Site icon IMLebanon

“يا ناطرين” البطاقة التمويلية… إبدأوا البحث عن بدائل أكثر جدية

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

عدم “دق” حديد الخطط الاجتماعية وهو “حامٍ”، يجعل من “قولبتها” لما فيه مصلحة الوطن والمواطن عملية شبه مستحيلة عندما “تبرد”. المعالجات المقترحة للحد من انهيار القدرة الشرائية للأجور، ومكافحة الفقر، وعجز الأغلبية الساحقة عن الوصول إلى أبسط الحاجات الحياتية، دخلت في سباق خاسر مع الإنهيار. فالأخير أسرع بما لا يقاس. وهو يتغذى من التخبط والعشوائية والبطء في تنفيذ السياسات الحكومية.

عندما بدأ البحث في منتصف العام الماضي باستبدال الدعم على السلع بدعم الأسر والأفراد بشكل مباشر، كانت نسبة الفقر بحسب “الاسكوا” 55 في المئة، وكان سعر صرف الدولار وقتذاك بحدود 8000 ليرة. وعليه كان تخصيص 750 ألف عائلة بمنح مالية تتراوح قيمتها بين 100 و136 دولاراً أمراً عادلاً نسبياً، ومساعداً على تخطي المحنة من جهة، وعلى تجميد انهيار الوضع الاقتصادي من جهة ثانية. ذلك أنه من شأن الدعم المباشر زيادة عرض الدولار في الأسواق، ووقف استخدام الاحتياطي الالزامي من العملات الصعبة في مصرف لبنان. اليوم تخطت نسبة الفقر بحسب “الاسكوا” 82 في المئة من مجمل عدد السكان المقدر بـ 5.5 ملايين نسمة، أو 1.1 مليون عائلة، إذا اعتبرنا أن متوسط عدد أفراد العائلة يقدّر بخمسة. ما يعني أن عدد العائلات المحتاجة إلى إعانات مالية ارتفع إلى حدود 902 ألف عائلة، أي بزيادة 152 ألف عائلة عن العام الماضي أو ما يقدر بـ 760 ألف شخص. أما عن المبلغ المقطوع الذي سيعطى للعائلات فلم يعد يكفي، إذا سلمنا جدلاً انه سيعطى بالدولار، لتسديد فاتورة مولد الاشتراك التي فاقت هذا الشهر 2 مليون ليرة لاشتراك 5 أمبير في معظم المناطق. أما إن كانت المبالغ ستسدد بالليرة على سعر صرف مُبتدع فعندها تكون البطاقة كمن “يكب الماء على الرمال”.

البطاقة التمويلية قد لا تبصر النور قريباً

صدور الآليات التطبيقية للبطاقة التمويلية في 6 آب الماضي، بعدما أقرها البرلمان بقانون في 30 حزيران 2021 لا يعني أن المشكلة قد حلت. بل العكس فان الأمور ستزداد تعقيداً للاسباب التالية:

– لن تشمل البطاقة إلا 505 آلاف عائلة، فيما عدد العائلات المحتاجة يقدّر بأكثر من 900 ألف عائلة. وهذا الخلل يعود إلى عدم موافقة المجلس النيابي على خطة وزارة الشؤون الأجتماعية التي لحظت تخصيص البطاقة إلى نحو 750 ألف عائلة في الأساس. فالوزارة كانت قد استندت عند التحضير لمشروع البطاقة قبل ارسالها إلى البرلمان الى دراسة “مسح القوى العامة” المعد من قبل “منظمة العمل الدولية” مع “مديرية الإحصاء المركزي”، والذي أظهر حاجة 75 في المئة من العائلات إلى المساعدة المالية.

– ارتفاع معدلات الفقر بقفزات كمية ونوعية مع كل يوم تأخير ببدء الاصلاحات الاقتصادية والسياسية. حيث من المتوقع أن يرزح ما بين 90 و100 في المئة من إجمالي المقيمين تحت خط الفقر في نهاية العام الحالي.

– عدم وجود مصدر جدي لتمويل البطاقة. فطروحات تحويل بعض القروض الاستثمارية، من البنك الدولي تحديداً، لصالح البطاقة تواجه رفضاً قاطعاً. ذلك أن البلد قد لا يحصل في القريب العاجل على أي قروض أو مساعدات دولية من أجل إعادة تفعيل العجلة الاقتصادية. ومن الأجدى استخدام هذه القروض المُكلفة والمعطاة للبلد مقابل فوائد، في المشاريع المنتجة لتوليد ودعم القطاعات الانتاجية وتأمين دخل اضافي وخلق فرص عمل. الأمر الذي يساعد الاقتصاد، ويؤمن إطفاءها بسهولة في المستقبل. في حين أنها لن تكفي في حال تخصيصها للاستهلاك إلا لمدة عام، وستكون كلفتها كبيرة على المواطنين والاقتصاد.

