كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
البلدية إدارة محلية. والسلطة هي استخدام شرعي للقوة بطريقة مقبولة إجتماعياً. والدولة هي مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد نظام وشكل الحكم في دولة. والشعب مجموعة أفراد لهم ثقافة وعادات وتقاليد ضمن مجتمع واحد… و… و.. و… مفاهيم كثيرة تسقط في لبنان أمام محطة بنزين أو صيدلية أو فرن أو مستشفى… فلا الدولة دولة ولا الشعب شعب ولا الحياة حياة… فماذا عن البلديات؟ هل نجحت في “تقطيع” الوقت الصعب؟ فلنأخذ خدمة “قسائم البنزين”، فهل نجحت البلديات، أو بعضها على الأقل، في التعاطي، ولو نسبياً، مع هذه الأزمة؟ وماذا عن البلديات التي تتعرض من التيار الوطني الحرّ تحديداً الى “أسلوب مافياوي” على قاعدة: أعطيك مازوتاً… تردّ الجميل بإعلان: “شكرا تيار”؟
بدل أن نسمع من يقول الى البلديات: شكراً… نسمع رؤساء بلديات مثل المنصورة والعربانية والدليبة وسواها يقولون: شكراً للتيار الوطني الحرّ… أعطيتنا مازوتاً… فيا لتلك البلديات المسكينة! ويا للظلم الفادح الذي يلحق بالمواطنين معنوياً الذي يطل من يساوم على “تيارهم الكهربائي” بصعقة كهربائية – إنتخابية من النوع الثقيل!
فلنبدأ بالأهم، بكيفية متابعة البلديات “النظيفة” أزمة المازوت من دون “جميلة” التيار.
قبل اليوم بكثير، يوم كان الدولار على سعر الصرف الفعلي يعادل 1500 ليرة، والجباية “عال العال” كانت بلدياتنا تصرخ. واليوم، يوم أصبح من الضروري أن تصرخ في وجه “سلطة لبنانية شعواء”، ألقي على عاتقها كثير من الأعباء دفعة واحدة، التعاطي مع فوضى محطات البنزين واحدة منها.
كثيرون تناقلوا مذكرة صادرة عن بلدية زوق مكايل تعلن فيها “الى أبناء وسكان المنطقة” إطلاق “تطبيق إلكتروني” لطلب الوقود من المحطات العاملة في نطاق البلدية. قرارٌ نال استحسان أهالي الذوق لكن، هل يمكن أن يُطبق بالفعل ويعمم في الواقع؟
رئيس بلدية زوق مكايل إيلي بعينو يعترف “أن الحلّ ليس كاملاً لكنه يساعد في إدارة الازمة وما يساعدنا في تطبيقه أننا بلدية إلكترونية، بمعنى أن كل الملفات ممكننة، ومن يدخل التطبيق عليه تسجيل مكان سكنه ورقم العقار ورقم هاتفه واسم الشارع والطابق الذي يسكن فيه، وبالتالي أي تفصيل خاطئ يجعل التطبيق يرفضه فوراً”.
بلدية زوق مكايل ليست صغيرة، يسكن فيها نحو 50 ألف شخص، ومعلوم أنه كلما كبرت البلدية بات أصعب عليها أن تعتمد “خطة البونات والتطبيقات الإلكترونية”في التعامل مع أزمة البنزين. لكن ما ساعد الزوق أنها “ممكننة” منذ العام 2016 وكلفة ذاك المشروع كانت 325 ألف دولار.
ماذا عن بلدية الجديدة – البوشرية – السد؟
رئيس البلدية أنطوان جبارة ديناميكي جداً. هاتفه لا يُغلق في وجه أحد. والتعليمات، من قبله، توجه أولا بأوّل من أجل الإحاطة بكل الأزمات. فماذا عن بلديته وأزمة المحروقات؟ يجيب: “هناك 27 محطة في النطاق البلدي، وشرطة البلدية موجودة دائماً، ولم يحدث أي مشكلة. ثمة محطات تفتح ساعات محددة الى حين يفرغ مخزونها. أما في شأن التعاطي على قاعدة توزيع بونات أو التسجيل عبر تطبيقات هاتفية فشبه مستحيل في البلديات الكبيرة. فالبلدية التي تضم 5000 إنسان يمكنها أن تفعل ذلك أما بلدية مثل بلديتنا، فيها 150 ألف إنسان، فعليها أن تتعاطى مع الأزمة في شكل آخر. نحن نعمل على المساعدة في فرض الأمن وتوفير الأمان والنظام عند المحطات. ويستطرد جبارة بالقول: من أصل 150 ألف إنسان في الجديدة – البوشرية – السدّ هناك 9 آلاف فقط لا غير ينتخبون هنا. فهل نوزع قسائم على أبناء البلدة ونستثني البقية؟ هذا مستحيل بالنسبة إلينا. لذلك أبقينا التعبئة مفتوحة أمام الجميع لكن بالنظام. وهذه الفوضى لا بُدّ أن تُحلّ حين يتم رفع الدعم وتوقف السوق السوداء والتهريب”.
