Site icon IMLebanon

ماكرون وسياسة الصفقات: أي حكومة ولو بثلث معطل لعون

كتب منير الربيع في “المدن”: 

جاء إيمانويل ماكرون إلى الرئاسة الفرنسية من خلفية المال والأعمال. تنقلب السياسة لديه إلى أنواع مختلفة من الصفقات، أو تنحصر فيها. الموجة التي جاءت بماكرون في باريس كانت نتاجاً لترهل المؤسسة السياسية والحزبية الفرنسية. فالشعب لم يكن يريد اليمين المتطرف، ولا الأحزاب الأخرى التي أصيبت بوهن كبير، ولا سيما اليسار.

الشعبوية والشركات والاقتصاد

من تلك الثغرة تسلّل ماكرون على موجة شعبوية كبيرة اجتاحت العالم، وأدت إلى انتخاب دونالد ترامب الآتي من عالم والمال والأعمال أيضاً. والسياسة صفقات في معايير الرئيس الفرنسي، تُولي الأهمية الأساسية لشركات متعددة، كتوتال وبيجو ورينو وغيرها. وهذه أبرز الشركات المتعطشة للدخول إلى الأسواق الإيرانية. لذلك تبرز حماسة ماكرون إلى تجديد الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. ولا بأس بالتضحية بكل ما يتعلق بالسياسة ومساراتها كرمى لعيون الشركات.

بإمكان الرئيس الفرنسي استعارة جملة مفتاحية قالها سعد الحريري ذات 14 شباط وفي غمرة الوئام بينه وبين العونيّ من منتجات التسوية الرئاسية. ففي ذكرى استشهاد والده وقف الحريري وقال: “أنا لا تعنيني السياسة. ما يعنيني هو الاقتصاد”. وما قصده الحريري في هذه العبارة هو أنه لا يهتم للخصومات السياسية أو للصراع بين الأفكار والمشاريع التي يجب أن تكون كلها في خدمة الاقتصاد.

تنطبق هذه الجملة على ماكرون، الذي يبدو مستعداً لطرح كل ما له علاقة بالسياسة في بازار صفقات يحلل فيها البيع والشراء.

صفقات ماكرون

وفي عالم المال والأعمال، لا قيمة للديبلوماسية ولا للبروتوكولات. تتقدم الصفقات على ما عداها. ولا بأس بتسليم بلدان والنفوذ فيها لطرف من هنا أو من هناك، في مقابل الكسب في مكان آخر.

لذلك لم يجد الرئيس الفرنسي في قمة بغداد مؤخراً أي حرج في توجهه إلى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لإلقاء السلام عليه، والتسامر معه، وتوجيه دعوة له لزيارة باريس. فبالنسبة إلى ماكرون كل القواعد يمكنها أن تزول في سبيل توفير الحدّ الأدنى من الاستقرار الذي يوفره الحشد الشعبي ومن خلفه إيران، لاستثمارات شركة توتال في العراق.

وما ينطبق على العراق، ينطبق على السعي الفرنسي الدؤوب لإعادة تحريك مسار التفاوض الإيراني-الأميركي والوصول إلى اتفاق. تلك المقاربة الفرنسية للملف الإيراني، هي التي أدت إلى تأجيل زيارة ماكرون إلى دول الخليج، وتحديداً السعودية، لأكثر من مرّة. وقبل عزمه على زيارة السعودية اتخذ ماكرون مواقف تصعيدية ضد إيران، لعلّ ذلك يفتح أمامه أبواب المملكة ويعبّد الطريق أمام صفقات بمليارات الدولارات أملاً بشراء الرياض طائرات رافال وغيرها. لكن ذلك لم يحصل بسبب الاعتراض السعودي على المسار الفرنسي مع طهران.

التلاعب الفرنسي بلبنان

وللأسباب عينها لم تنجح حتى الآن المبادرة الفرنسية في لبنان. وانعكست الصراعات داخل الإدارة الفرنسية، وبين مؤسسات الدولة العميقة وفريق ماكرون، على الساحة اللبنانية. فالصراع على أشده بين الإيليزيه من جهة، ووزارة الخارجية من جهة أخرى. فالخارجية تثير حفيظتها إدارة بعض المقربين من الرئيس الفرنسي، كباتريك دوريل المعروف جداً لبنانياً، ملفات السياسة الخارجية الفرنسية.

ومنذ إطلاق المبادرة الفرنسية، كان ماكرون مهتماً بإعادة إعمار المرفأ، وبحجز حصة فرنسا على الساحة اللبنانية، من شركة cma cgm، إلى اصطحاب سمير عساف وطرحه مرشحاً مستقبلياً لحاكمية مصرف لبنان، إضافة إلى تركيزه على مصالح شركة توتال في ملف النفط. وهناك أيضاً الاهتمام الفرنسي بالاتصالات وبكل ما له علاقة بالقطاعات الأساسية اقتصادياً ومالياً في المرفأ والمطار، ومستقبلاً قطاع الكهرباء.

وانطلاقاً من هذه الاهتمامات لا بأس من البحث في إعادة تعويم الطبقة السياسية اللبنانية من خلال المبادرة الفرنسية، ولا حتى في مناقضتها بطرح عقد اجتماعي جديد، أو مؤتمر تأسيسي، أو تشكيل حكومة اختصاصيين، أو الرهان على المجتمع المدني وتهديد القوى السياسية بالعقوبات، والعودة في ما بعد إلى تجديد شرعية الطبقة السياسية بالبحث عن تسوية حكومية جديدة قادت إلى تكليف نجيب ميقاتي.

ويبدو السلوك الفرنسي مع محاولات ميقاتي تشكيل الحكومة، وكأنه ينطوي على خفّة سياسية، يقابلها السعي إلى إنجاز الصفقات على قاعدة: “اعطونا أي حكومة”. وهذا ما قضى على المبادرة الفرنسية في مهدها إبان تكليف مصطفى أديب بتشكيل الحكومة. حينها تنازلت باريس عن مبدأ المداورة وضغطت في سبيل منح وزارة المال للثنائي الشيعي. وبعدها ضغطت على الحريري كي يلتقي جبران باسيل في سبيل تشكيل الحكومة.

وحالياً ثمة فكرة فرنسية بالوصول إلى تشكيل حكومة، أي حكومة، ولو كان ذلك يقتضي إعطاء الثلث المعطل لرئيس الجمهورية ميشال عون. فأحد المسؤولين الفرنسيين تواصل مع بعض اللبنانيين في سبيل ذلك. وهذا ما استدعى مواقف اعتراضية من القوى التي أعلنت رفضها المشاركة في أي حكومة يحصل فيها أي طرف على الثلث المعطل.