كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن:
لن تكون مهمة جباة شركة كهرباء زحلة في استيفاء إصدار 15 آب من فواتيرها بنهاية الشهر الجاري، بيسر الأشهر والسنوات الماضية. فالتعرفة هذه المرة “بتوجّع”، وشركة كهرباء زحلة لم تمهّد لها بأي تحذير ينبّه المشتركين لضرورة “الاقتصاد” بمصروف الكهرباء حتى يقللوا من قيمتها، وبالتالي، ما إن بدأت تلوح في الأجواء المستويات التي بلغتها هذه الفواتير، وقد تضاعفت في بعض الاماكن 4 الى 5 مرات، حتى انطلقت حملة “مش دافعين”، تدعو الى الامتناع عن تسديد الفواتير، وتطالب الشركة بشرح مفصّل بالارقام لحقيقة تكلفة الشركة، وساعات التغذية التي أمّنتها من مولداتها، وحقيقة ما يشاع عن توجه الشركة الى إنهاء عقدها مع الشركة المشغلة لمولداتها، وبالتالي مراهنتها بمستقبل مدينة و16 قرية، تشكل الخدمة التي تتوفر لها من خلال الشركة، مصدر التغذية الوحيدة للمنازل والمؤسسات.
إذاً، تواجه شركة كهرباء زحلة “حملة” هي الأعنف بتاريخ وجودها في المدينة، كمؤسسة زحلية عريقة، عاشت أيام عزّ طويلة، وصمدت بخدماتها حتى بأصعب الظروف. وهي حملة برغم مما قد تختزنه من محاولات لتصفية حسابات سياسية لدى البعض، تعكس وجعاً حقيقياً لدى الزحليين، وجلّهم من أصحاب الدخل المحدود غير القادرين على إقتطاع ما لا يقلّ عن ثلث رواتبهم التي فقدت قيمتها الشرائية، لتوفير إنارة، قضت الأزمة على “حلم الـ 24 على 24 منها” فساوت زحلة بباقي المدن بالنسبة لساعات التقنين الطويلة.
ومع أن جباة شركة كهرباء زحلة لم يباشروا عملياً باستيفاء الفواتير من الزحليين، فإن الأرقام التي تتضمّنها صارت على كل لسان، وهو ما تسبّب بفورة غضب كبيرة في المدينة، ترجمت بحملات متتالية عبر وسائل التواصل الإجتماعي، تدعو الى الإمتناع عن دفع فاتورة هذا الشهر، إلتحاقاً بحملات مشابهة شنّت في أكثر من بلدة بقاعية خارج مدينة زحلة. وقد توّجت الحملة صباح الإثنين بإعتصام نفذ أمام شركة كهرباء زحلة، تسنّى خلاله للمحتشدين أن يطرحوا مخاوفهم وهواجسهم بالنسبة لمستقبل كهربائهم، مباشرة أمام إداريي الشركة. وقد إختصر بيان صادر عن مجموعة “زحلة تنتفض” التساؤلات التي طرحها المعترضون على الفواتير وهي حول “ساعات التغذية من مؤسسة كهرباء لبنان، وسعرها؟ ساعات التغذية من مولدات الشركة، وهنا توضيح كميات المازوت المشتراة ووفق أي سعر، الكميات المستلمة من مصادرات الجيش والاجهزة الامنية وهل هي مجّانية أم مدفوعة”؟
لم تتمكّن الشركة، بنزول كبار إدارييها بين المعتصمين، من إمتصاص الغضب، فجزء منه مقرون أيضاً بساعات التقنين المرتفعة التي شهدتها المدينة الاسبوع الماضي، ما أضعف حجج الشركة في الدفاع عن فواتيرها. فلم يطمئن المتجمّعون حول الشركة إلا لتأكيد إدارتها المضي في عقد جديد مع الشركة التي تشغّل المولدات، مبرّرة إرتفاع فواتير الكهرباء على المواطنين بإلتزامات الشركة بالتعرفة التي تحدّدها وزارة الطاقة بالنسبة لسعر الكيلوواط، إلى الإرتفاع الجنوني بأسعار المحروقات، والمرشح الى مزيد من التزايد في الاشهر المقبلة، مع رفع الدعم نهائياً عن المحروقات.
وكانت الشركة قد اصدرت عشية الإعتصام بياناً بشّر المواطنين بزيادات جديدة بدلاً من تخفيض الفواتير، مصرّة على ان التعرفة (الصادرة عن وزارة الطاقة والمياه) تبقى الأرخص في لبنان. هذه التعرفة مرتبطة بكلفة الانتاج التي معظمها مرتبطة مباشرة بثمن المازوت. شارحة “أن المازوت كان مدعوماً على أساس الدولار الأميركي بسعر 1500 ل.ل. وقد إرتفع إلى 3900 ل.ل. في المرحلة الأولى (أي 2.6 مرّات)، هذا عداكم عن الاسعار الجنونية في السوق الموازية، وبالتالي يكون من البديهي ارتفاع التعرفة. اليوم انخفض الدعم إلى 8000 ل.ل. للدولار، يعني أمامنا أيام صعبة، والمازوت لا يزال مفقوداً في الأسواق. بناءً عليه أصبحنا جميعنا ضحية السياسات العشوائية للدولة وأصبحنا جميعنا على حقّ”.
وهكذا صار الزحليون واقعين بين مرّين: الأول، فاتورة الكهرباء التي تكوي الجيوب من اليوم وصاعداً، والثاني، محاذير خسارة الشركة وخدمتها، التي تشكل حالياً مصدر الطاقة شبه الوحيد لمعظم المواطنين، خصوصاً أن لا مولدات أحياء في المدينة، وما توفر منها، فاتورته ليست أقلّ وطأة من فاتورة شركة كهرباء زحلة.
وحذّر النائب جورج عقيص على صفحته على “فيسبوك” من الوقوع في المجهول، متسائلاً “ما هو البديل عن كهرباء زحلة”؟ وقال: “اذا كان عند اي كان اي اقتراح لبديل يؤمّن كمية اكبر من الكهرباء بسعر أقلّ، سأتبنّى اقتراحه فوراً”، وإلا ـ كما قال ـ “فإن التخلي عن الواقع ولو مأزوماً لمصلحة المجهول سيكون محفوفاً بالمخاطر ويقارب الانتحار”. وإعتبر أن “المطلوب اليوم واضح وينحصر بثابتتين: مازوت اكثر واستهلاك أقلّ، الاولى بيد اسعد نكد والدولة ونواب المنطقة، والثانية بيد الناس والمستهلكين”.