البلديات اليوم “طفرانة” وهذا الأمر لا تختلف عليه بلديتان. أنطوان جبارة، رئيس أحد أكبر البلديات في منطقة المتن الشمالي، يلفت هو أيضا الى “الطفر” الذي تعاني منه البلديات في لبنان، بعدما أصبحت موازنتها بلا قيمة “ويقول “في السابع عشر من تشرين كان في صندوق البلدية 30 مليار ليرة لبنانية، وكانت لدينا أحلام ومشاريع كثيرة بينها إنشاء دار راحة وكلها جُمّدت. والأموال فقدت قيمتها. التحصيل أيضا تراجع وبالكاد ما نستوفيه يكفي لسداد اجور عمال البلدية والموظفين وعددهم 250 شخصاً. وهناك في نطاق البلدية حدائق وملاعب رياضية ومكتبة وهناك 700 شخص يستفيدون من نظام الطبابة من خلال البلدية ومن مساعدات ومنح مدرسية. حتى الآن لم تتوقف كل تلك الإسهامات غير ان التحصيل هو الذي تراجع. متجر Giant مثلا لم يسدد الرسوم التي على عاتقه منذ عامين (يدفع مليارين و450 مليوناً سنوياً) بسبب تضرره من انفجار بيروت والجمود الاقتصادي.
نسأل عن أزمة المحروقات فنجد عشرات الأزمات التي تثقل كاهل المواطن والبلدية.
ماذا عن بلدية الفنار؟
رئيس بلدية الفنار جورج سلامة شارك، مثل رئيس بلدية الجديدة – البوشرية – السد، في لقاء ضمّ، منذ يومين رؤساء 40 بلدية. وهو مثلهم أيضا يجزم أن لا مشاكل حدثت في البلدة “فالبلدية تضم 4 محطات، بينها واحدة في آخر الفنار أول عين سعادة، وأكثر زحمة تحدث عند محطة توتال لذا وضعت البلدية “بلوكات” لتنظيم عملية التعبئة والدور والمرور”. يضيف سلامة “شبه مستحيل تنظيم تعبئة المحروقات وفق نظام القسائم لأن بلدة الفنار تضم 60 ألف شخص، بينهم 3000 فقط أصلهم من الفنار وينتخبون فيها، ويحق لكل الأشخاص التعبئة. عيب ان نرفض اي شخص يحتاج الى بنزين ويقف بالنظام. المشكلة في التفلت من النظام لا في منع حصول كل من يحتاج الى بنزين”.
البارحة، سمعنا نقابة الاطباء تطالب من جديد بإعطائها أولوية التعبئة. هل يحصل ذلك في الفنار؟ يجيب سلامة: “الأولوية هي للأطباء وللمرضى ايضاً”.
صحيح أن أزمة البنزين هائلة لكن ثمة أزمة لا تقل فداحة حكى عنها سلامة: “هناك تقصير كبير في ضخّ المياه الى المناطق العالية. الفنار وعين سعادة على سبيل المثال لا الحصر تحتاجان الى مضخات لتصل المياه الى المواطنين ولا مازوت لدى الدولة والوزارات والمصالح المعنية. وكلنا يعلم أن سعر الصهريج لا يقل عن مليون ليرة. لذا إقترحنا حصول أصحاب المولدات في المنطقة، وعددهم أربعة أو خمسة، على كمية من المازوت لتشغيل المضخات على أن يسدد ثمن هذه الكمية من مبلغ صغير، 10 آلاف ليرة، على فاتورة المولدات. مبلغ صغير بدل المبالغ الهائلة التي يتكبدونها يسمح بضخّ المياه الى مساكنهم”.
