كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
لا يقتصر التعثّر الحكومي على الطرفَين المعلنَين، أي رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي. الخلافات بين عون ومعه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الباطن منها والظاهر، مع الرئيس نبيه بري، تشكل بدورها العمود الفقري في عدم صدور مراسيم الحكومة حتى الآن، منذ تكليف الرئيس سعد الحريري واعتذاره وحتى تكليف ميقاتي. والتناحر القديم والجديد مستمر في تذكية التوتر القائم والمرشح لأن يكون قانون الانتخاب ساحته المقبلة.
وقصة بري والتيار مع قانون الانتخاب والانتخابات النيابية قصة طويلة، لم يتّفقا على أي من تفاصيلها وبنودها منذ اليوم الأول لبدء التيار معركة «استعادة المقاعد المسيحية»، وتزامناً مع طرح القانون الأرثوذكسي. صحيح أن الكتل المسيحية اندفعت نحو هذا المشروع، إلا أن موقف التيار التصاعدي في وجه بري، سواء من خلال هذا الاقتراح المذكور وفي أي مشروع آخر طرح على بساط البحث من زاوية تحجيم حصة رئيس المجلس في المقاعد النيابية المسيحية، استمر يتفاعل في قاعدة الطرفين وأوساطهما النيابية والشعبية. لا يوفر الفريقان مناسبة لتوجيه رسائل مباشرة أو مستترة حول استثمار الواقع المسيحي في الحسابات الانتخابية. خصوم التيار اتّهموه باستخدام توتّر مغدوشة لشدّ العصب، وبري لم يفوّت فرصة خطابه في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، للكلام عن «مأموري الأحراج»، وعن استقالات من المجلس سبق للتيار أن لمّح إليها في الجلسة النيابية الأخيرة، كما في مرحلة تكليف الحريري للضغط عليه.
في كل مرة تحتدم فيها الخلافات بينهما، يصبح للكلام حول قانون الانتخاب معنى مختلف، وسجالات ومفاوضات شاقة كما حصل قبل إقرار القانون الحالي. فكيف الحال اليوم، واستحقاق الانتخابات يعطى داخلياً وخارجياً الكثير من الاهتمام، فيجري التطلّع إليه، على أنه سيغيّر شكل المجلس وخريطة القوى السياسية فيها وأحجامها. ورغم أن من المبكر الرهان على متغيرات بهذا الحجم الذي يحكى عنه في بعض الأوساط التغييرية، إلا أن الاستحقاق بذاته يشكّل تحدّياً لكل الأطراف، في إجرائه أو إرجائه. فحتى الآن، الموقف الذي عبّر عنه عون رسمياً هو الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها تلبيةً لضغوط المجتمع الدولي. من دون استبعاد خصومه، أنه حين تدقّ الساعة، قد يكون في مصلحة عون والتيار التوافق على إرجاء الانتخابات لقاء أثمان سياسية، تسمح بالتمديد للمجلس أسوة بالمجلس الذي أنتجته انتخابات عام 2009. وكلما مرّ الوقت من دون حكومة وبقاء حكومة تصريف الأعمال، يصبح الشك بإجراء الانتخابات كبيراً، رغم أنه يمكن لهذه الحكومة الإشراف على إجرائها. إلا أن العدّ العكسي بدأ فعلياً، وتحديداً في ما يتعلق بالقانون والمواد التي تحتاج الى تعديلات، ولا سيما التقنية منها كالبطاقة الممغنطة واقتراع المغتربين وانتخاب نوابهم، إضافة الى الحاجة الى الاستعداد اللوجستي لها.
لكن الانتخابات ليست عملية تقنية، ولو أن التغاضي عنها يمكن أن يكون محل طعن. فهي تحمل أبعاداً سياسية محض، لذا تتحول الأنظار الى الخلاف بين بري والتيار حول الحكومة وغيرها من الملفات العالقة بينهما، وكيف ستترجم المواجهة بينهما في قانون الانتخاب. وقد وضع بري أمس أسساً واضحة بعد كلامه العلني مرات عدة حول ضرورة تعديله. واضح أن التيار لن يسكت عن محاولات التعديل مهما زيّن بري حسناته، وهو في هذا المجال سيعيد ترتيب أوراقه والتقاطعات المبدئية مع الكتل المسيحية من أجل منع إمرار أي تعديلات، ولا سيما إذا تدرّجت الطروحات تصاعدياً نحو احتمال نسف القانون برمّته، علماً بأن كلام المجتمع الدولي، الذي تكرر في لقاءات دبلوماسية في بيروت، أكد ضرورة إجراء الانتخابات بالقانون الحالي، كي لا تتحول مناقشته مجدداً الى حجة لتطيير الانتخابات.
سيعيد التيار تموضعه الكامل خلف منع التعديلات التي يرى فيها التفافاً على ما حققه القانون، الذي كان آخر الموافقين عليه. ومع ذلك سيكون أمام تحدي التمسك به، وسيضع بذلك القوى الأخرى أمام مسؤولياتها: القوى المسيحية وكيف ستعمل على احتواء طرح التعديلات (وهنا الكلام عن التعديلات غير التقنية المتعلقة بالبطاقة الممغنطة أو اقتراع المغتربين وانتخاب ممثليهم)، وكذلك الأمر تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وكلاهما موقفه حتى الآن معروف من الدعوة الى تعديل القانون.
ما هو ثابت أن التيار سيستفيد من هذه الفرصة الى الحد الأقصى، في الاستثمار المسيحي الداخلي وفي استنهاض قاعدته سياسياً، على خلفية تعديل القانون، بعد محطات خسائر متلاحقة. وبدوره سيكون بري مرتاحاً في التصويب على التيار والقانون معاً، علماً بأن قراراً بحجم نسف القانون يعادل بأهميته قرار إجراء الانتخابات أو التمديد للمجلس. وحتى الآن، كل القرارات النهائية مؤجلة لأن الإطار العام لا يزال ضبابياً، في انتظار القرار الأكبر الذي ينتظر مصير البلد ومستقبل نظامه.
ورغم أنه يتوقّع أن تلاقيه القوى المسيحية، ولا سيما القوات، في رفض التعديل على القانون الحالي، سيكون لموقف تيار المستقبل من التعديلات إشارة لافتة تجاه القوى المسيحية بعدما وقف «المستقبل» الى جانب بري في ملف رفع الحصانات، واحتمالات عدم الارتداد عليه في تعديل قانون الانتخاب كبيرة، ولا سيما أن بري لم يتخلّ عن الحريري في معركة تكليفه، ولم يشذّ عن التقاطع مع رؤساء الحكومات السابقين في التصويب على عون وباسيل.