كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
بينما ينادي الجميع بالإنتخابات النيابية المبكرة كحل للخروج من المراوحة السياسية فإن اللافت ان كل الاحزاب والقوى السياسية الاساسية لم تعلن انخراطها رسمياً بالموسم الانتخابي، ولم تشرّع ابوابها تحضيراً لخوضها بعد. ردّاً على السؤال فان الجميع يبدو مستعداً لاجراء الانتخابات اليوم قبل الغد لكن معاينة التحضيرات عن قرب لا تؤشر الى ذلك، ومن باشر الاستعداد لخوض غمار العملية الانتخابية فبتواضع وليس بالزخم الذي يؤكد الدخول رسمياً في المهل القانونية لاجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، بما يعزز الانطباع وكأن الجميع على يقين من ارجائها لألف سبب وسبب. وينقل عن مرجعية نيابية قولها استحالة ارجاء الانتخابات النيابية ولو ليوم واحد بالنظر الى الضغوط الخارجية، وان الحل الوحيد الذي يمكن ان تؤجل بسببه هو ان تقوم الحكومة التي سيتم تشكيلها بعمل خطوات معينة على طريق معالجة الازمة والاصلاحات.
المعنيون بالشأن الانتخابي والمراقبون ميدانياً يلاحظون ان غالبية الاحزاب تتعاطى بفتور مع الانتخابات بالنظر الى الظروف الراهنة، والتي تجعل اجراء الانتخابات في مواعيدها الدستورية محاطة بصعوبات كثيرة ومتفرعة. وحدها قوى المجتمع المدني استنفرت كل امكاناتها ونظمت اوضاعها اللوجستية والعملية والادارية وبدأت تتواصل مع المعنيين على الارض، من دون ان يكون لها مرشحون محددون بعد. واللافت هنا ان هذه القوى والتي باشر بعضها عمله بحملات اعلانية منظمة في كل المناطق اللبنانية وقّعت على تعهد الا يكون افرادها في عداد المرشحين، وانما حشد كل طاقاتهم من اجل تأمين نجاح الشخصيات التي يتم ترشيحها والتي لم تحسم اسماؤها بعد.
تعقيدات بالجملة تواجهها الاحزاب في هذه الانتخابات ما يجعل الاكثرية في وضع صعب للحفاظ على وضعيتها، فيما تؤشر الاحصاءات الاولية الى تراجع “التيار الوطني الحر” على الارض مقابل حفاظ “القوات اللبنانية” نسبياً على وضعها السابق، فيما القوى المسيحية الاخرى تعاني ازمة في شارعها ولم تسعفها استقالة نوابها من الحكومة والبرلمان معاً، والمقصود هنا “حزب الكتائب” على وجه التحديد. الماكينات الانتخابية لا تزال خجولة. فـ”التيار الوطني الحر” الذي يهدد بالاستقالة من مجلس النواب في حال لم يتم تشكيل حكومة، لا تتطابق تصريحاته مع واقع الاستعداد للانتخابات المبكرة. يعلم ان حضوره الشعبي تراجع ولكنه لا يزال مطمئناً الى النتيجة العامة، فخسارة عدد من النواب لا يزيد على اربعة لن يغير في واقع فوزه المحتمل بأكبر كتلة نيابية. ورغم تعيينه مستشاراً للشؤون الانتخابية من منطقة تنورين فـ”التيار الوطني الحر” لم ينخرط فعلياً بالتحضيرات للعملية الانتخابية، ولو ان مصادره تؤكد ان المخطط الانتخابي صار جاهزاً وكذلك حُسمت اسماء المرشحين في غالبية المناطق، أما التحالفات فيتم العمل عليها ويجري التباحث مع اكثر من طرف سياسي وحزبي. أما خصمه السياسي اللدود اي “القوات اللبنانية” فهي من اكثر الاحزاب واولها التي بكرت في اطلاق تحضيراتها الانتخابية، ولا تعاني من مشكلة التمويل على عكس “التيار” و”المردة” مثلاً. و”التيار” و”القوات” يلتقيان معاً على مواجهة اي نقاش نيابي داخل اللجان النيابية لتعديل قانون الانتخاب الحالي، الذي وبسببه، هدد نائب “القوات” جورج عدوان بالانسحاب من اللجنة، وبشراسة مثله خاض نواب “التيار” الدفاع عن القانون الحالي. واللافت غياب عدد من النواب ممن خفت صوتهم وحضورهم بما يطرح علامات استفهام حول قدرتهم على خوض الانتخابات في هذه الدورة، كالنائب شامل روكز مثلاً، بينما يعمل آخرون بجد بالتعاون مع المجتمع المدني.
