كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
ثمة مفارقة لافتة تسجل بالتزامن مع انعقاد مؤتمر التعاون والشراكة في العراق، تحت عنوان « اعادة العراق، ليلعب دوره العربي والدولي»، في الوقت الذي يتلاشى فيه الاهتمام بلبنان الى ادنى مستوى، ويغّيب حضوريا عن المؤتمر، ويزداد ابعاده قسرا عن محيطه العربي، خلافا لرغبة اكثرية اللبنانيين، وكأنه غير موجود.
من الملاحظ ان هناك أوجه شبه عديدة بين اوضاع لبنان والعراق، لا بد من التمعن فيها من كل الجوانب. البلدان الشقيقان، تستبيحهما.
ايران بميلشياتها المسلحة، تحت عناوين وهمية مختلفة، هدفها الوحيد الهيمنة والحاقهما عنوة بمشروع التمدد والسيطرة على العالم العربي. فرنسا الذي شارك رئيسها شخصيا في مؤتمر بغداد، وكان نجمه الدولي بامتياز، سبق وأن بذل ما في وسعه منذ عام، لمساعدة لبنان واخراجه من محنته وازماته، بعد التفجير المدمر الذي ضرب مرفأ بيروت، وزار لبنان مرتين متتاليتين، وطرح مبادرة متكاملة لتنفيذ وعده. ولكنه اصطدم بعدم وجود رغبة لدى رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، وحليفه حزب الله، لتنفيذ هذه المبادرة برغم
التزامهم حضوريا بتنفيذها. اجهض عون والحزب المبادرة الفرنسية، ومايزال يعطل كل محاولات تنفيذ مفاعيلها، بدءا، من تشكيل حكومة جديدة، تعمل على اخراج البلد من ازماته وحل ومشاكله، بدعم عربي ودولي، الى وقف الهيمنة على قرار الدولة اللبنانية، وعدم أبقائها اسيرة، المصالح الايرانية، ووقف كل ممارسات حزب ألله باستعداء العرب والدول الصديقة من لبنان. همه الوحيد التفرد بالسلطة، وتوفير كل مايعتقده مناسبا، لتأمين وصول وريثه السياسي النائب جبران باسيل إلى سدة الرئاسة من بعده، ولو على حساب دمار البلد واذلال اللبنانيين وتجويعهم وافقارهم. ها هو يتربع على كرسي السلطة، يعطل مسار الدولة وانطلاقتها.يمعن بتكريس واطالة امد الفراغ الحكومي متظللا، شعارات وعناوين، دستورية وطائفية وهمية ومزيفة. يقدم مصالحه السياسية والشخصية، على حساب مصالح الشعب اللبناني كله. اما في العراق، هناك من يعمل لمصلحة الشعب العراق وليس لمصلحته الشخصية. رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، يعمل مافي وسعه لإخراج العراق من دائرة الصراعات الاقليمية والدولية وتخليصه من براثن التغلغل الإيراني.
ورسم دور جديد لبلاده، برغم كل المعوقات والاعمال العدائية التي تواجهه على اكثر من جانب.وها هو يركز على نزع التوترات الاقليمية وتقريب وجهات النظر بين المتصارعين، بصبر وحكمة وثبات، ويبعد ضررها عن بلاده. يوظف جهود ودعم الدول العربية والصديقة كافة، لاعادة رسم الدور الجديد للعراق، في المنطقة العربية والعالم، والنهوض فيه واعماره، بعد سنوات عجاف من الحروب الاقليمية، وتداعيات الاجتياح الاميركي المدمرة، وتسليمه على طبق من فضة للنظام الايراني.
لا شك، ان المشاركة العربية الجامعة ودول الجوار، والحضور الدولي، للمؤتمر، أعطت حافزا مساعدا للمسؤولين العراقيين لتجاوز الأوضاع المتردية والسعي بقوة وعزيمةللخروج من حالة اللاستقرار والفوضى السياسية والامنية، الناجمة عن المرحلة الصعبة والمعقدة التي مرّ بها بلدهم، بدعم عربي ودولي، لكي يتحرر من التدخلات والهيمنة الايرانية، في شؤونه، والقضاء على التنظيمات الإرهابية، ووقف الانتهاكات لحدوده من اي دولة مجاورة، او طرف خارجي. لا شك أن المؤتمر شكل فرصة مؤاتية للعراق، لمساعدته ومد يد العون له، لكي يستعيد عافيته، ووضعه الطبيعي.
ويأخذ موقعه الى جانب الدول العربية الشقيقة والمنطقة عموما. بينما يبدو الفارق كبيرا، بين كيفية تعامل المسؤولين الرسميين اللبنانيين مع المبادرات الدولية وخصوصا الفرنسية منها .وبدلا من استغلالها وتوظيفها لحل الازمات المتتابعة، واخراج لبنان من حال الفوضى وعدم الاستقرار، يمعن هؤلاء المسؤولون بالسلطة، على اضاعة فرصة المبادرة الفرنسية الثمينة والدعم الدولي المواكب، وحصر اهتماماتهم، بالتحكم بالسلطة ومقادير البلد، وإلغاء خصومهم السياسيين، بالتزامن مع ترك الامور على غاربها، وتوسيع مساحة ابتعاد لبنان عن اشقائه العرب، بدلا من توفير الظروف الملائمة، لاعادة هذه العلاقات الى طبيعتها، وأفضل مما كانت عليه.
لذلك، لن يكون مستغربا، التساؤل، لماذا لم يدع لبنان الى مؤتمر بغداد، برغم علاقاته الجيدة مع العراق على كل المستويات، ربما لان قراره السياسي مرتهن لايران عبر سلاح حزب الله، وهي تتولى، اتخاذ القرارات عنه، ولو بشكل غير معلن، بينما حكامه، لا يعملون ما في وسعهم، لاخراجه، من دائرة الهيمنة الايرانية، وابعاده عن سياسة المحاور والصراعات الاقليمية والدولية، واعادته الى موقعه العربي والدولي الطبيعي.
والأمر اللافت ان اياً من المسؤولين، على اي مستوى كان، لم يكلف نفسه، حتى عناء، الاستفسار عن سبب استبعاد لبنان، عن المشاركة بالمؤتمر المذكور، لانهم هم من ساهموا على مدى السنوات العشر الماضية، بالاساءة لعلاقات لبنان العربية والاصطفاف الى جانب ايران في تمددها بالمنطقة، كما يبدو ان اهتمامهم بمصالحهم الخاصة يتقدم على اي مبادرة فرنسية، او عربية، او دولية، تحد من هذه المصالح، او تلجم سلاح حزب الله من الهيمنة على لبنان وقراره.