جاء في نداء الوطن:
كان منتظرًا أن يخرج الدخان الأبيض مساء الخميس من دواخين قصر بعبدا ولكن المفاجأة كانت بدخان البيانات الصادرة من إعلام القصر ومن إعلام الرئيس المكلف نجيب ميقاتي.
بيان ميقاتي كان السباق في البيان. بعده بيان القصر بوقت قصير بدا وكأنه رد. هكذا كان رد الفعل الأولي حول البيانين. وهذا التصور لم يخفف منه ما صدر لاحقاً عن الإعلام في بعبدا وفيه أن بيانها ليس رداً على بيان ميقاتي وإنما على الذين يتهمون الرئيس بأنه يريد الثلث المعطل رغم النفي المتكرر.
قال ميقاتي في بيانه: “فيما يحرص دولة الرئيس على مقاربة عملية تشكيل الحكومة، وفق القاعدة الدستورية المعروفة وبما يتوافق مع مقتضيات المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان، والتي ضاق فيها اللبنانيون ذرعاً بالسجالات ويتطلعون الى تشكيل حكومة تبدأ ورشة الانقاذ المطلوبة، يبدو ان البعض مصر على تحويل عملية تشكيل الحكومة الى بازار سياسي واعلامي مفتوح على شتى التسريبات والاقاويل والاكاذيب، في محاولة واضحة لابعاد تهمة التعطيل عنه والصاقها بالآخرين، وهذا اسلوب بات مكشوفاً وممجوجاً…”.
بعد نحو عشر دقائق قال بيان القصر الجمهوري إنه “كثرت في الآونة الأخيرة وبوتيرة تصاعدية، أصوات مسؤولين وسياسيين، واقلام منسوبة تارة الى مصادر ومتلطية طوراً وراء خلفيات باتت ممجوجة، عبر مواقف استنسابية وتحليلات غير مستندة الى أساس صحيح، لتصّب في هدف واحد وهو الصاق سبب التأخير في تشكيل الحكومة العتيدة الى رغبة او إصرار او مطلب لدى السيد رئيس الجمهورية بالحصول على الثلث الضامن في الحكومة، لكي يوافق عليها ويوقّع على مراسيم تشكيلها.”.. وإذ أكد على نفي رغبة الرئيس بالحصول على الثلث الضامن اعتبر ان “هذه التعمية التي باتت هواية شبه يومية لدى محترفيها، بدأت تنقلب عليهم. وهم إن احترفوها لفترة، مصوّبين على موقع الرئاسة وشخص الرئيس وصلاحياته الدستورية، ما عادت حتى في خدمة مآربهم…”.
حتى قبل صدور هذين البيانين كانت التسريبات توحي وكأن الوسيط اللواء عباس ابراهيم نجح في تذليل العقد وحل الخلافات حول الحقائب والأسماء، وأن الحكومة ستولد الخميس وأن الرئيس ميقاتي سيتوجه إلى قصر بعبدا وقد تصدر مراسيم التأليف بعد لقاء الرئيس عون. ولكن يبدو أن الأحلام كانت مجرد سراب.
ما ساعد في ترويج الأجواء الإيجابية كان مبنياً على جولة وفد الكونغرس الأميركي الأربعاء وتصريحات رئيسه كريس مورفي، التي اعتبرت وكأنها تسهيل لعملية التشكيل. ولكن في الواقع بدا وكأن مهمة الوفد الأميركي تتركز على محاولة تأمين العبور نحو مرحلة الإنتخابات النيابية. وإذا كان مورفي راهن على ما سمعه من الرئيس عون حول التفاؤل بقرب ولادة الحكومة قبل نهاية هذا الأسبوع، فقد خابت آماله وهو الذي عاد ليقول قبل مغادرته في مقابلة تلفزيونية في القاعدة الجوية في مطار بيروت، انه “يمكن للبنان أن ينقذ نفسه وعلى قادته تشكيل حكومة والبدء بعملية الإصلاح، والولايات المتحدة ستساعدهم وتجمعهم مع صندوق النقد الدولي”. ورأى انه “علينا ابتكار بعض الطرق للمساعدة على زيادة أجور الجيش اللبناني ومن غير المقبول أن يتقاضى هذا الجيش أجوراً أقل من اجور عناصر “حزب الله”.
