جاء في الأخبار:
لا جديد في الوضع الاقتصادي أو أمل ما في إنهاء احتكارات الأدوية والحليب والمحروقات في بلد تعوّد أهله على المصائب وباتوا يتوقون إلى إمرار اليوم، كل يوم، بأقلّ الأضرار الممكنة. ولعل رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي يستفيد من هذا الإحباط والاستسلام الضمني حتى يفتح بازاراً لرفع سقف مطالبه وضمان دخول «نظيف» الى السلطة التي لم يخرج منها يوماً… بعد وصول ناقلة النفط الإيرانية ورفع الدعم. في المقابل، يسعى التيار الوطني الحر إلى رفع سقف مطالبه أيضاً، لتحصيل «أفضل الممكن»، في حكومة يُعتقد، في حال ولادتها، أن تملأ الفراغ الرئاسي. ما تقدّم يعني فعلياً ألّا حكومة الى ما بعد نهاية أيلول، إلا في حال حصول «أعجوبة» ما.
يتعوّد الناس يوماً بعد آخر على التعايش مع الانهيار الكبير. لم يعد الانتظار في طابور البنزين 5 ساعات يقلق أحداً ولا انقطاع التيار الكهربائي والمولد لأكثر من 20 ساعة يومياً، ولا حتى سقوط ضحايا في انفجار لمحطة بنزين أو معمل لآلات تسخين المياه هكذا بكل بساطة؛ تماماً كما سقط العشرات قبلهم في انفجار لمادة البنزين أثناء تجمهر الناس عند منتصف الليل، كما سبق أن سقط قبلهم العشرات ضحية لانفجار مادة نيترات الأمونيوم المخزنة في مرفأ بيروت. الغالبية تأقلمت مع الفقر والعوز… والمصائب أيضاً. تأقلمت مع الارتفاع الجنوني في الأسعار وتقنين اللحوم الذي طرأ على وجباتها، وانقطاع الحليب عن أطفالها وأدوية الأمراض المستعصية والسرطان. وسلّمت بضرورة خوض معمودية نار للحصول على أدنى حقوقها، الحقوق التي يفترض أن تكون متوفرة لكل إنسان في أي بقعة من الأرض.
في مقابل كل ما سبق، ثمة حكومة تصريف أعمال يرفض رئيسها حتى تصريف الأعمال، وثمة رئيس مكلّف يتعامل مع حكومة تصريف الأعمال هذه على أنها الدمية التي يريدها أن تتلقى كل اللكمات حتى يدخل هو رابحاً الى حلبة الصراع من دون أن يضطر الى المواجهة أو القيام بأي مجهود يذكر.
لذلك، لا حكومة في الأفق، فالرئيس نجيب ميقاتي لن يتحمل وزر السفينة الإيرانية المحملة بالنفط التي يفترض أن ترسو هذا الأسبوع متحدّية الحصار الأميركي، على أن تليها سفن أخرى. ولن يتحمّل أيضاً وِزر رفع الدعم بالكامل في مختلف القطاعات نهاية أيلول المقبل. يريد تصفية كل هذه الملفات قبيل وصوله حتى يتفرّغ لخطة نهوض البلد، من دون أن يكشف عن أي مشروع فعلي أو برنامج لحكومته المفترضة. وإلى حين الوصول الى هذا الهدف، ما من طريقة أفضل لتضييع الوقت سوى التلهّي بوزير من هنا وثلث ضامن من هناك، وخلاف على التقسيم الطائفي والمحاصصات. يحصل ذلك فيما يعبّر مسؤولون عونيون عن اقتناعهم بأن ميقاتي، الذي يتشارك مع رئيس الجمهورية في بث الأجواء الإيجابية، ربما ينتظر إشارة أميركية مباشرة للتأليف، بعدما كان يظنّ أن لديه ضمانة أميركية للتأليف ثم عاد واكتشف أن الضوء الأخضر لم يصدر من واشنطن بعد.
ويستند هؤلاء في اقتناعهم هذا إلى أن تأليف الحكومة لن يتعطّل بسبب الخلاف على اسم وزير العدل، وأن العقدة الحقيقية موجودة في مكان آخر. وفي هذا السياق، يؤكدون أن رئيس الجمهورية يتعامل مع الأمر بمنتهى الإيجابية، وسيستمر باقتراح أسماء لتولي حقيبة العدل، إلى حين موافقة ميقاتي على أحدها.
في المقابل، لا يجد رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر أيّ حرج من ممارسة لعبة حافة الهاوية، وأخذها إلى حدودها القصوى، تأميناً لشروط أفضل في الحكومة التي يرى التيار، وسائر القوى السياسية، أنها ستدير مرحلة الفراغ الرئاسي بعد نهاية عهد الرئيس ميشال عون. وفي هذا الوقت، دخل وسطاء على خط التفاوض، مدفوعين باقتناع بأن مشكلة التأليف متصلة حصراً بعقد داخلية لا عقد خارجية. وآخر هذه المساعي تلك التي يقوم بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على خط عون وميقاتي. إلا أنه لا نتائج ملموسة بعد لهذا الحراك سوى أنه لا يزال في مرحلة الاستطلاع.