Site icon IMLebanon

هل “افتدت” الحكومة مصير عون… وسنته الأخيرة؟

جاء في “الراي الكويتية”:

بدا مصير رئيس الجمهورية ميشال عون وعهده على المحك أخيراً… ففي السنة الأخيرة من ولايته سقط لبنان في هاوية لا قعر لها بفعل انهيارٍ مالي – نقدي لا سابق له وسط عزلة خارجية متعاظمة شرْطُ كسْرِها تشكيل حكومة استعصى تأليفها على مدى أكثر من عام.

والسؤال الآن بعد نجاح الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الموعودة عبر تفاهم صعب مع عون وفريقه السياسي (التيار الوطني الحر) وبـ «كاسحة ألغام» فرنسية – إيرانية، ما مصير رئيس الجمهورية والشوط الأخير من ولايته على الطاولة؟

قبل كسْر المأزق الكبير بالإفراج عن الحكومة، كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ذهب، وأول مرة وبوضوح، نحو المطالبة بتقصير ولاية الرئيس عون وانتخاب خلَف له بعد الانتخابات النيابية، رغم أن هذا الاقتراح الذي كان متداوَلاً في مرحلةٍ سابقةٍ لا يمكن أن يبصر النور إلا إذا توافرت الظروف المحلية من تَضافُر جهود القوى السياسية والأحزاب المُعارِضة لعون، والإحاطة الخارجية التي تسمح بمثل هذا التطور الـ «ما فوق عادي».

والمطالبة بانتخابِ بديلٍ لعون، هو الحدّ الوسطي بين الدعوة إلى استقالته الفورية التي تنادي بها شخصياتٌ من قوى «14 آذار» و«تيار المستقبل»، وبين معارضي تقصيرِ ولاية رئيس الجمهورية، لأسباب مسيحية، عدا طبعاً عن رفْضٍ مُطْلَق من جانب «التيار الوطني الحر» وحليفه «حزب الله».

وتعني «الأسباب المسيحية» رفْض القوى والأحزاب المسيحية المساسَ بولاية رئيس الجمهورية الماروني، تقصيراً – وإلى حد كبير تمديداً – وهو أمر سبق أن عارضتْه بكركي حين كان البطريرك الراحل مارنصرالله بطرس صفير واضحاً في عدم التجاوب مع دعوات الشارع وقوى «14 مارس» لإسقاط الرئيس إميل لحود بعد «ثورة الأرز» في آذار 2005، رغم أنه معروفٌ بأنه بطريرك الاستقلال والدعوة إلى انسحاب سورية إضافة إلى موقفه المعارض للحود وسياسته وأدائه في ظل الوجود السوري.

وهو الرئيس الذي كان متشبثاً بضرورة إكمال عهده، إلى حد رفض إنهاء ولايته قبل دقيقة واحدة من الموعد المحدد، ولم يقبل في المقابل بالبقاء في قصر بعبدا دقيقة واحدة إضافية.

طلب جعجع، يراوح إذاً بين هذين الحدين، لأنه المرشح الماروني لرئاسة الجمهورية سابقاً وحالياً، ويعرف أخطار الدعوة إلى إسقاط عون في الوقت الراهن، وما يثيره من حساسيات داخلية مسيحية. لكنه أيضاً فَتَحَ البابَ أمام تقصير الولاية، بنحو ستة أشهر فقط. إذ ان الانتخابات النيابية المقبلة ستجرى في ايار 2022، وولاية عون تنتهي أواخر تشرين الأول.

وتكون المطالبة بذلك أشبه بما حصل العام 1976 حين انتُخب الرئيس الياس سركيس رئيساً للجمهورية، قبل ستة أشهر من انتهاء ولاية الرئيس سليمان فرنجية. لكن الأخير، كما «الجبهة اللبنانية» التي كانت تدعمه رفضت تقصير ولاية فرنجية الذي أكمل ولايته حتى اللحظات الأخيرة، لكن ليس في قصر بعبدا الرئاسي، الذي كان تعرّض للقصف الشديد، بل في منطقة الكفور الكسروانية.

ويروي كريم بقرادوني، أن سركيس، حين دخل القصر الرئاسي في بعبدا، وَقَعَ نظره على مشهد مُفْجِع «رائحة العفن تفوح من الغرف والمكاتب، الجدران مثقوبة ومحروقة… كان القصر على غرار لبنان بحاجة إلى إعادة بناء كامل، فقال رئيس الدولة، إنني أنطلق من الصفر لا بل من تحت الصفر. إنني رئيس بلا دولة لكنني واثق من النجاح».

كانت المرة الأولى يدخل فيها رئيسٌ للجمهورية القصرَ المهدّم، لِيَتَكَرَّرَ المشهد نفسه مع الرئيس المنتخب الياس الهراوي، بعد خروج عون من قصر بعبدا (كان دخله في 1988 كرئيس حكومة عسكرية انتقالية) في 13 تشرين الأول 1990 على وقع القصف السوري.