على المقلب الآخر يعيش “تيار المستقبل” في وضع غير مطمئن من الناحيتين الشعبية والمالية، فالتيار ورئيسه يتمنى لو يتم تأجيل الانتخابات الى حين انجلاء صورة علاقاته الخليجية، ولا سيما مع المملكة السعودية التي يبدو ولغاية الساعة ستخوض معركتها تحت عنوان مواجهته وقد بدأت بالفعل عمليات كهذه تنضج في عكار والبقاع والشمال، بحيث يتم فتح مكاتب تمثيلية لقوى حزبية على خصومة مع “تيار المستقبل” لم يكن لها حضورها في السابق.
أما الثنائي الشيعي فلا يبدو في وضعية القلق على حضوره في مناطقه ولو انه بدأ يلمس التململ الذي بدأ يتوسع في صفوف جمهوره، وهو لذلك يدرس امكانية استبدال وجوه نيابية بأخرى اقل استفزازاً، ومثل هذا الوضع ينطبق على “حركة امل” اكثر منه على “حزب الله”. والاخير تكمن مشكلته الكبرى في صعوبة حفاظه على الاكثرية النيابية التي يحظى بها اليوم. فـ”الحزب” الذي كان يضع كل امكانياته المالية وماكينته الانتخابية في سبيل اعانة حلفائه في المناطق المختلفة، سيكون صعباً عليه تأمين التمويل اللازم بالنظر الى الازمة المالية الراهنة. عنوان معركة “حزب الله” في الانتخابات المقبلة دعم رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وهندسة تحالفاته في المناطق، حيث يحظى “حزب الله” بالنفوذ مستفيداً من اخطاء الانتخابات الماضية وتحالفات لم تشكل رافعة لـ”الحزب” بالشكل المرجو.
وليست الاكثرية بمنأى عن مشكلة التمويل. فكل الاحزاب والقوى السياسية ستجد صعوبة في رصد المبالغ اللازمة بالطريقة التي كانت تحصل سابقاً، ولو ان المبالغ المطلوبة لن تكون بالضرورة هي ذاتها. فقوى 14 آذار التي خاضعت انتخاباتها الماضية بكلفة قاربت 4 مليارات دولار لن تحتاج الى نصف هذا المبلغ اليوم، ورغم ذلك فهناك صعوبة في تأمينه. الوحيد المرتاح مالياً هو المجتمع المدني الذي يقال انه رصد ما يقارب 6 ملايين دولار لمباشرة عمله الميداني ورواتب موظفين تُصرف كلها بالدولار الاميركي.
اذا حصلت الانتخابات فستكون حكماً مغايرة عن سابقاتها واكثر صعوبة، فالجميع سيواجه مشكلة تمويل وتراجع شعبيته، هذا فضلاً عن الظروف السياسية المحيطة بتشكيل الحكومة والاصعب ان لا مزاريب تمويل من خلال الدولة، فيما تبقى عيون الاحزاب شاخصة باتجاه البطاقة التمويلية والخوف من ان تُمنح الاحزاب حصرية توزيع هذه البطاقة في مناطقها، فيبدأ اللعب الانتخابي على المكشوف على حساب الفقير. محصلة القول ومن خلال تأكيداتها فان كل الاحزاب تؤكد جهوزيتها للانتخابات وتتصرف كما لو انها لن تحصل حكماً.