه مع المسؤولة عن النقل في مدرسة راهبات الوردية – قرنة الحمرا حاولنا استطلاع التسعيرة المتوقعة للأوتوكار وسط بلوغ صفيحة البنزين حدود 128000 ليرة والمرشحة الى الصعود إذا ما تمّ رفع الدعم عن المحروقات بشكل كامل إلا أن الجواب كان ساخراً من الحال التي وصلنا اليها “لنشوف إذا رح يقدرو يقلّعوا المدارس بالأوّل وبعدين منحكي”.
حلول منطقية
لجان الاهل في لبنان تدعم قرار العودة الى المدارس لكنها تطرح أسئلة مشروعة عن كيفية تأمين هذه العودة بأقلّ أثقال ممكنة على كاهل الأهل الذين باتوا منهكين بالكامل. وهذا ما يؤكده رئيس لجنة الأهل في مدرسة راهبات القلبين الأقدسين – كفرحباب فادي فياض في حديث لـ”نداء الوطن” ويطرح نقاطاً عدة يجب التركيز عليها لتأمين انطلاقة جيدة للعام الدراسي بدلاً من صرف مئات الملايين على قطاع الكهرباء ولآماد محدودة. “نحن بحاجة الى مليار ومئتي مليون دولار سنوياً لتأمين سبع عشرة ساعة كهرباء باليوم بما يحلّ أزمة الكهرباء للقطاع كافة وليس فقط للمدارس”، يقول فياض، من هنا ضغطت لجان الأهل على وزير التربية لمطالبة حكومة تصريف الأعمال بأن يكون الدعم مباشرة لمؤسسة كهرباء لبنان وقد كان الوزير متجاوباً الى أقصى حدود مع التأكد انه لن يألو جهداً لتسيير كل الأمور وتسهيل العودة الى المدارس.
أزمة البنزين قد لا تكون حلولها واضحة إذا لم تتحرك الجهات المعنية، ما يحمل فياض الى القول إنه في حال بقيت الأمور عالقة قد نكون حينذاك أمام اتجاه قسري بغيض بالعودة الى التعليم عن بعد، إذا تم تأمين الكهرباء علماً ان التجربة كانت فاشلة.
ويتابع فياض ان رواتب الأساتذة التي لا تزال على دولار 1500 ليرة تتطلّب تصحيحاً بحيث تقوم كل مدرسة بدرس إمكانياتها لتحسين الرواتب، كاشفاً عن خيار انطلاق العام الدراسي بغياب بعض الكوادر الإدارية والمراقبين في الملاعب مثلاً في إطار جملة التدابير المطروحة على بساط البحث لتخفيف أعباء الزيادة التي تنعكس حتماً على الأقساط المدرسية. وهنا يلفت الى انه قانونياً، الأقساط المدرسية مقسّمة الى شقين الأول نسبته 65% وهي عبارة عن رواتب الأساتذة و35% مصاريف مختلفة، وهي نسب تتفاوت بين مدرسة وأخرى بحيث ان زيادة هذه المصاريف التي باتت معروفة بالمبدأ ستنعكس زيادة على الأقساط اضافة الى الزيادة التي تقررها كل ادارة مدرسة لأساتذتها وهنا تختلف الفوارق بين قسط وآخر ومدرسة وأخرى.
هذه الزيادات على رواتب المعلمين تتطلّب حسابات “بالمفرّق” كل مدرسة على حدة، فالجسم التعليمي بحاجة الى دعم مادي خصوصاً أساتذة صفوف الشهادات الرسمية، يشرح فياض، نظراً الى الضغط الملقى عليهم في ظل هذه الظروف، اضافة الى تأثير عدد الطلاب الذي يختلف ايضاً بين مدرسة وأخرى.
العين على فرنسا
أما بالنسبة الى الكتب المدرسية فحدّث ولا حرج، ما هو مطروح اليوم من قبل لجان الأهل على وزارة التربية التوجّه بطلب الى السفارة الفرنسية لتأمين الكتب المستوردة الى جميع طلاب لبنان انطلاقاً من الدعم الفرنسي للقطاع التعليمي في لبنان، وإذا ما تعذّر ذلك الاستحصال على إذن قانوني من دور النشر لإعادة طبع الكتب المدرجة ضمن المناهج التعليمية كونها كلّها “مسعّرة”إما بالدولار وإما باليورو واحتساب سعرها على الليرة اللبنانية بالسواق الموازية، كارثة بحدّ ذاتها. “اذا ما احتسبنا الكتاب بـ26$ على سعر صرف دولار السوق السوداء فنحن نتحدث عن نصف مليون ليرة للكتاب الواحد وهذا أمر خيالي بالنسبـــة الى ذوي التلامذة “.