كتبت زينب حمود في “الأخبار”:
رغم السعر الجنوني للزيّ المدرسي، لا «تهضم» إدارات المدارس فكرة التخلّي عنه. وحين تعجز عن فرضه على جميع الطلاب، تبلغ الأهل بأنه اختياري وبأنهم يستطيعون شراءه من السوق، واضعة شروطاً صارمة على شكل الثياب المسموح بها ولونها. أما التربويّون فيطالبون بإلغاء الزيّ الموحد لمنع استمرار تطويع الطلاب بهدف التحكّم بعقولهم.
في سابقة من نوعها، «أُجبرت» معظم المدارس هذا العام على عدم فرض توحيد الزيّ المدرسي، بالنظر إلى كلفته المضاعفة نتيجة ارتفاع صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية. المدارس، التي تستمر في «مصّ دم» الأهل، حددت سعر الزيّ بما لا يقلّ عن 600 ألف ليرة.
مديرو المدارس لا يتقبّلون فكرة إلغاء «المريول»، رغم غلاء سعره، ويحاولون بشتى الطرق تأمينه من خلال التفاوض مع أصحاب المعامل على «سعر مقبول» أو البحث عن جهة داعمة بهدف تأمين استمرارية الزي المدرسي الموحد. المدارس الكاثوليكية مثلاً تسعى إلى تأمين الزي المدرسي لجميع الطلاب، وفق سعر الصرف الرسمي (1515 ليرة للدولار)، من خلال توزيع ما تبقّى لديها من مخزون السنوات السابقة، وفي حال النواقص، لن تُلزم الأهالي بشراء الزي الموحد، وستسمح بارتداء ملابس يختارونها شرط تأمين التناسق بين جميع التلامذة، «فنفرض اللون الكحلي للسترة مثلاً». المدارس الأربع التابعة لجمعية المقاصد في صيدا تركت للأهالي حرية شراء الزي المدرسي للمرة الأولى منذ افتتاحها. ومع أنها دعمت سعر الزيّ وفق سعر الصرف 7000 ليرة مقابل الدولار الواحد، إذ أصبح القميص بـ 100 ألف ليرة والبنطال بـ 150 ألفاً والزي الرياضي بـ 150 ألفاً، إلا أنها لم تتمكن من تلبية حاجة جميع الطلاب، ما اضطرّها «إلى التساهل» المشروط بتوحيد لون اللباس، الذي «نفكر بأن يكون أبيض وكحلياً».
مفهوم الربح لا يزال يسيطر على عدد من المدارس التي تتمسك بالزي المدرسي، كمدرسة أولاد جومانة التي تشترط عليها شراء سترة تبلغ كلفتها 400 ألف ليرة. وبعدما أجرت الوالدة حساباتها أدركت أن عليها «تسديد ثلاثة ملايين ليرة لقاء شراء سترتين وبنطال وزيّ رياضي للولد الواحد، ما معناه ستة ملايين لابنيها». وهذا ما رفضته جومانة وقالت إنها «ستتمرّد» على قرار المدرسة وستبحث عن زيّ من خارجها. لكنها تستدرك أن الثياب في الأسواق مكلفة أيضاً بما أنها تسعّر بالدولار، لذا تفضّل أن «تؤمن المدرسة الزيّ وتبيعه بسعر الجملة من دون أن تضيف عليه هامشاً واسعاً للربح، فتثبت بذلك أن همّها تعليم الأولاد فعلاً».
للوهلة الأولى، يبدو خيار تخلّي المدارس عن إلزاميّة الزيّ المدرسي الموحّد «صائباً»، لكن بعد التمعّن في الشروط المفروضة على اللباس الذي يختاره الأهالي، يتبيّن أن المدارس تستمر في النهج نفسه وهو «توحيد زيّ الطلاب وتوحيد الدفاتر والكتب وفرض الوقوف في الصف بعضهم خلف بعض ليكونوا متشابهين في كل شيء، وصقلهم في قالب واحد وتطويعهم وفرض الطاعة عليهم»، كما تقول رئيس الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، والاختصاصية في علم الاجتماع التربوي، سوزان أبو رجيلي. الغاية من وراء هذه الممارسات التربوية والإدارية في أغلب المدارس هو «التحكم بعقول التلامذة»، وهو ما أثبتته البحوث العلمية والتحليلات التي جرت لهذه الممارسات. وشرحت الباحثة الاجتماعية أوغاريت يونان في الفيلم التربوي «انتبه مدرسة»، بمبادرة من حركة «حقوق الناس» عام 2001، ارتباط هذه الممارسات بالأنظمة السياسية السائدة في مجتمعاتنا، وأشارت إلى المنحى السياسي لها وأنها تؤدي إلى الانصياع لهذه الأنظمة.
تعزو المدارس الغاية من الزي الموحد إلى إخفاء الفروق الاجتماعية بين الطلاب والتي ستظهر، برأيهم، من خلال مستوى ثيابهم، وهو ما تراه أبو رجيلي «حجة واهية لإيهامنا بتحقيق العدالة الاجتماعية» لعدة أسباب: أولها عدم تحقق هذا الهدف لأن الفروق الاجتماعية لا يمكن إخفاؤها وستظهر من خلال الحذاء الذي يرتديه الطالب، أو الساعة التي يضعها، أو مصروف الجيب الذي يحصل عليه؛ وثانيها عدم استقبال المدارس طلاباً من طبقات اجتماعية مختلفة، وثالثها اضطرار الأهالي غير الميسورين إلى إرسال أولادهم إلى المدرسة بزي مدرسي قديم، ما يظهر الفرق الاجتماعي بينه وبين أقرانه».
أبو رجيلي ترفض أيضاً الحجّة الثانية لفرض الزي الموحّد وهي تجنّب أن يؤدي اللباس المختلف الأشكال والألوان إلى تفضيل الطلاب الاستعراض وإظهار الجمال على الهدف الأساسي من وراء الذهاب إلى المدرسة. وهذا يعود، كما تقول، إلى فعالية التعليم المدرسي، فإذا كان لا يجذب الطلاب فسيدفعهم بالضرورة إلى التركيز على أمور ثانوية. الحل لهذه المعضلة يكون بـ«التربية الأسرية المسؤولة عن تعليم الأولاد عدم الالتفات إلى المظاهر الخارجية والتركيز على جوهر الإنسان، عقله، وأخلاقه. ولا ننسى دور المدرسة الأساسي في معاملة جميع الطلاب معاملة عادلة واحترام الأساتذة والإدارة لهم وإنصافهم حتى يشعروا بالعدالة الاجتماعية».