Site icon IMLebanon

حكومة الموناليزا: كلٌ يرى أنها تبتسم له!

كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:

ما ان تشكّلت الحكومة الجديدة، حتى بدأت محاكمتها استناداً الى تركيبتها وأسماء وزرائها. أمّا «الأحكام» فتفاوتت بين إدانتها بالفشل المسبق من جهة خصومها السياسيين، وبين الاستعداد لإعطائها فرصة من جهة الباحثين عن خيط أمل مهما كان رفيعاً.

إنها أقرب ما تكون الى حكومة الموناليزا، إذ ان كل طرف من مكوناتها يشعر بأنها تبتسم له، عندما ينظر اليها من زاوية حساباته.

ومن الواضح أنه تمّت حياكة خيوط توازنات التركيبة الوزارية بنحوٍ يمنح كل فريق شارك في هندستها شعوراً بالرضى، وإن بنسَب متفاوتة.

لكنّ ذلك لا ينفي انّ الحكومة تبدو بالنسبة إلى البعض عادية مقارنة مع فترة الانتظار الطويل لولادتها وضخامة المهمات الملقاة على عاتقها. ويستنتج اصحاب هذا الانطباع بأنها لا تختلف كثيرا عن نسيج حكومة حسان دياب سوى بوجود غطاء سنّي لها عبر الرئيس نجيب ميقاتي، المدعوم من دار الفتوى ونادي رؤساء الحكومات السابقين.

في المقابل، هناك رأي آخر يعتبر ان البيئة الاستراتيجية للحكومة، داخليا وخارجيا، هي اكثر ملاءمة مما كانت عليه في حقبة دياب، إضافة إلى ان سلوكها وقدرتها على صنع الفارق هما اللذان سيحددان ما اذا كانت عادية ام أعلى رتبة، مع الاشارة الى ان الوقت القصير الممنوح لها غير كاف لتحقيق إنجازات خارقة. وبالتالي، لا يجوز من جهة تحميلها اكثر مما تتحمل والمبالغة في رفع سقف التوقعات، ولا يصح من جهة أخرى تقزيم الدور الذي يمكن ان تؤديه في تخفيف الالم واستسهال مَنحها أسباباً تخفيفة.

ومع ان الولادة الحكومية بعد احتباس حصلت بفِعل تقاطع داخلي – خارجي تتفاوت القراءات حوله، ومع ان القوى السياسية هي التي اختارت الوزراء، الا انّ ميقاتي يفضّل ان يتصرّف على اساس انه يترأس حكومة تكنوقراط «دايت»، خفيفة الدسم السياسي، وانّ حصته لا تنحصر في الوزراء السنّة، بل تضم كل الاعضاء ربطاً بموقعه الدستوري وصلاحياته.

بطبيعة الحال، يتمنى ميقاتي ان يكون مجلس الوزراء كناية عن فريق عمل متجانس ومتناغم بعيداً من الاصطفافات والمتاريس التي سادت في كثير من الحكومات السابقة، مُفترضاً انّ تحديات الانهيار الكبير ستفرض على المكونات الداخلية تعاملاً مختلفاً يُحاذِر اعتماد سياسة التعطيل والمناكفات التي كانت دارجة في المرحلة السابقة.

من حيث المبدأ يصح القول انه لم يعد هناك من مكان لترف النكايات والمهاترات فوق أنقاض البلد المنهَك، لكنّ ذلك لا يمنع انّ تَماسك الحكومة سيكون تحت الاختبار، وبالذخيرة الحية، حين يبدأ الجد في مواجهة الاستحقاقات المقبلة، خصوصاً عندما ينطلق التفاوض مجدداً مع صندوق النقد الدولي الذي تتباين الآراء الداخلية حيال الطريقة الأنسب للتعاطي مع طلباته في مقابل المساعدات المرتقبة.

يدرك ميقاتي ان التحدي الذي تَطوّع لمُقارعته صعب جدا، وانّ مهمته الفدائية لا تتحمل القسمة على اثنين، فإمّا ان ينجح في لجم الانهيار واما ان يدفع ثمنه غالياً، خصوصاً انه يخوض مغامرة «العزم والأمل» على مسافة أشهر من الانتخابات النيابية.

ويفترض ميقاتي انّ اللقاح الأهم الذي يُمكّنه تحصين مناعة حكومته يكمن في تحييدها عن التجاذبات والاشكاليات السياسية حتى تتفرغ لمعالجة الهموم الاقتصادية والمعيشية، التي باتت تشكّل قاسما مشتركا بين اللبنانيين، على اختلاف انتماءاتهم.

وبهذا المعنى، فإن الحكومة ستتحول بحكم الأمر الواقع «هيئة عليا للإغاثة»، بالإذن من اللواء محمد خير، وسيكفيها فخراً ان تنجح في تثبيت سعر الصرف عند سقف مقبول، وتأمين المحروقات والدواء، وزيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، ومكافحة احتكار المواد الحيوية، بعدما انخفض منسوب الطموح لدى اللبنانيين المقهوربن الى مستوى البديهيات.

وبينما تخضع شيفرة تشكيل الحكومة الى كثير من التحليل والتمحيص في محاولةٍ لفك رموزها، يعتبر قيادي في حزب اساسي ضمن ما كان يُعرف بـ 8 آذار انّ مسار البواخر الإيرانية دفعَ في اتجاه إنضاج القرار الأميركي بإعطاء الضوء الأخضر لعبور الحكومة الى بر الأمان، بالتنسيق مع الفرنسيين الذين كان لهم دور تنفيذي مباشر في إتمام ولادتها.

ويعتبر القيادي إيّاه انّ وهج البواخر أفضى الى مرونة مستجدة لدى الاميركيين سياسيا واقتصاديا لتفادي تَسرّب البلد برمّته الى قبضة الشرق عبر بوابة إيران و»حزب الله»، «إذ اكتشفت واشنطن ان لبنان، وبعدما كان جزءاً منه على الاقل يقع تحت نفوذها، قد يصبح كله عند خصومها اذا استمرت في المواجهة بالوتيرة القصوى، خصوصاً انّ هؤلاء نجحوا في تحويل التهديد فرصة عبر طلائع النفط الإيراني الذي وجد قبولاً حتى عند شرائح شعبية غير مؤيّدة تقليدياً لمحور المقاومة، تحت وطأة تفاقم أزمة الشح في البنزين والمازوت.

وضمن هذا السياق أيضاً، يلفت القيادي البارز الى ان مفاعيل سفن المحروقات الإيرانية اعطت قوة دفع للمسعى الفرنسي الذي كان متعثرا منذ وقت طويل، وسمحت بنجاحه بعدما حصل على دعم أميركي قوي تحت تأثير الحسابات المستجدة.

وبينما لم يصدر بعد اي موقف رسمي سعودي حيال الحكومة الجديدة، لا يستبعد القيادي ان يكون تشكيلها قد تم بموافقة الرياض الضمنية، او اقله بعدم ممانعة، لافتاً الى ان زيارة السفير السعودي في بيروت وليد البخاري لرئيس مجلس النواب نبيه بري عشية الإعلان عن الحكومة، وذلك بعد مقاطعة امتدت لأشهر، إنما تنطوي على دلالات سياسية، وهي أعطت إشارة الى ليونة ما ربما طرأت على الموقف السعودي.