كتب هشام حمدان في “اللواء”:
إستمعت إلى فيديو يظهر الوزير السابق الدكتور إلياس سابا، وهو يدعو الناس إلى مهاجمة السياسيين في بيوتهم. وتلقيت إتصالا من أحد وجوه الثورة يشعرني بمدى يأسه من الحالة القائمة في وطننا. لا تحمّلوا الناس مسؤولية الخلاص من هؤلاء السياسيين. أنتم تعلمون أنهم عاجزون عن ذلك، كما أن هذه الطبقة السياسية محميّة لأنها مرتبطة مع قوى خارجية تحركها مصالحها فيما يحدث في لبنان. ويبدو أن القوى الخارجية مقتنعة حتى الآن بأن ما يعوز لبنان هو حكومة تلبي مصالح الناس واحتياجاتها الأساسية. وفي مثل هذه الحالة علينا أن نقرأ خريطة الواقع القائم لنرى كيف يمكن التوصل إلى هذه الحكومة. إيران وحزبها في لبنان ليسا مستعجلين على مثل هذه الحكومة. ورئيس الجمهورية وصهره يعلمان أن لا مستقبل لهما في لبنان من دون نجاح حزب إيران في مبتغاه. فمن هو الذي يحتاج إلى الحكومة إذا؟ يبدو أن فرنسا هي الدولة ألأكثر إهتماما بتشكيل حكومة. والولايات المتحدة لا تعارضها بل تعاونها ففرنسا هي المولجة بملف لبنان في إطار تقاسم النفوذ بين الدول الكبرى. السيد ماكرون يدرس مواقفه بالنسبة للبنان وفقا لمصالحه فهو معني أولا بإنجاح حملة التجديد له للإنتخابات الرئاسية القادمة بتاريخ 23 نيسان 2022 القادم. وهو يريد عدم تصعيد الحالة في لبنان ويسعى لإقامة هدوء ولو ظرفي إلى ما بعد هذه الإنتخابات. لذلك فإنه لا أمل بتشكيل الحكومة إلا وفقا لشروط الرئيس عون وصهره السيد باسيل ومن خلفهما أي حزب إيران. هل تقبل فرنسا بذلك؟
فرنسا والولايات المتحدة والإتحاد الروسي مقتنعون أن مشكلة لبنان هي في أنّه تحوّل إلى ساحة حرب في إطار ما يجري لبناء الشرق الأوسط الجديد. وما يؤلمني فعلا أن الشارع اللبناني الثائر في الداخل والخارج، لا يرفع حتى الآن الشعار المتفق مع هذا الواقع. لذلك تبدو الحالة السائدة مبعث يأس كامل. ليس الخارج من يعيق تطور الثورة بل هي الثورة نفسها التي يغلب رجالاتها وللأسف المصالح والرؤى الشخصيّة الضيقة. لطالما شرحنا أن مسؤولي الأمن القومي للولايات المتحدة والإتحاد الروسي وإسرائيل إلتقوا في القدس في حزيران 2019 واتفقوا على ضرورة خروج إيران من سوريا. وقد رأينا حجم الغارات الإسرائيلية لاحقا ضد مواقع إيران، فلماذا تستمر المقالات التي تبشرنا بأن الغرب سيبيع إيران وسوريا والعراق ولبنان واليمن إلى إيران؟ لمصلحة من هذه المقالات؟
لطالما ناقشت هذه الثورة في فائدة التجمعات في وسط المدينة أو أمام المتحف أو قطع الطرقات التي تنتهي ببيان يلقيه هذا أو ذاك، معززا موقعه في الحياة السياسية العامة. ماذا أدت إليه كل هذه التحركات؟ ألم يكن من ألأجدر ان يلتقي هؤلاء أمام السفارات ومكاتب الهيئات الدولية، ويطالبون باستقلال لبنان وسيادته وحريته؟ ويتقدمون بدراسات قانونية عن حقوق لبنان أمام المجتمع الدولي كما فعلنا في ملتقى العدالة للبنان وشعبه؟ أين هم المهتمون بحقوق الإنسان؟ لماذا لا يحولون الجرائم ضد حقوق الإنسان في لبنان إلى قضية رأي عالمي؟ حتى كتابنا عن العدالة لا يعيرونه اهتماما فبالنسبة لقادة الثوار أو من يحمل مشعلهم، لا يجدي إلا ما يقولونه.
