Site icon IMLebanon

هل تغيرت السياسة الأميركية تجاه سوريا؟

كتب مسعود معلوف في “الجمهورية”:

الولايات المتحدة ليس لها استراتيجية واضحة لسياستها تجاه سوريا، بل إنّ مواقفها من هذه الدولة العربية تدخل في إطار تعاطيها بصورة عامة مع الشرق الأوسط الذي تمثّل فيه إسرائيل أولوية أميركية. هذا الواقع ليس بجديد في السياسة الخارجية الأميركية، لكنّ المواقف من سوريا تتغير بتغيّر الظروف في المنطقة.

أيام الرئيس جورج بوش الإبن، تَبنّت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ما يعرف بنظرية «الفوضى الخلاقة» لتفتيت الشرق الأوسط لمصلحة اسرائيل. وفي عهد الرئيس باراك أوباما كان الموقف المعلن على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن الرئيس بشار الأسد انتهى وعليه الرحيل. أما الرئيس دونالد ترامب فقد أعلن في مطلع عام 2019 قراره الإنسحاب العسكري من سوريا في إحدى تغريداته الصباحية المفاجئة، ولكن «الدولة العميقة» في الولايات المتحدة لم توافق على هذا القرار الذي أدى الى استقالة وزير الدفاع آنذاك جايمس ماتيس، وبقي زهاء 900 جندي أميركي في سوريا.

الرئيس جو بايدن لم يحدد بعد سياسة واضحة تجاه سوريا، بل أبقى على سياسة سلفه ترامب باستثناء تصريح غير واضح من وزير خارجيته أنطوني بلينكن حول الجولان، الذي كانت إدارة ترامب قد اعتبرته من ضمن الأراضي الإسرائيلية، حيث صرّح بلينكن بما معناه أنّ الجولان مهم جدا لأمن إسرائيل من دون الإعتراف بأنه جزء من أراضيها. ولكن إدارة بايدن سرعان ما حسمت الجدل الناتج عن هذا التصريح الغامض بالقول إنّ الولايات المتحدة لم تسحب اعتراف ترامب بملكية اسرائيل للجولان، كما أنّ بايدن أبقى على القوة العسكرية الأميركية المتواجدة في شرق سوريا وجَدّد تحالف بلاده مع قوات سوريا الديمقراطية التي يغلب عليها الطابع الكردي.

صحيح أنّ الإدارة الأميركية الحالية لم تتخذ أية مواقف علنية تجاه سوريا، إلا أن هنالك مؤشرات توحي بما قد يتغير مستقبلاً في السياسة الأميركية في هذا المجال، كما أنّ هنالك عوامل وظروفاً تحول دون حصول تغيير جذري في السياسة الأميركية تجاه هذه الدولة.

أولا: لماذا يصعب على الولايات المتحدة تغيير سياستها والإنسحاب من سوريا؟

هنالك عاملان أساسيان يجعلان الولايات المتحدة تُبقي على وجودها العسكري في سوريا:

1 – الإنسحاب الأميركي من أفغانستان وما رافقه من تخبط وفوضى مع ما أدّيا اليه من زعزعة لصورة الولايات المتحدة في العالم، والتفجير الذي حصل في محيط مطار كابول أثناء الإنسحاب، وكذلك الهبوط الملموس في نسبة التأييد للرئيس بايدن قبَيل بدء حملة الإنتخابات التشريعية التي ستجري السنة القادمة، حيث أن خسارة الأكثرية الضئيلة جداً التي يملكها حزب بايدن الديمقراطي في مجلس الشيوخ ستعطّل إمكانية الرئيس بتحقيق برنامجه في إعادة تأهيل البنى التحتية وفي التغييرات التي ينوي إدخالها عبر الكونغرس على النظام الضريبي وأمور أخرى، كل هذه العوامل لن تسمح للرئيس بايدن في اتخاذ قرار بالإنسحاب العسكري قريباً من سوريا.