مع تطور الأحداث والمعارك التي اندلعت العام 1975، والحوارات العربية والسورية من أجل وضْع صيغ للتهدئة، وسط رَفْضٍ كلي لتنحية فرنجية، مدعوماً من القوى المسيحية، طُرح انتخاب خلفٍ له كتسوية، على أن يكمل فرنجية ولايته التي أصر عليها.

لكن الانتخاب كان يحتاج إلى تعديل دستوري، وبعد مفاوضات داخلية وخارجية، عُقدت جلسة لتعديل الدستور في 10 نيسان 1976، والمادة 72 منه المتعلقة بمهلة انتخاب رئيس جديد.

كانت جلسة قصيرة بالمعنى الزمني، 11 دقيقة، لكن التصويت لم يستغرق أكثر من 5 دقائق، عُدل فيها الدستور، لتُعقد جلسة انتخاب سركيس في الثامن من أيار عام 1976، وكان مرشحاً وحيداً بعد مفاوضات عدة جعلتْه خلفاً لفرنجية.

المادة التي عُدّلت لمرة واحدة، نصت على «إعطاء مهلة ما بين شهر على الأقل وستة أشهر على الأكثر، من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، كي يلتئم المجلس لانتخاب الرئيس الجديد».

أما الدستور الجديد المنبثق عن اتفاق الطائف، فحصر المدة بين شهر أو شهرين على الأكثر من موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ما يعني أن أي مطالبة اليوم بانتخاب رئيس جديد، فور انتهاء انتخابات 2022 النيابية تحتاج إلى تعديل دستوري، والتعديل يحتاج إلى التئام أكثرية مؤلفة من ثلثي الأعضاء الذين يشكلون المجلس قانوناً ويكون التصويت بالغالبية نفسها.

أي عملياً فإن الذهاب إلى هذا النوع من التعديلات، يحتاج إلى بناء تحالف سياسي عريض، وفي الحالة هنا بين «القوات» و«المستقبل» وكتلة التقدمي الاشتراكي، على الأقل، لمحاولة تأمين هذه الأكثرية.

احتمالات الذهاب إلى هذا الخيار تبدو معدومة حالياً، لان مشكلة انتخاب الرئيس الجديد، تشكل في ذاتها معضلة شائكة، سواء بعد الانتخابات النيابية أو بعد انتهاء الولاية الكاملة لعون.

فانتخاب سركيس جاء بناء على توافق داخلي ومباركة خارجية، فيما الحال اليوم مختلفة تماماً، في ظل مرشحين موارنة أقوياء يمثلون أحزابهم أي «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» و«المردة»، ناهيك عن مرشح طبيعي هو قائد الجيش العماد جوزف عون وشخصيات سياسية واقتصادية، يمكن أن يتم التوافق عليها كتسوية.

واحتمالات الاتفاق على رئيس جديد بسهولة تبدو حتى الآن معدومة، فيما دلت التجربة على أن الفراغ بات العُرْف الذي يسبق أي انتخابات رئاسية.

تبقى حال وحيدة، هي احتمال استقالة رئيس الجمهورية، كما فعل أول رئيس للاستقلال بشارة الخوري، الذي قدّم استقالته قبل انتهاء ولايته الثانية، تحت ضغط القوى السياسية، فأعلن استقالته في 18 سبتمبر 1952.

وبحسب الدستور أوكل مهمات الرئاسة إلى قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب، بصفته رئيساً للوزراء. والدستور الحالي يجيز اجتماع المجلس النيابي فوراً لانتخاب رئيس جديد «إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر».

وبخلاف الخوري الذي أعلن استقالته «خشية تهريق الدماء وتزعزع أركان الحكم وتهديد كيان الجيش ومحافظة على كرامة الرئاسة»، فإن عون لا يمكن أن يُقدم استقالته من رئاسة الجمهورية، لا بل ان الكلام الذي يكثر تداوله في الأوساط السياسية أن ثمة محاولة لبقائه في القصر الجمهوري، لو لم تؤلف حكومة جديدة، رغم إصدار القصر نفياً لهذا الكلام.

علماً أن الرئيس السابق ميشال سليمان، كان دخل على خط النقاش كاشفاً عن دراسة قانونية إبان ولايته حول عدم جواز أن تتولى حكومة تصريف أعمالٍ صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الشغور الرئاسي، ودعوة له لتعقيد تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام آنذاك كي يستمر في الرئاسة بسبب وجود حكومة مستقيلة، رافضاً قبوله بهذه الفتوى ومؤكداً عدم اقتناعه بها يومها.

لا شك أن لبنان دخل قبل سنة من انتهاء ولاية عون السباق الرئاسي من الباب العريض، والخلاف الذي استشرس على الحكومة، والاحتمالات المقلقة حول احتمال تطيير الانتخابات النيابية، جزء أساسي من معركة رئاسة الجمهورية. لكن اقتراح تقصير الولاية، لا يبدو انه قابل للحياة… لا عون هو الرئيس سليمان فرنجية، ولا باسيل هو الرئيس كميل شمعون الذي قَبِلَ بالتنحي كمرشّح رئاسي من أجل تسويةِ انتخاب الياس سركيس.