IMLebanon

لماذا “الحزب” لن يسلم سلاحه طوعًا؟

كتب توفيق الهندي في “اللواء”:

لا شك أن خلاص لبنان من أزمته الوجودية ككيان ودولة وشعب يتطلب تحريره من الإحتلال الإيراني الذي يمارسه حزب الله نيابة» عن إيران ومن الطبقة السياسية المارقة المجرمة الخاضعة له بمكوناتها كافة، ولو بأشكال ودرجات مختلفة.

ولأن لا إمكانية لتغيير إيجابي بوضع لبنان ولو جزئيا»، في ظل إمتلاك حزب الله لسلاحه، يكون عنوان خلاص لبنان الرئيسي هو تسليم الحزب سلاحه للجيش اللبناني.

لذا، من البديهي طرح السؤال: هل يمكن أن يسلم حزب الله سلاحه طوعا»، تماشيا» مع المبدأ العام لأي دولة في العالم الذي يؤكد على أن تكون حصرية السلاح وحصرية تحريكه في يد الدولة، ووفقا» للدستور اللبناني وإتفاق الطائف والقرارات الدولية ذات الصلة، ولا سيما القرارين 1559 و 1701؟

الجواب بالتأكيد هو بالنفي، وذلك للأسباب التالية:

1) سبب تكويني. فعلاقة حزب الله بالجمهورية الإسلامية في إيران عضوية منذ نشأته، وهو جزأ لا يتجزأ منها. والذي يود التأكد من صحة هذه المقولة ليس عليه إلا الإطلاع المنشورات من كتب ومقالات تتحدث عن نشأته وخاصة على بيانه التأسيسي عام 1985. فمشروعه السياسي هو مشروع الجمهورية الإسلامية الأممي الذي يهدف إلى جعل البشرية جمعاء تعتنق الدين الإسلامي وفق الإجتهاد الذي وضعه الإمام الخميني لكيفية تصرف الأمة (الإسلامية) ونظام الحكم فيها في مرحلة الغيبة الكبرى للإمام المهدي المنتظر الثاني عشر، أي «ولاية الفقيه».

إن هذه العلاقة مع إيران تجعل حزب الله “تنظيما لبنانيا” بالشكل و”إيرانيا إسلاميا جهاديا” بواقع حاله، وبالتالي، يمكن توصيف تحكمه بالسلطة وتجّبره على اللبنانيين بالإحتلال الإيراني.

2) سبب إستراتيجي. وسيلة إيران الإستراتيجية لتحقيق مشروعها هي الجهاد، علما» أن المكون الرئيسي للجهاد، كما تراه وتمارسه إيران، هو المكون العسكري-الأمني. الترجمة العملانية لهذه الوسيلة مزدوجة : فيلق القدس ويتألف من الميليشيات الشيعية حيث يمكن إستيلادهم (وهو الجيش الإيراني العامل خارج الحدود الإيرانية وهو الوحدة العسكرية من الحرس الثوري الموكل إليها مهمة تصدير الثورة الإسلامية) ومحور المقاومة الذي يحتوي بالإضافة إلى فيلق القدس، النظام الأسدي وحماس والحوثيين و…

بعد قتل قاسم سليماني، أصبح السيد نصر الله القائد غير المعلن للفيلق والمحور، نتيجة» للعلاقة الوثيقة التي كانت تربطه بسليماني وشبكة علاقاته الواسعة مع مكوناتهما ومؤهلاته القيادية وسهولة مخاطبته للشعوب العربية بلغتهم وخاصة لأن حزب الله هو المكون الرئيسي في الفيلق والمحور.

3) هذان السببان يجعلان من المستحيل أن تتخلى إيران عن الفيلق والمحور لأن بذلك تخسر الجمهورية الإسلامية علة وجودها ويسقط بالتالي النظام الإيراني من الداخل، كما يجعلان حزب الله غير قابل للتخلي عن سلاحه طوعا» لأنه، إن تخلى يفقد ماهيته وعلة وجوده أيضا». والعبرة هي أن ثمة إستحالة للبننة حزب الله، بل الصحيح هو سعيه إلى حزبلة لبنان.