2 – من جهة ثانية، تخشى الولايات المتحدة من أنّ أي فراغ يمكن أن يتركه انسحابها من سوريا سيملؤه إمّا عدوها في المنطقة إيران، أو خصمها الكبير روسيا، ما قد يؤثر في مصالحها في المنطقة وخارجها، ويزيد القناعة بعدم الثقة بها وباستحالة الإعتماد عليها كحليف بعد تخلّيها عن حلفائها في أفغانستان، وفي حال تخليها لاحقاً عن حلفائها الأكراد في سوريا.

لهذه الأسباب يرى المراقبون صعوبة كبرى في أن يحصل تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا في المستقبل القريب.

ولكن إذا كانت الولايات المتحدة لا تنوي او لا تستطيع تغيير سياستها تجاه سوريا بصورة جذرية، فإنّ هنالك بعض المؤشرات التي توحي بأنّ تغييرات طفيفة قد بدأت تظهر في هذا المجال، قد تفتح الطريق أمام تحولات أكبر، وهي قد تأتي تباعاً وبصورة تدريجية.

ثانياً: مؤشرات توحي ببعض التغيير التدريجي تجاه سوريا:

1- إن قانون قيصر الذي أصدره الكونغرس الأميركي في أواخر عام 2019 يحظّر على الدول والمؤسسات والأفراد تقديم أي دعم للنظام السوري، او الإستثمار في سوريا، أو المساهمة في مشاريع إعادة الإعمار، تحت طائلة التعرض للعقوبات الأميركية. ولكن الموافقة الأميركية على مشروع تزويد لبنان بالغاز الطبيعي من مصر مروراً بالإردن وسوريا، وكذلك تزويد لبنان بالكهرباء من الأردن عبر سوريا، تشكل استثناء واضحاً لقانون قيصر، وفي ذلك مؤشر إيجابي على وجود بعض المرونة لدى إدارة الرئيس بايدن في تطبيق هذا القانون.

2- إن زيارة الوفد الوزاري اللبناني الرسمي المؤلف من وزيرة الخارجية والدفاع، ووزير المالية ووزير الطاقة الى دمشق منذ أيام قليلة، للبحث في موضوع استجرار الغاز الطبيعي المصري والكهرباء من الأردن عبر سوريا الى لبنان، لم تُحدِث أية ردة فعل سلبية من قبل الولايات المتحدة، علما أن هذه الزيارة تشكل خرقا فاضحا لقانون قيصر، وفي ذلك ما يدلّ أيضاً على بعض الليونة لدى الإدارة الأميركية الحالية في تعاطيها مع سوريا.

3- الملفت أيضاً في هذه المسألة أن الولايات المتحدة هي التي أخذت المبادرة في موضوع استجرار الغاز الطبيعي المصري الى لبنان عبر سوريا، أي أنّ الإستثناء من قانون قيصر لم يأت كموافقة أميركية نتيجة لطلب من لبنان، بل كان مبادرة أميركية تمّت عبر اتصال سفيرة الولايات المتحدة في لبنان برئيس الجمهورية لإبلاغه هذا القرار الآيل الى مساعدة الشعب اللبناني للتخفيف من أزمة الوقود. ولا يشك أحد بأنّ الغاية من هذه المبادرة الأميركية ليست مجرد مساعدة الشعب اللبناني، بل على الأرجح وقف قدوم النفط الإيراني الى لبنان، إذ في حال بدأ هذ النفظ يدخل لبنان في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، فإنّ الولايات المتحدة ستضطر الى فرض عقوبات على لبنان أيضاً، ما يعرّضها لانتقادات دولية نظراً لِما يواجهه لبنان من صعوبات، إذ ستظهر الدولة العظمى كأنها تزيد من المشاكل والمصائب التي يتعرض لها هذا الوطن الصغير بدل تقديم المساعدة له، ويعزز الإعتقاد الذي يعلنه «حزب الله» باستمرار أن الولايات المتحدة هي التي تسعى الى تضييق الخناق على لبنان عبر حرمانه من وصول الوقود الذي هو بأمسّ الحاجة إليه، وستُجاهِر إيران بأنها تمكنت من خرق الحصار الأميركي المفروض عليها.

