إن ننس لن ننسى جريمة تفجير مرفأ بيروت. لا ولادة حكومة جديدة بعد مخاض عسير ولا ترقب برنامجها في البيان الوزاري المتوقع في غضون 3 أيام كما صرح وزير الإعلام جورج قرداحي، ولا الوعود التي بشّر بها رئيس الحكومة اللبنانيين المصلوبين في طوابير ما تبقى من محطات لتأمين المحروقات والدواء… فهذه الأولويات الحياتية على رغم أهميتها لا توازي إحقاق الحق وكشف حقيقة من خزن نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت ومن أخفى حقيقة وجودها بطريقة غير علمية وقانونية. والأهم من فجر مرفأ بيروت وتسبب في مقتل 216 ضحية ذنبهم أنهم كانوا موجودين في اللحظة والمكان الخطأ. ومهما حاول “المعنيون” بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تدوير زوايا الحقيقة والتمادي في الفذلكات القانونية في مسألة رفع الحصانات تبقى جريمة 4 آب الميزان الذي عليه ستبنى الثقة من جديد بالسلطة السياسية والقضائية. وما بعد نيل الحكومة الثقة لن يكون كما قبلها أقله في مسألة استدعاء النواب للإستماع إلى إفاداتهم.
مع استقالة الحكومة دخل المجلس النيابي في دورة استثنائية وبالتالي يمكن للمحقق العدلي استدعاء النواب للاستماع الى افاداتهم وإسقاط حجة الحصانة لأن الجرم الحاصل الذي دعا المحقق العدلي نواب ووزراء ومسؤولين للاستماع الى افاداتهم بعد الادعاء على بعضهم غير محدد بالتقصير او الاهمال الوظيفي مما يسقط موجب إحالتهم الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وزير العدل الأسبق البروفسور ابراهيم نجار أسقط كل الإعتبارات القانونية وانطلق في حديث لـ”المركزية” من ثابتة مفادها “أن لا حصانة في الأساس على النواب الذين طلب المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار الإستماع إلى إفاداتهم، وبالتالي لا علاقة للتهم المنسوبة إليهم بالنيابة أو بأي مهام أخرى”. ولفت إلى “أن طلب المحقق العدلي من المجلس النيابي رفع الحصانة عن النواب إنما جاء على خلفية إمكانية ملاحقة نائب أو اتهامه أو إحالته أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. لكن المجلس النيابي غير ملزم برفع الحصانة. فالشعب لم يعط وكالة للنائب لاقتراف جرم والأعمال المنسوبة إلى النواب المطلوب الإستماع إلى إفاداتهم خارجة عن نطاق الوكالة المعطاة لهم لأنها أعمال جرمية وتقع تحت طائلة القانون العادي وليست مصنفة في دائرة الجرائم السياسية أو الإخلال بالواجبات”. واعتبر “ان ما يجري اليوم لا يتخطى إطار المساجلات النظرية والإشكاليات اللغوية. وكل الحجج القانونية المبنية فقط على النصوص ضعيفة”.
ورد في المادة 40 من القانون الدستوري الصادر بتاريخ 17/10/ 1927 “لا يجوز في أثناء دورة الانعقاد اتخاذ اجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو القاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا باذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود)”. مع تشكيل الحكومة سقط هذا الإعتبار. ويوضح نجار “حتى نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب تبقى مشروع حكومة ولديها مهلة شهر للمثول أمام المجلس وبالتالي يمكن للمحقق العدلي استدعاء النواب للاستماع الى افاداتهم. أما مسألة إسقاط الحصانة فأتحفظ عما ورد في المادة 40 ليس من باب الرفض المطلق أو العبثي إنما لأنني مقتنع بأن لا توجد حصانة على النواب الذين استدعاهم المحقق البيطار إنطلاقا من التهم المنسوبة إليهم والتي لا توجب رفع الحصانة عنهم مع مقاضاتهم أمام المحاكم العادية وليس المجلس الأعلى للرؤساء والوزراء”.
لكن ماذا لو اصر المجلس على التمسك بحصانة النواب ورفض امتثالهم أمام المحقق العدلي؟ كل شيء وارد يقول نجار ويضيف: “إذا أصر المجلس النيابي على التمسك بحصانة هؤلاء النواب فهو ملزم بإصدار تشريع جديد وهذا يحتاج إلى تعديل النص الدستوري من المادة 40. عندها يصبح الإلتزام بنص المادة الجديدة ملزماً، لأن الدستور يفرض نفسه على الجميع. لكن مسألة تعديل الدستور تحتاج إلى أكثرية موصوفة وأعتقد أنها غير ممكنة في الآونة الحاضرة. وفي حال عدم حصول أي تعديل يمكن للسلطة القضائية متابعة التحقيق”.
وتفاديا لكل الإشكاليات الحاصلة في المرجعية القانونية الصالحة لاستدعاء النواب ومثولهم للإدلاء بإفاداتهم أكد أنها تختصر بالتالي: “تطبيق مبدأ فصل السلطات وتعزيز إستقلالية القضاء وكذلك صلاحيات القاضي العدلي. ما عداه فهو التفاف على القانون والدستور واللجوء إلى “فذلكات” في التعابير القانونية نحن في غنى عنها”.