وفي واقع الحال، إنه يسمي «مقاومته» بالمقاومة الإسلامية، قاصدا» الإلتباس: فهو، من جهة، مقاومة «لبنانية» لتحرير ما تبقى من أراض لبنانية من تحت نير الإحتلال الإسرائيلي (مزارع شبعة، تلال كفرشوبا والقسم اللبناني من بلدة الغجر)، وهو من جهة أخرى، مقاومة إسلامية في لبنان.

يهدف من التسمية الأولى مخاطبة  جزأ من جمهوره الشيعي، ولا سيما الجنوبي منه، كما كافة الجمهور اللبناني والإيحاء بأنه تنظيم لبناني مقاوم وسيادي، كما إستخدام «الدولة اللبنانية» كترس لمقاومته الإسلامية.

أما التسمية الثانية، فهي تدلل على أنه مقاومة إسلامية هدفها يتعدى الجغرافيا اللبنانية: فمقاومته مقاومة إسلامية في لبنان وليست مقاومة لبنانية إسلامية ولا حتى مقاومة إسلامية لبنانية. وهذه التسمية تعبر خير تعبيرعن إرتباطه العضوي بالجمهورية الإسلامية في إيران، كما أسلفنا. فهي مقاومة لا تهدف إلى تحرير الأراض اللبنانية فحسب، ولا فقط القدس وكامل التراب الفلسطيني، إنما إلى تحرير المعمورة وتعميم الدين الإسلامي بنسخته الإيرانية إلى البشرية جمعاء.

فلبنان، بالنسبة له ليس إلا منصة إنطلاق لمشروعه الإسلامي الجهادي. لذا، إذا تعارضت المصلحة اللبنانية مع المصلحة الإسلامية كما يراها في لحظة سياسية معينة، فهو يعطي الأولوية لهذه الأخيرة على حساب المصلحة الوطنية. هذا ما يفسر تعاطيه مع المأساة اللبنانية الحالية.

لكل هذه الأسباب، يخطئ من يراهن على أن تتمخض التطورات والمفاوضات في المنطقة على حل تقبل إيران فيه عن التخلي عن سلاح حزب الله ودوره الإقليمي أو حتى تهدئة ولو مؤقتة لتمددها الإقليمي، مما يريح لبنان ولو جزئيا» وبالتدريج.

4) أما سردية حزب الله اللبنانية التكتية، فقد تطورت من تحرير ما تبقى من الأراضي اللبنانية إلى حماية النفط والغاز اللبناني من أطماع إسرائيل، مرورا» بحماية لبنان من العدو الصهيوني طالما إسرائيل على قيد الحياة. وبهذا الأمر، يربط حزب الله وجوده كمقاومة مسلحة بوجود إسرائيل، أي إلى أجل غير مسمى.

وقد حاول الأميركي فكفكت عقدة النفط والغاز دون نتيجة. وها نحن نراه مؤخرا» يوحي بإمكانية جلاء القوات الإسرائيلية من ما تبقى من أراض لبنانية محتلة من خلال ما نقل عن وليم برنز، رئيس ال CIA، لمحدثيه منذ أسبوع في لقاءاته عند توقفه القصير في مطار بيروت. قد يكون هدفه مزدوج: دفعة على الحساب لإيران في محاولة إسترضائها في مفاوضات فيينا، وتحفيز لبعض الأطراف «السيادية» اللبنانية التي هي أشبه لتابعين لأميركا لمطالبة حزب الله بتسليم سلاحه للدولة اللبنانية (وهي بكافة الأحوال تحت سطوته) أو لدمجه بالجيش اللبناني (وهي كارثة الكوارث). كفى لأميركا-بايدن إستخداما» لهبل بعض اللبنانيين السذج! فليتعلم هؤلاء مما حصل للأفغانيين!

لذا، على قوى الثورة السيادية أن تطالب بتنفيذ القرارين 1559 و 1701 بوضعهم تحت الفصل السابع، ريثما تتغير الظروف الدولية والإقليمية لمصلحة إتخاذ القرار بتطبيقهما.