4- مؤشر آخر يدل على بعض الليونة الأميركية تجاه سوريا هو الترحيب الأميركي باتفاق الزعماء اللبنانيين على تشكيل الحكومة الجديدة، على رغم وجود أعضاء في هذه الحكومة معروفون بانتمائهم الى «حزب الله» الداعم لسوريا والمُصنف منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. كما أن الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس حَثّ المجلس النيابي اللبناني على الإسراع بمنح الحكومة الثقة، مضيفاً: «نحن مستعدون لدعم هذه الحكومة في العمل الشاق الذي ينتظرها».

5- قامت في الآونة الأخيرة بعض الدول الخليجية بإجراء اتصالات بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع النظام السوري، ربما في خطوات تمهيدية للتطبيع معه، ولم يظهر من إدارة الرئيس جو بايدن اي اعتراض على ذلك، علماً أنّ هذه الدول الخليجية معروفة بتحالفها القوي مع الولايات المتحدة، ويصعب الاقتناع بأنها تقوم بمِثل هذه الخطوات إن لم يكن هنالك موافقة أميركية مسبقة، ولو ضمنية على هذا التحرك.

في ظل ما تقدّم، يبدو أنّ هنالك تطورات بالنسبةا لى ما يعود الى العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، يمكن أن تؤدي في المستقبل وبصورة تدريجية الى التخفيف من الإجراءات والمواقف الأميركية المعادية، وربما ستقابِل سوريا ذلك بخطوات إيجابية قد تصل في نهاية المطاف الى علاقات أميركية -سورية شبه طبيعية، علماً أنّ ذلك دونه عقبات كثيرة، أهمها ما سيَستجِد في مفاوضات فيينا بالنسبة الى الإتفاقية النووية مع إيران، إذ في ضوء نتيجة هذه المفاوضات ستتحدّد علاقة الولايات المتحدة مع إيران، وبالتالي مع مختلف دول الشرق الأوسط بما فيها سوريا طبعاً، كما ينبغي عدم تجاهل المواقف الإسرائيلية التي ستسعى من دون أدنى شك الى عرقلة أي تقارب أميركي-سوري، على غرار ما تقوم به إسرائيل من مَساع حثيثة وما تمارسه من ضغوط مستمرة، سواء عبر الإدارة الأميركية أو عبر الكونغرس، للحؤول دون عودة الولايات المتحدة الى الإتفاقية النووية التي انسحب منها ترامب في أيار 2018.

وفي الختام، لا بد من التذكير أنّ سوريا في الوقت الحاضر ليست من أولويات السياسة الخارجية الأميركية، لكنّ الرئيس بايدن بحاجة قوية الى تسجيل نجاح ما لتحسين صورته وصورة بلاده، خاصة بعد التخبط الذي تعرضت له الولايات المتحدة في عملية انسحابها من أفغانستان، وهو سيسعى الى تحقيق خروقات ما في سياسة بلاده الخارجية عبر تحسين العلاقات مع عدد من الدول، وقد تشكل سوريا المجال الممكن لمثل هذا النجاح، إذ إن إيران، في ظل الإدارة الجديدة المتشددة التي تسلّمت الحكم في مطلع شهر آب المنصرم، قد يصعب تحسين العلاقات معها في المستقبل القريب، ومن مظاهر هذه الصعوبات عدم إرسال وفد إيراني الى فيينا حتى الآن لمتابعة المفاوضات حول الملف النووي التي توقفت بعد 6 جولات من التفاوض أيام رئاسة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني.