كتب منير الربيع في “المدن”:
الأفق مغلق وقاتم في لبنان. التحلل تظهر ملامحه أكثر فأكثر ليس بتشكيل حكومة، فالصراع عليها ومن حولها، وما يرتبط بها من منازعات على النفوذ والسيطرة، تشمل الأمور السياسية، والأمنية، والعسكرية، والمالية، والقضائية، وهي رهن التوسع.
ويؤدي هذا كله إلى المزيد من استنفار العصبيات المذهبية والطائفية في المجتمع. وهو قابل في أي لحظة للتحول إلى انفجارات، تنطلق من أتفه الأسباب أو الإشكالات: صراع على محطة محروقات بين شخصين من بيئتين مختلفتين. وهذا كاد يحصل في مغدوشة قبل أيام. وقد يحصل في صيدا أو بيروت. ولا يقتصر الصراع على المحروقات فحسب، بل يشمل لاحقاً الصراع على الدواء والغذاء.
ويدخل لبنان في دوامة الأخطار الكبرى: فرز جغرافي ومناطقي على أسس طائفية ومذهبية، وفي داخل الطوائف. والأمور قابلة للتفجر في أي لحظة. وهناك غياب كامل لأي إرادة سياسية أو قدرة على لجم مثل هذه التطورات الخطيرة. ومخاطر الانفجار أصبحت تهدد البيئات الواحدة أو المتجانسة. وهذا مرجح في كل المساحات الطائفية والمناطقية.
في المركب السوري
منذ ثورة 17 تشرين التي تزامنت مع الثورة العراقية، ثمة من أراد في لبنان الالتحاق بالركب العراقي، على قاعدة إنتاج تسوية سياسية تستعيد ربط العلاقات بالغرب وبالدول العربية. وهذا ما نجح فيه العراقيون: إنتاج تسوية مصطفى الكاظمي الساعي في التواصل مع القوى المتناقضة، وصولاً إلى نجاحه في عقد قمة بغداد الجامعة أضداداً وخصوماً.
وتعثر لبنان في مساره. غرق أكثر في متاهات يوميات الانهيارات المتتالية. لقد اختار المركب السوري، بدل العراقي. دفع مديداً تكاليف الأزمة السورية التي سعى منذ سنوات إلى تجنّبها. وحان وقت دفع الضريبة الأقسى: تهميشه مع سوريا عن القمة العراقية. وهذا ليس مسألة تفصيلية. إنها نتيجة قرار دولي كبير، لا يعترف بالبلدين، أو ربما يختزلهما بحضور وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان، الذي كان مكلفاً إدارة الملف اللبناني.
ويتوسع التحلل اللبناني أكثر فأكثر. المشاكل العميقة تظهر بقوة في المرحلة المقبلة: شلل تام في المؤسسات والقطاعات. لكن المخاوف تتجلى في عدم اقتصار التحلل على مؤسسات الحكومية. فهو يتفشى أكثر في المجتمع، فتتنامى ظواهر الأمن الذاتي أو الإدارات المدنية. وتتحول المناطق المختلفة إلى مواد قابلة للاشتعال من داخلها وفي ما بينها. فكل فئة اجتماعية تعتبر نفسها مستهدفة من الفئات الأخرى.
شقاق شيعي؟
وعلى وقع التظاهرات في العراق بدا أن الثورة هناك على النظام الشيعي، أو أن هناك صراعاً شيعياً – شيعياً. ولا يخلو الأمر في لبنان من جهات كثيرة تحاول إبراز مثل هذا النوع من الصراعات.
صحيح أن البيئة الشيعية لا تزال عصية على مثل هذه الاختراقات في ظل التنسيق الدائم والكامل بين حزب الله وحركة أمل. ولكن حزب الله لا ينفي وجود مثل هذه “المخططات”. وقاربها حسن نصر لله في أكثر من خطاب. ويقول الحزب إياه بوضوح إن هناك جهات تسعى لخلق شقاقات داخل الطائفة الشيعية، نتيجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية. وهذا احتمال قائم على وقع الانهيار والترهل والتحلل.
والساحة المسيحية بدورها مهيأة أيضاً لمثل هذا النوع من الصراع، في ظل الاشتباكات الكلامية والسياسية بين أطرافها المتنوعة.
أما في البيئة السنية، والتي تبدو أكثر البيئات المتأثرة بوقائع الانهيار من بيروت إلى الجنوب والبقاع والشمال، فيتخذ الصراع أشكالاً متعددة، كما حصل بين فنيدق وعكار العتيقة. أو كما قد يحصل في طرابلس وغيرها من المناطق لاحقاً.