ثمة إيجابيات مختلفة من مثل هذا التصرف. فمن جهة هو يضيء على حقيقة أن لبنان ليس دولة فاشلة، بل هو ضحية الإحتلال ويحتاج إلى الدعم الدولي وفقا لميثاق الأمم المتحدة لاستعادة سيادته وحريته. ومن جهة أخرى يقدم إسنادا لمواقف غبطة البطريرك في توجهه إلى المجتمع الدولي. ومن جهة ثالثة يجبه كل الأفكار التأسيسية التي ستؤدي إلى تفكك لبنان، كما ويؤدي كذلك إلى غلبة قضيّة محدّدة توحّد الشارع الثائر، وتعيد إليه المبادرة. هل يصعب عليكم حمل البوستات أمام السفارات لتطالبون بتنفيذ القرارات الدولية، وإستعادة السيادة للبنان، واحترام التعدد الحضاري للسكان فيه، وتحييده عن النزاعات الإقليمية والدولية؟
الفساد موضوع أساسي ولا شك، ولكن لا حلّ له قبل استعادة السيادة. جعلت الثورة هذا الموضوع عنوان نضالها فاسعدت كل القوى المتصارعة على الساحة. إلى أين أدت جهود الثورة لمحاربة الفساد وهي ستحتفل قريبا بذكراها الثانية؟ كل السياسيين يتبارون معهم تحت هذا العنوان، ويعيدون إستقطاب الشارع لمصلحتهم بسبب هذا العنوان. لا عنوان في مواجهة كل هؤلاء إلا عنوان السيادة والإستقلال والحرية. كيف سيتصدى السياسيون وجماعاتهم لمثل هذا العنوان؟
لدينا أصدقاء في كل أنحاء العالم لكننا لا نعرف كيف نتوجه إليهم. الإغتراب اللبناني يجهل حقائق وطنه وحقوق شعبه مثل المقيمين. تغلبه قناعة بأنّ الأقليات فيه مهددة و لاسيما الأقليّة المسيحية. لذلك فإن بعض الذين سعوا لمواجهة الإحتلال الإيراني أمام السلطات الأميركية، لم يكونوا مقنعين لأنهم لم يقبلوا بإثارة إتفاقية الهدنة التي تصيب إسرائيل أيضا. والمسيحيون أنفسهم الذين ينادون بالعلمنة والحكم المدني يتمسكون بمفهوم واه للميثاقية بشأن توزيع الصلاحيات. علينا أن نرفع عنوانا واحدا وهو التطبيق الكامل لإتفاق الطائف الذي يلغي من جانب، شعور الخوف عند الأقليات ويلغي من جهة أخرى شعور الغبن عند المجموعات الأخرى. الميثاقية التي أقيم عليها لبنان تعني المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله وفقا لحدوده القائمة، مقابل أنّ لبنان سيكون له وجه عربي. ممارسات الرؤساء هي التي أقامت مفهوم الطائفية السياسية.
لذلكعلينا أن نطالب المجتع الدولي أيضا، بمساعدة لبنان في تفعيل إتفاق الطائف بالكامل، وهذا ما نص عليه القرار 1701. كما علينا أن نطالبه ببرنامج خاص لبناء السلم بعد النزاع في بلدنا قائم أولا على الإعتراف بأن لبنان واللبنانيين كانوا ضحية، وأن ما دفعوه من أثمان باهظة خلال كل تلك السنوات هو ظلم كبير يجب الإقرار به وتعويضهم عن خسائرهم.