– إمكانية عدم موافقة مصرف لبنان على تخصيص جزء من وحدات السحب الخاصة المقدرة قيمتها بـ 860 مليوناً لتمويل البطاقة بالدولار، واشتراطه دفعها بالليرة اللبنانية على سعر صرف منصته. الأمر الذي سيخلق تعقيدات إضافية. خصوصاً أن البنك الدولي يشترط توزيع قرض الحماية الاجتماعية الذي سيوزع بالتوازي مع البطاقة التمويلية بالدولار.

– عدم حسم النقاش ما إذا كانت الأموال ستدفع بالليرة أو الدولار.

المعوقات التقنية:

بالإضافة إلى التأخير الناجم عن عدم الاتفاق على مصدر التمويل هناك صعوبات تقنية لا تقل أهمية منها:

– صعوبة التوصل سريعاً إلى آليات عملية تسمح بجمع المعلومات على منصة التسجيل، وتطلبها تشبيكاً دقيقاً وحساساً مع مختلف الجهات المعنية بفرز المعطيات. فهي تشترط مثلاً التنسيق مع مصرف لبنان لوضع خانة تختص برفع السرية المصرفية عند عملية التسجيل، لانه من شروط الحصول على البطاقة ألا تفوق قيمة الودائع المصرفية للعائلة الـ 10 آلاف دولار اميركي أو 200 مليون ليرة. وتشترط التنسيق مع مصلحة تسجيل السيارات والآليات، لانه لا يحق مثلاً للأسر التي تملك سيارتين مسجلتين بعد العام 2018 ويعود تاريخ صنعهما لبعد العام 2017 أن تستفيد من البطاقة. وتتطلب التنسيق مع وزارة العمل وعبرها مع مكاتب استقدام العاملات الاجنبيات والأمن العام لتحديد الأسر التي تستعين بعاملة أجنبية أو مدبرة منزل، لانه لا يمكنها في هذه الحالة الاستفادة من البطاقة. وأيضاً مع البلديات والدوائر العقارية لمراجعة بدل الايجارات حيث لا يحق للعائلة التي تدفع بدل ايجار يفوق 3500 دولار الاستفادة من البطاقة. من هنا فان التوصل تقنياًِ إلى وضع برنامج دقيق وفعال قادر على شبك هذه المعلومات مع الجهات المعنية وانتقاء المستفيدين من المستثنين يتطلب وقتاً غير قليل. حيث يفترض بالبرنامج المعقد اعطاء النتيجة فوراً للمتقدمين بعد الانتهاء من التسجيل على المنصة ومن دون أي تدخل بشري.

– عدم التوصل بعد إلى صيغة توزيع المساعدات أو المبالغ المالية. فاذا كانت ستوزع عبر شبكة فروع إحدى شركات تحويل الاموال فهي لا تتطلب وقتاً. ويكفي في هذه الحالة إرسال رسالة نصية الى المستفيد تتضمن رقماً سرياً للتوجه إلى أحد فروع الشركة وقبض المبلغ. أما إذا كانت الأموال ستوزع بواسطة المصارف وعبر اصدار بطاقات إئتمانية فان العملية تتطلب وقتاً وكلفة اضافيين والمزيد من التحضيرات اللوجستية لإصدار نحو 750 ألف بطاقة تشمل أيضاً المستفيدين من قرض الحماية الاجتماعية.

– التوقع بان يفوق عدد العائلات المستحقة الـ 505 آلاف عائلة. الأمر الذي سيدفع إلى وضع المزيد من المعايير الاستثنائية لحصر المستفيدين بالعدد المقر في البرلمان والالتزام بسقف البطاقة المحدد بـ 556 مليون دولار فقط.

إذاً، بناء على ما تقدم هناك عقبتان كبيرتان ستواجهان “ردم” فجوة الفقراء الآخذة يومياً في التوسع والإزدياد، وهما: كيفية تأمين مصادر التمويل لدعم الأسر، وكيفية تحديد الأسر الأكثر حاجة بدقة وشفافية. وهما عاملان سيؤخران إطلاق البطاقة في وقت قريب وتحديداً قبل نهاية الشهر الحالي. المشروع الجدي الوحيد القابل للتنفيذ سريعاً هو “قرض الحماية الاجتماعية” من “البنك الدولي” بقيمة 246 مليون دولار المقر في مجلس النواب في 12 آذار الفائت والمخصص مع بعض المساعدات لنحو 245 ألف أسرة. إلا أن هذا البرنامج الذي تأخر تنفيذه بسبب عدم التزام الدولة بمعايير البنك الدولي، ربط اليوم بالبطاقة التمويلية وهو لن يبصر النور إلا مع بدء تنفيذ البطاقة التمويلية.