كتبت أسرار شبارو في “النهار”:
في الوقت الذي يصعب فيه على اللبنانيين تأمين قوت يومهم، مع الارتفاع القياسيّ للأسعار، يطرح السؤال: ماذا يفعل السجناء خلف القضبان والذين يعانون الويلات، في أوقات “الرخاء” والدولار على سعر صرف الـ1500 ليرة. فكيف الآن، وأنّ معظم أهاليهم من الطبقة الفقيرة التي هوت في بئر الفقر المدقع؟ كما يُطرح السؤال: هل ما زالت إدارة السجن قادرة على تأمين الخدمات كما في السابق؟ في وقت سمع الجميع صرخات القوى الأمنيّة وعناصر الجيش، التي ارتفعت في الآونة الأخيرة بعد أن أصبحت رواتبهم بلا قيمة.
صرخة سجين
أحد سجناء “رومية” أكّد لـ”النهار” أنّ الوضع لم يعد يُحتمل، وقال: “اختنقنا، حتى كميّة الأكل لم تعد كالسابق، فقد انخفضت إلى الثلث، كما أنّ نوعيّة الطعام اختلفت، حيث اختفت اللحوم من الوجبات وتقلّصت كميّة الدجاج”. وأضاف: “أما عن أسعار دكّان السجن فقد تضاعفت، حيث إنّ ارتفاع سعر صرف الدولار انعكس تلقائيّاً عليه، بل إن الأسعار في غالبها مرتفعة أكثر مما هي عليه في الخارج، يترافق ذلك مع ضائقة اقتصاديّة تمرّ على الأهل، لأنّ مداخيلهم لا زالت كما كانت في الليرة اللبنانية”.
وعن الواقع الصحّي قال: “الوضع ساء جداً، أدوية المرضى أصبحت على حساب السجين الذي فُرض عليه كذلك دفع 15 في المئة من العمليّات الجراحيّة والفحوص وصور الأشعة”.
الوضع كارثي على مختلف الصعد
“قبل ثورة 17 تشرين كان وضع السجون صعباً، فكيف بعد الأزمات التي عصفت بلبنان؟”، بحسب ما قال المحامي محمد صبلوح، الذي يتابع وضع السجون والسجناء، شارحاً: “إدارة السجن لا تسمح للأهالي بإدخال الطعام إلى أبنائهم، بحجّة الحؤول دون إدخال الممنوعات. من هنا كان معظم السجناء يشترون ما يحتاجونه من دكّان السجن، الذي كانت أسعاره في الأيام العاديّة أغلى من الخارج، لكن بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، والغلاء الذي طال كلّ شيء، لم يعد أمام السجناء خيار إلّا الأكل من طعام السجن المقزّز. فعلى سبيل المثال، يتمّ وضع البرغل في الماء وتقديمه لهم”. وأضاف: “لم يعد باستطاعة إدارة السجن تأمين كميات كبيرة من الطعام، بسبب غلاء الأسعار وعدد السجناء الذين لم يعد أمامهم سوى ما يقدّم لهم. وقد حاول وزير الداخليّة محمد فهمي، أن يؤمّن طعاماً مدعوماً للسجون، لكن حتّى، الآن لم تُحلّ الأزمة، كذلك طالتهم أزمة الكهرباء لفترة، وما ترتّب عليها من فساد المأكولات في البرّادات، وكذلك انقطاع المياه”.
كما لفت صبلوح إلى أنّ “الأمر ليس أفضل حالاً في ما يتعلّق بالطبابة، نحاول قدر المستطاع جمع المال لمن يحتاج إلى عمليات جراحية، مع العلم أنّ تكاليف السجين على الدولة، كلّ ذلك يضاف إلى اكتظاظ السجون. فسجن رومية يتّسع لـ2500 شخص، وفيه حالياً نحو 3800 شخص”.
وأشار صبلوح إلى أنّ “الخلاف نشب بين سجناء سجن الرملة البيضاء والعسكر، بعدما أكل العسكر طعام السجناء، بحجّة أنّ كميّات الطعام التي وصلتهم قليلة، وقد ادّعيت على الشرطة العسكرية حينها، وبعدما سمح لي الجيش بدخول السجن، أطلعني السجناء على انّ لمبات الإضاءة غير صحيّة للنظر، مع العلم أنّنا كنقابة مستعدّون للمساعدة من أجل تأمين ما يحتاجه السجناء”.
وشدد صبلوح على أنّ “تراكم هذه الأزمة سيوصل السجون إلى ما لا تُحمد عقباه. فالسجناء جاعوا في وقت لا تتأمّن فيه أدنى حقوقهم، والحكومة لا تبالي ولا تولي القضيّة أيّ اهتمام”.
السجن مرآة المجتمع
جمعيات عدّة تحاول مدّ يد العون للسجناء، لكنّ الوضع يحتاج إلى خطّة دولة وميزانية كبرى، في وقت فرغت فيه الخزينة من المال والبلد كلّه هوى في الجحيم، من هذه الجمعيّات “عدل ورحمة “التي تأسّست منذ 25 سنة لحماية حقوق الإنسان، لاسيّما المهمّشين والمحرومين من الحريّات، أي السجناء وعائلاتهم والمرتهنين للمخدرات. رئيس الجمعية الأب نجيب بعقليني أكّد لـ”النهار” أنّ السجن مرآة المجتمع، وهو صورة مصغّرة عنه والعكس، وكما أنّ الوضع في لبنان وصل الى الانهيار، كذلك حال السجون، وكما نرى خارج السجن الفساد والزعامات والمحسوبيات كذلك خلف القضبان”. وشرح: “قبل كورونا وبداية الانهيار كانت أوضاع السجون مزرية، فكيف الآن، الناس في الخارج لا يمكنهم شراء حاجياتهم، فكيف سيتمكّن من ذلك السجناء؟ انخفضت كميّة الطعام، حُرم السجناء من الدجاج واللحوم. أمّا الأمور الصحيّة فهناك متابعة من قبل إدارة السجن ومنظّمة الصحّة العالميّة لاسيّما في ما يتعلّق بكورونا”.
قنبلة موقوتة
“الوضع في البلد مزرٍ على جميع الأصعدة، نحن نعيش عصر الذلّ، تفشّت السرقات، الفساد، التعذيب والشرّ. لهذا كلّه يرتفع عدد الجرائم، ما يعني زيادة الاكتظاظ في السجون”. قال بعقليني، مضيفاً “قبل جائحة كورونا والأزمات التي أوصلت البلد إلى الانهيار، كانت الجمعية تدخل إلى أغلب السجون اللبنانية، لكنّ اليوم، عملنا محصور في بعض السجون والنظارات وقصور العدل. ومع هذا وضعنا فاعل بين الجمعيات الأهلية والمهنية التي تعنى بأوضاع الناس، الذين يعانون من ظروف صعبة، لدينا مراكز في رومية والرابية وأنطلياس وبيت إيواء، لاستقبال السجناء الذين تابعنا تأهيلهم في السجن ممن ليس لديهم من يستقبلهم”.
الوضع كما قال بعقليني يحتاج إلى “تضافر الجهود، السجن قنبلة موقوتة، من هنا ندعو دائماً إلى تسريع المحاكمات لتخفيف الاكتظاظ، فلا نريد بناء سجون جديدة، بل إغلاقها وبناء مدارس، مع التشديد على أنّنا مع أن يكون هناك عقاب، لكن مترافق مع الرحمة والعدل والتأهيل”.