جاء في “المركزية”:
حينما قررت الجمهورية الاسلامية الايرانية ان ورقة حكومة لبنان استنفدت وظيفتها بعدما كان لها ما ارادت في اكثر من ملف ونالت اقصى ما يمكن ان تحصّل من الغرب، اوعزت في توقيت هو الاكثر ملاءمة لمصالحها، الى “فرعها اللبناني” الممتلك مفتاح القفل الحكومي بتحريكه والافراج عن حكومة لبنان المخطوفة منذ ثلاثة عشر شهرا، بمعزل عن كل التكتيكات الللبنانية الصغيرة والتفاصيل التي تركت الللبنانيين يتلهون بها على انها عقبات وعقد كأداء تمنع التشكيل على مدى عام كامل لم يبقَ فيه من “يُخبر” او يرفع الصوت اعتراضا ما دام رافعو الصوت اما هاجروا او يعدون اوراق الهجرة او يصطفون في طوابير البنزين او يبحثون عن دواء مفقود او مازوت نادر، حتى ان بعض هؤلاء انفسهم باتوا يطالبون برفع الدعم وتوفير هذه المواد والتسليم بالأمر الواقع “عالسكت” ولو بلغ سعر صفيحة البنزين ثلاثمئة الف ليرة وفق المتوقع خلال بحر الاسبوع الجاري.
في المقلب الخارجي، تقول اوساط دبلوماسية مطلعة لـ”المركزية” ان اتصال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والايراني ابراهيم رئيسي اطلقا اشارة الضوء الاخضر الحكومي في لبنان بعدما فعلت لقاءات مؤتمر دول الجوار العراقي فعلها، فلعبت فرنسا دور الوسيط بين واشنطن وطهران في الملف النووي قبل استئناف اجتماعات فيينا التي لم تعلن ايران حتى الساعة عن موعد استئنافها، ما حمل الجانب الاميركي في الاتصالات التي اجراها مع الشركاء في الاتفاق على اقتراح نقل الملف الى الامم المتحدة لمناقشته تحت رعاية اممية وهو ما تخشاه وتعارضه ايران، وتتجنبه فرنسا التي تتطلع الى تعزيز علاقاتها مع الجانب الايراني لابرام اتفاقات تجارية معه بمبالغ ضخمة وبمليارات الدولارات عبر شركات فرنسية ابرزها ايرباص وتوتال ، بحسب الاوساط. وضعية استثمرتها في آن باريس وطهران وكانت اولى ثمارها اطلاق سراح حكومة لبنان بطلب فرنسي رئاسي.
وفي انتظار ما سيقوله مساء الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي اختار افضل توقيت لاطلالة سيعلن فيها “نصر المازوت الايراني على الحصار الاميركي” والمباركة بالحكومة، توضح الاوساط ان شرط فرنسا الاول على ايران كان رفع الفيتو عن تشكيل الحكومة في لبنان من خلال حزب الله القادر بكلمة منه على الضغط على كل من يعتقد ان شروطه تعرقل التأليف، ان يسير بالقرار الايراني، وقد اكد ماكرون للايرانيين ان تهرّب طهران من مسؤولية عرقلة التشكيل لم تعد ذريعة مقنعة بعدما تيقّن جميع من في الداخل والخارج انها المسؤولة الاساس عن اقفال ابواب مجلس الوزراء. وبنتيجة تقاطع المصالح الخاصة والعامة بين الجانبين، كان لماكرون ما اراد، فأوعز “الباب العالي” الايراني الى الحزب باتخاذ اللازم من اجراءات في الداخل وكان التشكيل، بعدما سلّمت اطراف الداخل المعنية وازعن المشترطون لرغبات من لهم الكلمة الفصل، فتنازلوا وارتضوا بما “كُتب لهم”، ليرتاحوا من الهم الحكومي وينصرفوا الى الاستحقاق الاهم في 8 ايار 2022.
بمعزل عما يمكن للحكومة الميقاتية الثالثة المقّيدة والمحاصرة برغبات الاطراف السياسية المشاركة فيها،ان تنجز او على الاقل تفرمل الارتطام المدوي، وبعيدا من رضى دولي ولا اكتراث خليجي بما يجري على حلبة “شقيق الامس الاصغر”، تعرب الاوساط عن اعتقادها بأن وجود حكومة دستورية في بيروت في ظل الفوضى العارمة التي تتهدد البلاد ليس اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا فحسب بل امنيا ايضا، يبقى افضل من غيابها، فالبلاد باتت مكشوفة الى درجة حملت حتى اعداء المحور الممانع واصحاب وجهة النظر القائلة بأنها حكومة طهران ونسخة منقحة عن حكومة الرئيس حسّان دياب على ” الرضوخ للامر الواقع”، فقط لالتقاط الانفاس
والخروج من دوامة الموت البطيء الى حين اعادة انتاج سلطة تنبثق من رغبات الشعب التي سيعبر عنها في صناديق الاقتراع بعد ثمانية اشهر، لان البلاد ما كانت لتستمر حتى ذاك الموعد لو بقيت من دون حكومة.