كتب د. ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:
ورد في الكتاب المقدّس، في العهد الجديد منه، وفي إنجيل القديس متّى الرسول بالتحديد، وفي الفصل السابع في الآيتين 16 و 17 الآتي: “من ثمارهم تعرفونهم، هل يُجنى من الشوكِ عنب، أو من العوسجِ تين؟ لا تقدر شجرة صالحة أن تثمِرَ ثماراً رديئةً، ولا شجرة فاسدة أن تُثمِرَ ثماراً جيّدة”. من هذا المنطلق نجري مقاربة سياسيّة للحكومة الميقاتيّة.
– أوّلاً السؤال البديهي الذي يتوارد إلى ذهن أي مراقب سياسيّ: مَن هو رئيس الحكومة المكلّف؟
وفي البحث عن سجلّه السياسي يتبيّن أنّ الرئيس ميقاتي باعتبار الكثيرين هو جزء لا يتجزّأ من المنظومة التي استفادت من الفساد المستشري في هيكل الدّولة. وتم ربط اسمه بشبهات كثيرة لا سيّما في ملفّ موضوع القروض الاسكانيّة. وهو قد نفى هذه الإتهامات.
– السؤال الثاني الذي يُطرَح: ما هي المعايير التي تمّ اختيار الوزراء على أساسها؟
وفي بحث بسيط نجد أنّ المعايير السياسيّة هي التي طغت على غيرها من المعايير، إذ لسنا بصدد الحكم على السجلّ المهني لأحد، مهما تمّ تسريب معلومات عن بعضهم. يبقى أن نترقّب طريقة مقاربتهم للملفات.
– السؤال الثالث: هل مِن مرجعيّة للوزراء المختارين؟ أم أنّهم مستقلّون بالمطلق؟
والبحث هنا لا يطول ليكتشف أيّ مستفهمٍ عن هذا السؤال أنّ لكلّ واحد من الوزراء المختارين مرجعيّة سياسيّة لا يبدو أنّه سيكون متحرّراً منها. والمرجعيّات السياسيّة كلّها هي أسياد هذه المجموعة التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم.
هذا في التوصيف، أمّا في الاستنتاج فهذه الشجرة الفاسدة التي أثمرت فثمرها حتماً لن يكون صالحاً، بل سيعكس الحقيقة التي انبثق منها. هذا ما يدفع أيّ مراقب إلى عدم انتظار أيّ شيء من هذه الحكومة. لكن بالنّظر إلى الأحداث والتطوّرات التي رافقت تشكيلها، فضلاً عن طريقة إخراج هذا التشكيل تنبئ بأنّها أتت مشروطة بشروط دوليّة قاسية. لعلّ أبرزها الالتزام بمقرّرات صندوق النّقد الدّولي. وهذا ما قد ينعكس بتدابير اقتصاديّة قاسية جدّاً سيعاني منها اللبنانيّون مجتمعين، وأوّل غيثها هو رفع الدعم الذي يؤمل منه أن يساهم في إيقاف التهريب عبر الحدود. لكنّ النّظام السوري عمل على رفع سعر تنكة البنزين أكثر من سعرها في لبنان بعد رفع الدّعم، هذا ما لن يوقف التهريب بل قد يحدّه جزئيّاً ويحصره في كبار المهرّبين، إذ قد يتوقّف عمل المهرّبين الصغار لعدم قدرتهم على تحمّل فارق الأسعار بين البلدين بعد رفع الدّعم. لذلك كلّه، سيستمرّ التهريب ولكن بوتيرة أخفّ، على ما نأمله، إلا إذا عاد النّظام السوري ورفع أكثر سعر تنكة البنزين عنده. فنعود إلى ذي بدء في ملفّ التهريب. ولا شيء مستبعد.
أمّا دوليّاً فمن المؤكّد أنّ هذه الحكومة لن تبدّل أيّ شيء في تموضع لبنان الديبلوماسي لأنّ مرجعيّتها السياسيّة هي نفسها تمتدّ من طهران إلى الشام فحارة حريك. ما يعني أنّ العزلة العربيّة مستمرّة. ويبقى الأمل في الديبلوماسيّة الفرنسيّة على تليين التعاطي الديبلوماسي الأميركي مع لبنان. وهذا مستبعد أيضاً نظراً لرعونة الديبلوماسيّة الفرنسيّة التي يبدو أنّها رضخت للإبتزاز الإيراني لأنّ الرئيس الفرنسي يستميت ليحقّق انتصارات ديبلوماسيّة على أبواب الانتخابات الفرنسيّة الرئاسيّة في نيسان المقبِل، والتشريعيّة في حزيران القادم. ولا يبدو من طريقة مقاربة ملفّ الكهرباء من الراعي الأميركي بأنّه سيسمح لليد الفاسدة بالامتداد إلى خطوط الغاز المرتقب وصولها إلى معامل لبنان، أو حتّى للصفقات بأن تطال استجرار الطاقة الأردنيّة أو السوريّة.
وفي قراءة أشمل، ذلك يدلّ على أنّ لبنان قد صار رسميّاً تحت المجهر الدّولي الذي يقارب الوصاية، بمعناها الايجابي طبعاً. وهذا ما سيشير إلى بدء مواجهة جديدة في لبنان بين وصايتين: الايرانيّة المتمثّلة بمنظّمة “حزب الله”، والدّوليّة التي ستكون بإشراف صندوق النقد الدّولي وبعض الشركات الضخمة التي ستبدأ بتنفيذ بعض الاستثمارات في مجال الطاقة أوّلاً والاتّصالات والبيئة. لذلك كلّه، ستكون الحكومة الميقاتيّة أداة تنفيذيّة للوصاية الجديدة، ولن تكون أداة إنتاجيّة لأنّها وليدة الشوك والعوسج. ولا يمنع ذلك مثلاً من أن تسجّل اختراقات إنجازيّة في بعض الملفّات استناداً إلى قدرة وحماسة وديناميّة بعض وزرائها. فهذه كلّها حلول مسكِّنَة، ويبقى الحلّ الاستئصالي هو الحلّ الأنجع الذي يجب تحقيقه بثورة انتخابيّة تشريعيّة في القريب العاجل لنزرع بعدها شجراً مثمراً في حقل الوطن فنحصد ثماراً وطنيّة تدوم لأجيال وأجيال من بعدنا.