كتب عماد موسى في “نداء الوطن”:
عندما يتكلّم جبران، ويبحر في التاريخ، ويغوص فيه نابشاً ما أغفله الآخرون، من كتّاب وسياسيين وموثّقين، أجدني مشدوداً بكل جوارحي لسماعه. كلامه الصادق يشحذني بالعزيمة والإرادة الصلبة، ويحيي فيّ الروح الوطنية الصافية. كم من مرة تركت المكواة على أحد قمصاني فاحترق وكم من مرّة نسيت الطبخة على النار فتشوشطت وتفحّمت.
أتقدّم في السن على جبران بسنوات لا مجال لذكرها. لكن أغبط من هم في جيله ومن جيل أولادي الذين تسنّى لهم مصافحته ولو لمرة. ولو عاد الزمن بالمرحوم أبي لربما فكر أن يتريث قليلاً وينتظر بداية السبعينات، ولكنتُ جايلتُ عظيماً من بلادي قدّم تياره آلاف الشهداء في معارك شرسة ضد الإحتلالات ومحاولات ابتلاع لبنان وجعله وطناً بديلاً لفلسطين، “نحن الجيل الذي مر بأيام صعبة ولكن بكل فخر جاء اليوم الذي وقفنا وقلنا فيه اننا الجيل الذي حرر لبنان من الاحتلال والوصاية وانتم مهما تعرضتم لمصاعب سيأتي اليوم الذي تقفون وتقولون فيه نحن جيل عون الذي حرر لبنان من الفساد” هكذا خاطب فوجاً من كشافة التيّار الجارف.
ثمة أخطاء تاريخية يجهلها جيل الشباب، بعضهم يعتقد أن دم الرئيس رفيق الحريري ورفاقه حرر لبنان من الوصاية، والواقع أن العماد ميشال عون وهو من أنجز الخطط الميدانية للتحرير ورفع الوصاية، وخلخل المسمار، وتشاء الصدف أن يُقتل الحريري وينسحب الجيش السوري بعد أربعين يوماً على وفاته. وسيأتي يوم ويقول فيه جبران أن رفيق الحريري قطف ما زرعه عون.
عندما يتكلّم جبران يُسقط أوراق التين عن كل الزعامات. يظلّطها. يضع الحقائق في نصابها. ينصبها إذا صح التعبير. كانت رائحة حريق “الورق عريش قاطع” تتسلل إلى منخاري عندما قال جبران إن “التيار لا يتحمل مسؤولية سياسة وضعوها منذ 1990 في موضوع الدين: كنا نقول لا ترفعوا الفوائد ولا تزيدوا الاستدانة وهم كانوا يفعلون العكس حتى يركع لبنان وشعبه ويقبل بالتوطين والنزوح”.
لا ينطق جبران سوى بالحق بعيداً عن الشعارات. قبل التسعين حقق العماد عون ما يصبو إليه كلّ لبناني، مسيحياً كان أم مسلماً. في سنتين فقط وسّع المطار، بنى الجسّور، حسّن قطاع الإتصالات إستعاد ثقة المجتمع الدولي بلبنان، حرّر البلد، ألغى الميليشيات، أرسى أفضل العلاقات مع الشرق والغرب، عمّر بيروت، فجاء الحريري بعد سنتين وخرب كل إنجازات الجنرال، بسياساته الحمقاء. لكن مع عودته في العام 2005، إستأنف عون (ورسله) ما بدأه، وبنجاح منقطع النظير.
كم مسّني كلام جبران الموجه إلى جيل عون، وليتني كنت واحداً منه” لا تخجلوا بأي موقف اذا كان هو الحقيقة فالكذبة مهما تكررت لا تصبح حقيقة وانتم تعانون الاضطهاد والظلم لأنكم جئتم لإصلاح ما لا يريدون اصلاحه كالكهرباء وغيرها” كيف نخجل يا رجوتي؟ مهما ظلمنا ومهما اضطُهدنا، لا بد أن يأتي يوم، وهو ليس ببعيد، ونصلح شبكة الكهرباء القديمة ونعيد، كأولاد الحقيقة وصل التلفزيون ببطارية السيارة!