Site icon IMLebanon

حكومة “القبّعتيْن” أمام “اختبار نيات” مزدوج

 

يبدأ اليوم مسار «اختبار النيات» بين مكوّنات حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تخضع في الوقت نفسه لـ «امتحانٍ» خارجي حيال مدى قدرتها ورغبتها في التزام دفتر شروط صارم من الإصلاحات المالية والاقتصادية التي تشكّل مدخلاً لدعمٍ دولي «منصةُ انطلاقه» بلوغُ اتفاق مع الـ IMF يمنح «بلاد الأرز» ما يشبه «جواز الثقة».

وكما أن الحكومةَ وُلدت بـ «قبّعتيْن»، إصلاحية لا مفرّ منها لمحاولة «إدارة الانهيار» والتأسيس لمرحلة الإنقاذ، وسياسية لتعبيد الطريق أمام الانتخابات النيابية التي يصرّ المجتمع الدولي على أن تُجرى في مواعيدها (مايو 2022 توطئة للانتخابات الرئاسية خريف العام نفسه)، فإن هاتين المهمّتيْن الشائكتيْن تتداخل في كل منهما عناصرُ متعدّدة البُعد تطرح علامات استفهام حول واقعية الرهان على إنجازهما في فترةٍ لن تتجاوز نظرياً 7 أشهر تبدأ رسمياً بعد أن تنال تشكيلةُ الـ 24 وزيراً ثقةَ البرلمان.

 

وإذ تنطلق اليوم عملية وضْع البيان الوزاري بعد الجلسة الأولى التي تعقدها الحكومة (يسبقها التقاط الصورة التذكارية) والتي سيتم خلالها تشكيل لجنة صوغه على أن يطغى عليه العنوان المالي – الاقتصادي – الاجتماعي وأهمية السعي لاستعادة الدفء في العلاقة بين لبنان والعالم العربي، فإن الشكوك لم تهدأ حيال إمكان «تنقية» الأجواء المسمومة التي طغت على أشهر التأليف المديدة وتَصَوُّر أن الطبقة السياسية التي عادت في غالبيتها (ما عدا «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب) لتتقاسم مجلس الوزراء وإن بوجوه «اختصاصيين» بمرجعيات حزبية، سـ «ترمي السلاح» الذي شهرتْه منذ اغسطس 2020 وخاض معه كل فريق «حربه الصغيرة»، ذات الصلة بالاستحقاق النيابي أو الانتخابات الرئاسية أو «التفوق الاستراتيجي» لمحور «الممانعة» في محاولةٍ متقابلة إما لتكريسه وإما التخفيف من وهجه.

وعلى وقع اتساع دائرة مَن باتوا يعتبرون أن حجمَ الانهيار وتشظياته الشاملة وتأخُّر التصدي له صار أكبر من أن يعالجه برنامج مع صندوق النقد الدولي وأصبح يتطلب خطة مارشال لبنانية للإنقاذ لا يتوافر بأي حال «النصاب» السياسي الخليجي – الدولي لها في ظلّ الأضرار الكبيرة التي لحقت بصورة «بلاد الأرز» تجاه الخارج في ضوء انجرافها في تموْضعها حيال صراعات المنطقة، فإنّ الأنظارَ تشخص في ما خص الـ «ميني إنقاذ» الممكن على كيفية توفير «ممر آمِن» له داخلياً يقيه «شرور» ذهنية تصفية الحسابات بين القوى السياسية التي عادت الى «المساكنة» على طاولة مجلس الوزراء كما «الحُفَر» المبكّرة التي صار يشكّلها معطى سفن المحروقات الإيرانية لـ «حزب الله» بتداعياته الخارجية ولو «الباردة».

وإذ ستتكشّف تباعاً مع تدشين الحكومة عملها «الأوراقُ المستورة» التي أفضت إلى كسْر القضبان التي أسرتْها لـ 13 شهراً وإذا كانت هناك تفاهمات ولو بالحد الأدنى على عناوين خلافية طبعت فترة التأليف مع الرئيس سعد الحريري قبل ميقاتي، وبينها مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والتدقيق الجنائي ومنطلقاته ومرتكزات التعافي المنشود والخطة التي سيتم التفاوض على أساسها مع صندوق النقد الدولي والإصلاحات حدوداً وآليات ولا سيما في قطاع الكهرباء، فإن بعض الإشارات التي سبقت جلسة الحكومة الميقاتية اليوم عَكَستْ بوضوح أن منحى «تسجيل النقاط» والاعتبارات العابرة لأولوية فرْملة السقوط الحر مازالا يتحكّمان بالواقع السياسي مع ما لذلك من تأثيراتٍ بالغة السلبية على عمل الحكومة التي يُفترض أن تكون متخففة بالقدر الأعلى من أثقال صراع «الرؤوس الحامية».

وإذا كان «تعليق» التيار الوطني الحر«(حزب الرئيس ميشال عون) منْح الثقة للحكومة على مضمون بيانها الوزاري بخلاف ما كان أعلنه ميقاتي عن تعهُّد مسبق بذلك اعتُبر أقوى إشارة بهذا المعنى، فإن تطوراً بالغ الأهمية سيدخل على المشهد اللبناني«رسمياً» في الساعات القليلة المقبلة ولن يكون ممكناً«عزْل»ارتداداته السياسية عن«تقليعةٍ» حكومة ترفع شعار فكّ عزلة لبنان العربية خصوصاً.

ولن يكون عابراً ما سيعلنه الأمين العام لـ«حزب الله»السيد حسن نصر الله في إطلالته مساء اليوم عن موعد بدء دخول الصهاريج المحملة بالمحروقات الإيرانية (مازوت كأول دفعة) براً عبر سورية (بعد إفراغ سفينة في مرفأ طرطوس)، مع ما يعنيه ذلك من تدشين دخول طهران ومعها الحزب كـ«شريك مُضارِب»في هذا القطاع مستفيداً من عدم إخضاع الكميات التي ستواظب إيران على إرسالها للأنظمة اللبنانية (جمركياً وضرائبياً) وذلك على مرأى من الخارج ولا سيما واشنطن التي سـ«تشيح النظر»عن هذا التطور الذي لن يمرّ عبر أي قنوات رسمية لبنانية.

وثمة من يعتبر أن أول قافلة صهاريج سيجري استقبالها «باحتفالية الانتصار على الحصار»في البقاع، تشكّل عملياً ما يشبه«الفرقة السبّاقة»التي سيجري من خلالها رصْد واستكشاف هل من نقاط جغرافية ستكون بمثابة«خاصرة رخوة»وتحديداً في مناطق«غير صديقة» لـ«حزب الله»، وتالياً تحصل فيها ردات فعل تجاه الصهاريج «ليُبنى على الشيء مقتضاه».

وستأتي هذه الحلقة من الدعم الإيراني لـ«حزب الله»بالمحروقات التي ستُباع بأسعار«تنافُسية» مع المنتجات التي توفّرها الشركات المستوردة في لبنان، على وقع تقارير عن إقفال شبه تام لمحطات المحروقات اليوم ما لم تكن حملت الساعات الأخيرة مخرجاً لتوفير البنزين خصوصاً بعدما خرجت الأمور عن السيطرة على غالبية المحطات في ضوء الإشكالات الخطيرة المتنقلة، وفي ظل مطالباتٍ بأن يسري رفْع الدعم الكامل عن المحروقات ابتداء من الأربعاء بمعزل عن عدم وضوح الرؤية حيال هل يكون ذلك على قاعدة تحرير السعر فقط ويبقى فتْح الاعتمادات بيد مصرف لبنان مع ما قد يعنيه ذلك من استمرار تقنين الاستيراد، أم يكون التحرير للاستيراد وهو ما يحكمه غموض بإزاء تداعيات ذلك على سعر صرف العملة الخضراء في السوق الموازية وهل تتوافر فيها أصلاً الكميات المطلوبة من الدولارات.

وفي حين يطلّ الأسبوع أيضاً على بدء الاستفادة من الاتفاق مع العراق على استبدال شحنات من النفط الخام بفيول لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان بما سيساهم بزيادة ساعات التغذية بالتيار بما بين 4 و5 ساعات يومياً، كما أعلن وزير الطاقة السابق ريمون غجر، نغّص هذه «البشرى» تهديد الشركة المشغلة لمعملَيْ دير عمار والزهراني بأن يصبح الأخيران خارج الخدمة ابتداء من اليوم متهمة «كهرباء لبنان» بأنّها لم تنفّذ التزاماتها تجاه عقد التشغيل والصيانة الموقّع معها، علماً أن المعملين يؤمنان نحو 60 في المئة من الطاقة الكهربائيّة الشحيحة.

وفي موازاة ذلك، رحّب الاتحاد الأوروبي بإعلان عون وميقاتي توقيعهما مرسوم تشكيل الحكومة في لبنان، معتبراً أنّ«من الملحّ تنفيذ الإجراءات والإصلاحات الضرورية لمعالجة مختلف الأزمات التي تؤثر على لبنان، بما في ذلك إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي».

وأشار الاتحاد الأوروبي إلى«تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل ملحوظ خلال الأشهر والأسابيع الماضية، إضافة إلى الصعوبات الكبيرة الحالية التي واجهها الشعب اللبناني بسبب النقص الحاد في الطاقة الكهربائية والوقود».

واعتبرت بروكسيل أنّ الإصلاحات هي«ما يتعيّن على الحكومة الجديدة التركيز عليه، بدعم فعّال من مجلس النواب ومؤسسات الدولة الأخرى».

وأضافت:«يتعيّن على الأطراف المعنية جميعها التحلّي بالحزم عينه والقدرة على التسوية، لاعتماد الإجراءات الضرورية بلا تأخير بما يضمن تلبية الاحتياجات الفورية والتوقعات المشروعة المستقبلية للشعب اللبناني».

من جهة ثانية، شدّد الاتحاد الأوروبي على وجوب «بدء التحضيرات للانتخابات البلدية والنيابية والرئاسية في السنة المقبلة بجدية مع ضمان أن تكون حرة وعادلة وشفافة»، مرحباً بإعلان ميقاتي وجوب إجراء الانتخابات في موعدها، ومجدداً «وقوفه إلى جانب الشعب اللبناني في جهوده لتجاوز التحديات التي يواجهها بلدهم في الوقت الراهن».