نسمع بالأمن الذاتي وبدأنا نراه. ونسمع عن اللامركزية وبدأنا نراها. ونسمع عن كونفدراليات البلديات وبدأت صورها تنقشع… وكل ذلك ظهر حين اضمحلّ دور الدولة وتلاشى. فالحاجة الى البلديات الآن كبيرة. وحاجات البلديات الى الموارد أيضا كبيرة.
فلنصعد الى لبعا. رئيس بلديتها فادي رومانوس قرر من جهته تنظيم عملية تعبئة البنزين ليس للبعا وحدها بل لثماني قرى محيطة ايضاً ليس فيها محطات بينها: مراج الحباس ووادي الليمون ووادي بعنقودين وبيصور وعين المير والمحاربية ويقول “أردنا ان ننظم العمل. لدينا في البلدية عشرون شاباً يساعدون والجيش الى جانبنا. لا نريد لأبناء وبنات بلداتنا ان يتبهدلوا. ويستطرد بالقول: الأوضاع مخيفة لذا قمنا كبلدية بتركيب بوابات حديدية عند مداخل ومخارج لبعا نقفلها مساء ونفتحها صباحاً. وركبنا كاميرات مراقبة في كل لبعا ونقيم دوريات دائمة. نحن نحاول ان نحتاط من الأسوأ الذي يعدوننا به”.
بالفعل، بدأت لبعا في تعبئة استمارة الوقود الخاصة بعموم الأهالي والسكان. وذلك بفضل رئيس بلديتها.
في البترون أيضا مطالبات يومية باعتماد نظام القسائم وأولوية منح أولاد البترون المحروقات أولا.
رئيس بلدية الغبيري معن الخليل لديه رأي آخر مختلف تماماً ويقول: “نحن مدينة كبيرة ولا نتعاطى كما الضيع والقرى. وكل ما يمكننا فعله هو التنظيم. ويستطرد: لدينا في الغبيري 12 محطة ولا يمكننا تأمين المحروقات الى أبناء الغبيري واستثناء كل الآخرين. هذه ليست أبدا لامركزية لأن اعتماد اللامركزية يحتاج الى مقومات مفقودة حالياً. ولستُ مضطراً الى القيام بمخالفات لا يغطيها القانون”.
معروف رئيس بلدية الغبيري بنشاطه الدائم، وفي كل الإتجاهات، لكنه كما كل الآخرين، يعاني من تدني قيمة الجبايات وعدم القدرة على القيام بالمشاريع حتى الضروري منها”.
البلديات “تنغل” اليوم، أكثر من أي يوم، لكن في “مكانها راوح”! فالأعباء الملقاة على كاهلها زادت كثيراً والأموال التي تجبيها انخفضت قيمتها كثيراً. وأتت أزمة البنزين لتزيد العبء عبئاً.
في المقابل، تصل الى آذان أهالي وسكان المناطق أصوات بلدية تشكر “فلان” على تقديمه المازوت لبلدتهم. وكأن المازوت منّة من طرف سياسي قبيل الإنتخابات النيابية. وكأن المازوت “تحت عين الشمس” قد أصبح ورقة إنتخابية.
تتقدم بلدية المنصورة بالشكر الكبير من التيار الوطني الحر على دعمه المتواصل بتوفير مادة المازوت لزوم المولدات الكهربائية بالسعر الرسمي…
تشكر العربانية والدليبة الخيرين وتخص النائب حكمت ديب والنائب الان عون لتأمينهما 6000 ليتر من المازوت…
من أين يأتون بالمازوت؟
التيار يوزع على البلديات مازوتاً ويحصد: شكراً وممنونك وأمرك سيدنا وصوتنا لك! هي لعبة مفضوحة بعدما تحولت مادة المازوت بين أيدي التيار الى مادة انتخابية لإغراء الناس بهدف التعويض عن فشلهم. التيار أمسك “بالتيار الكهربائي” وبملف المحروقات كاملاً 12 عاماً والآن، بعدما سقط الهيكل على كل الرؤوس، ها هو “يتاجر” بما تبقى! فمن أين يأتي التيار بالمازوت؟ وهل يحق له ما لا يحق لغيره؟
أزمة البنزين تستفحل. البلديات تعمل ليلاً ونهاراً. وفي المقابل هناك من يلعب ليلاً ونهاراً بما تبقى من كبرياء لبناني عارضاً المازوت تقدمة مقابل: شكراً وورقة انتخابية!