كتب يوسف دياب في الشرق الأوسط:
الحكومة الحالية التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي، هي الحكومة الثالثة التي يشكلها منذ أن دخل المعترك السياسي في منتصف تسعينات القرن الماضي، لكن كثيرين يتريثون بالحكم على نجاحها أو إخفاقها، قبل صدور بيانها الوزاري، واستشراف تعاطي المجتمعين العربي والدولي معها، في مرحلة تعد الأخطر في تاريخ لبنان والمنطقة.
ويؤكد النائب علي درويش عضو كتلة «لبنان الوسط» التي يرأسها ميقاتي، أن «ثمة فرصة لنجاح الحكومة الجديدة التي تلقى قبولاً داخلياً وتعاطفاً دولياً»، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مهمات الحكومة قابلة للتنفيذ إذا حسنت نيات الأطراف السياسية، وقدموا الدعم لأعضائها الذين يتمتعون بمصداقية عالية». وحدد درويش برنامج عمل الحكومة، بالقول: «برنامجها لن يكون مثقلاً بالوعود، بل محدد بالتصدي للأزمة الاجتماعية، ومواجهة جائحة (كورونا) وآثار انفجار مرفأ بيروت، والتحضير للانتخابات التشريعية، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات».
هذه الأجواء الإيجابية عاكستها مناخات تشاؤمية من أحزاب آثرت البقاء في معسكر المعارضة، منها «القوات اللبنانية»، ورأى عضو كتلة «القوات» النائب فادي سعد، أن «الإدارة السياسية في لبنان غبية إلى درجة أنها أنتجت بعد 13 شهراً من الفراغ، حكومة بنفس مواصفات الحكومات التي تسببت بالانهيار».
وقال لـ«الشرق الأوسط»، «طالما الأكثرية النيابية الفاشلة المتمثلة بثنائي (حزب الله) و(التيار الوطني الحر)، قائمة على المحاصصة ومراعاة مصالحها بكل خبث، لن نخرج من الأزمات المستفحلة». ولفت سعد إلى أن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، «صم آذان اللبنانيين وهو يتحدث عن الزهد، وأنه لن يشارك في الحكومة، ليتبين أنه كان المفاوض الأول لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبات له ممثلون في الحكومة»، مذكراً بأن «المشكلة ليست بأسماء الوزراء، بل بمرجعياتهم السياسية، لذلك هي محكومة بالفشل».
وثمة من يشبه حكومة ميقاتي الجديدة، بحكومته الأولى التي شكلها في عام 2005، وكانت أول حكومة أعقبت اغتيال رئيس الوزراء الأسبق الشهيد رفيق الحريري، لجهة إدارتها الاستحقاق الانتخابي يومذاك، ونجحت بإدارة مرحلة ما بعد الخروج السوري من لبنان، لكن يصعب إسقاط واقع تلك الحكومة على التي ولدت أمس، فظروف الحكومة الجديدة مختلفة وصعبة جداً، إذ يعتبر المحلل السياسي أحمد الغز، أنها «حكومة المفاضلة ما بين السيئ والأسوأ، وهي تشبه إلى حد ما حكومة الـ1926، التي أتت بعد المجاعة التي ضربت لبنان».
ورغم وصفها بأنها أفضل الممكن، يرى الغز في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنها «تعيد الأمل إلى مبدأ الاحتفاظ بالشرعية، أياً كانت هذه الشرعية»، ويشير إلى أن «الأزمات التي يعيشها اللبنانيون اليوم ليست اقتصادية أو مالية، بل هي أزمة سياسية بنيوية أوصلت البلد إلى الانهيار، وجعلت الدولة تتداعى بكل مؤسساتها السياسية والقضائية والاقتصادية، فلم يبق منها إلا الدور المتواضع للجيش اللبناني»، ملاحظاً أن «الفراغ الذي استمر أشهراً طويلة بسبب التعطيل، كاد يدفع باتجاه حكم البلد بمجلس عسكري أو تدخل خارجي على أنقاض التشظي السياسي والإداري». ويشدد على أن الحكومة الجديدة «يجب أن تضخ الحياة في موقع رئاسة مجلس الوزراء، وتعيده مركزاً للقرار، بعد أن تحول السرايا الحكومي إلى مجرد عقار».
ولا مجال للمقارنة أيضاً بين الحكومة الحالية وحكومة الـ2011 التي شكلها ميقاتي غداة إطاحة «حزب الله» مع «التيار الوطني الحر» وحلفاء النظام السوري، بحكومة سعد الحريري في نهاية عام 2010. ويعود أحمد الغز بالذاكرة إلى تلك الحكومة، فيشير إلى أنها «أتت من خارج الأكثرية النيابية التي أنتجتها انتخابات 2009، وأعطت الأغلبية لقوى «14 آذار»، وكانت بمثابة استهداف للدور السعودي في لبنان والمنطقة، ومنذ ذلك الحين بدأت معالم الانهيار تتضح».
وتتقاطع نظرة المتابعين لخطورة الأزمة اللبنانية عند أهمية تأليف حكومة ولو بالحد الأدنى من المواصفات، تنهي الفراغ القائم، حتى تصبح هذه المؤسسة الدستورية قادرة على إدارة شؤون الناس ومخاطبة العالم، ولا ينفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف (مستشار سابق لميقاتي) في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الحكومة «لا تمتلك الوقت ولا القدرة على تحقيق نجاحات باهرة، فالبلد يتموضع في القعر المالي والاقتصادي والاجتماعي». ويعتقد أن «الصعود من الحفرة شاق وقاسٍ، خصوصاً على الفقراء ومتوسطي الدخل سابقاً»، لكنه يعتقد أن هذه الحكومة «قادرة على التخفيف من الأضرار التي تصيب البلد، ومعالجة بعض المشكلات الحياتية وصولاً إلى إجراء الانتخابات النيابية». ويذهب الشريف إلى وصفها بـ«حكومة تقطيع ظرف إقليمي متغير ومواكبة التبدلات الدولية مع الانسحاب الأميركي من المنطقة».
لا يراهن كثيرون في لبنان على إنجازات لهذه الحكومة، ويلفت الغز إلى أن «المنطقة بأسرها تعيش مرحلة إعادة تكوين المجتمعات، ولبنان اليوم مدعو لبناء مجتمع متماسك وواعٍ قادر على إعادة إنتاج سلطة جديدة عبر انتخابات حرة ونزيهة». ويسأل: «هل نكرس بقاءنا كشعب واحد في هذا الكيان اللبناني الصغير، أم نذهب إلى نزعة الخصوصية التي ينادي بها البعض؟».
ولا تختلف المقاربات بين النظرة إلى حكومة ميقاتي الجديدة، وحكومة اللون الواحد التي ترأسها في عام 2011، التي أطلق عليها اسم حكومة «القمصان السود»، التي فرضها «حزب الله» بقوة الأمر الواقع والانقلاب على الأكثرية النيابية والشعبية التي كانت تمثلها قوى «14 آذار»، ويذكر خلدون الشريف بأن «حكومة الـ2011، كانت مرتبطة بحماية محور من السقوط، أما الحكومة الحالية فتعبير عن ربح هذا المحور، أي ما يمثله (حزب الله) في المعادلة الداخلية والإقليمية».