لم يظهر أن الوفد الأميركي أتى ليساعد في عملية التأليف. صحيح أن الرئيس عون والرئيس المكلف يتوليانها عملياً بموجب الدستور، ولكن يبدو أيضاً أن أكثر من وسيط يشارك في هذه العملية. فمن خلال الأسماء وتوزيع الحقائب ظهر وكأن الرئيس ميقاتي تابع من حيث كان يتفاوض الرئيس سعد الحريري مع الرئيس عون، وخصوصاً من حيث الحصص التي كان تعهد بها الحريري للكتل التي سمته. وبدا أيضاً أن المسألة لم تعد تتعلق بتسمية الرئيس الذي سيشكل الحكومة وأن القاعدة صارت أن تتم التسمية مع اشتراط الحقائب التي يريدها من سموه مع الأسماء.
وفي هذا الإطار تدخل التعهدات التي أعطيت للثنائي الشيعي ولـ”المردة” و”القومي” ولـ”الحزب التقدمي الإشتراكي” وللقريبين من “حزب الله”، وبقي التفاوض على ما تبقى من حقائب الأمر الذي أوقع الخلاف مع الرئيس عون حول ما تبقى من أسماء. وفي هذا المجال كان يشارك في عملية التأليف كل من النائب علي حسن خليل والحاج حسين الخليل واللواء عباس ابراهيم والمحامي كارلوس أبو جوده، وربما غيرهم ممن لم تتظهر أدوارهم. في ظل هذا الوضع ماذا يبقى للرئيس المكلف وللرئيس عون إذا كانا ينطلقان من حكومة من 24 وزيراً وينتهيان على خلاف حول عشرة فقط؟
وفي هذا الإطار أيضاً فقد ذكرت معلومات أن أسماء الوزراء الشيعة التي حكي عنها على أساس أن الثنائي وافق عليها ليست نهائية، وأنه سيتم تبديلها في حال تم التوافق على التشكيلة قبل إعلانها كما كان يحصل سابقاً، عندما كان الرئيس بري يسلم الأسماء قبل إعلان المراسيم في قصر بعبدا. وفي المعلومات أيضاً أن كل ما حكي عن خلافات حول الحقائب والأسماء لم يكن إلا من سبيل المناورات، وأن المسألة الأساسية كانت منذ بدء رحلة التأليف مع الرئيس سعد الحريري هي تسمية الوزراء العشرة من خارج الحصص المتوافق عليها، وهذا الأمر تم إدخاله ضمن آلية التأليف التي يجب أن تحصل بالإتفاق مع رئيس الجمهورية وليس من باب الحصول على الثلث المعطل وإن كانت النتيجة هي ذاتها في النهاية.
وإذا كانت بعض المعلومات أشارت إلى لقاء مساء الخميس بين ابراهيم والوزير جبران باسيل، فإن معلومات أخرى ذكرت أن باسيل قد يكون هو الذي دخل على خط خربطة ما كان توصل إليه ابراهيم ليل الأربعاء، من خلال اعتراضه على أن تكون حقيبة الإقتصاد من حصة الرئيس ميقاتي.
هل ستعود دوامة المشاورات من جديد أم أن الرئيس ميقاتي سيعتذر عن متابعة المهمة؟ في حال اعتذر سيبدأ السباق نحو الإنتخابات النيابية في 8 أيار من العام المقبل. رئيس وفد الكونغرس قال إن بلاده تحتاج إلى رئيس وزراء للتحدث والتفاوض معه، وإنها ستساعد الجيش اللبناني. السؤال الأبرز في ظل تفاقم الأزمة يدور حول ما إذا كان الجيش سيتمكن من احتمال مشقة الإنتقال إلى مرحلة الإنتخابات النيابية؟ وهل يمكن أن يتم هذا العبور في ظل الإنهيار المتواصل؟ وبالتالي هل يبقى الرهان على نتائج الإنتخابات من أجل التغيير المطلوب في محله، أم أنه سيكون أيضاً سراباً كما السراب المتصاعد من قصر بعبدا؟