كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:
نجحت المنظومة الحاكمة في تثبيت ثلاثية جديدة مقدّسة، تترسخ يومياً في وجدان الشعب الرازح تحت وطأة احتلال من نوع آخر هو حصار الجوع. وهذا الشعب بكل أطيافه، جاهز اليوم اكثر من اي وقت مضى لاستبدال الثلاثية المقدّسة التي اشترطتها البيانات الوزارية المتعاقبة «شعب وجيش ومقاومة» بـ»ثلاثية طارئة»، استجدت بفعل الجوع والخناق الاقتصادي، ليصبح «الشعار الوطني» للبيان الوزاري «البطاقة الثلاثية التمويلية»: الكهرباء، الدواء والمازوت!، اذ تشكّل هذه الثلاثية اليوم اولوية إن لم نقل «قدسية»، بعدما أصبح «الجيش المقاوم» يرزح تحت احتلال الفقر وحصار الجوع، وكذلك «شعب الشعار» ينوء تحت ضغط الإذلال.
وعليه، وبعدما كانت الثلاثية المقدّسة المتمثلة بـ»جيش وشعب ومقاومة» هي الثلاثية الفتّاكة التي كانت تضرب بعرض الحائط ولادة البيان الوزاري وتطيح أحياناً ولادة الحكومات اللبنانية التي تعاقبت في السنوات المنصرمة، نجحت المنظومة في استبعاد هذه الثلاثية اليوم عن الاولويات المقدّسة للبيان الوزاري، بعدما توحّد من ضمّهم الشعار، فأصبحت البطاقه التمويلية، اي ثلاثية الكهرباء المازوت والدواء، شعار الجيش والشعب وكذلك المقاومة.
تدرك الحكومة الجديدة انّ الشعب كما المجتمع الدولي، لا ينظران اليوم ولا ينتظران بياناً وزارياً ولا وعوداً او أشعاراً. ومن استمع جيداً لمحضر الجلسة الأولى الطويل، بلسان وزير الإعلام الجديد جورج قرداحي، يأمّل خيراً، إلّا أنّه يستغرب الإكثار من الوعود والكلام، في الوقت الذي نصح مضمونه البعض وخصوصاً الاعلاميين، بالتقليل من الانتقادات والتحليلات السياسية، وفي المقابل فعلت الحكومة العكس، فكان بياناً مسهباً!
أما الذي ينتظره الشعب اللبناني اليوم من البيان الوزاري للحكومة الجديدة، فهو واضح ولا لبس فيه او إسهاب او مراوغة: بطاقة تمويلية، كهرباء، بنزين، مازوت، استشفاء، وتثبيت سعر الصرف.
عن التحدّي الاول، أي البطاقة التمويلية، يكشف سياسي مخضرم ملمّ في متابعة ملف إصدار تلك البطاقة، أنّ إصدارها ليس بالأمر السهل، وغالباً انّه سيكون متعثراً، وهذا ما بدأ يتظهر من خلال بدء التسريبات عن تأجيل موعد الإصدار، إذ انّ الأمر ليس بالسهولة التي يتوقعها ويستسهلها اللبنانيون وحتى السياسيون الجدد، اذ دونها عقبات لوجستية إن في الروتين الاداري داخل الوزارات بفعل شحّ الأموال، أم بفعل القرار الخطير لبعض الدول العربية التي اوقفت مساعداتها المالية للبنان، والتي لطالما اعتمد عليها، اذ اعتُبرت تمويلاً مستمراً وطويل الأمد بعكس «الهبة الظرفية» التي يقدّمها اليوم البنك الدولي وسينتهي حكماً مفعولها بعد بضعة أشهر!
هذا بالإضافة الى عوائق اخرى ستؤخّر إصدار البطاقة التمويلية ومنها:
بطاقة الهوية، وهي المحور الاساس للبطاقة التمويلية. والمشكلة، حسب معلومات «الجمهورية»، انّ كثيراً من المواطنين لا يملكون بطاقة هوية، وهؤلاء تحديداً هم من الأكثر فقراً، أي هم المواطنون الذين هم بأشدّ الحاجة الى تلك البطاقة التمويلية.
بالإضافة الى المواطنين الذين لم يتمكنوا من إتمام البصمة جيداً، مما يستوجب اعادة البصمة، الامر الذي يضاعف التأخير في إصدار بطاقاتهم بسبب فقدان الكرتون والقرطاسية في الوزارة المعنية، شأنها شأن بقية الوزارات، الامر الذي تسبب في توقف اصدار بطاقات الهوية، في وقت تكشف المعلومات، أنّه حتى الساعة ليس هناك أي مراسلات من وزارة الداخلية تفيد بجهوزيتها لمعالجة الامر وتسريع تلك المعاملات والبطاقات، علماً أنّ الوزارة تقوم اليوم بتجديد إخراجات القيد عبر دمغها بعبارة «تُجدّد ستة اشهر» بسبب النقص في الحبر والورق والكرتون.
فيما يكشف الخبراء الاقتصاديون، انّ اللجوء الى هيئات دولية لتمويل تلك الوزارات بهبات من القرطاسية، هو الحل الوحيد في ظل شح الاموال. بمعنى، قبل ان تطالب وزارة الشؤون الاجتماعية بتمويل للبطاقات التمويلية، هي في حاجة الى هبات لتمويل بطاقات الهوية التي على اساسها سيبدأ الفرز.
وعلى الرغم من انّ وزير المال السابق غازي وزني كشف انّ تمويل البطاقة التمويلية مصدره متوافر وهو البنك الدولي الذي خصّص قرضاً بـ 295 مليون دولار، إلاّ انّ الجدل القائم اليوم يتمحور حول اولوية القطاعات التي يجب ان تستفيد من هذا القرض، هل يجب ان تعمد الدولة الى استخدام هذا القرض مثلاً لشراء باصات من الخارج لتخفف من أزمة المواصلات نتيجة ارتفاع غلاء المحروقات، أم بناء محطات كهرباء، أم استخدامه للبطاقة التمويلية، علماً انّ تحريك هذا القرض يحتاج الى قرار من مجلس النواب، في وقت تُطرح التساؤلات عن العوائق الأساسية التي قد تؤخّر صدوره:
1- الدراسة غير المنطقية
العدد غير الطبيعي وغير المنطقي للدراسة التي ارتأت إصدار 500 الف بطاقة تمويلية لبلد مثل لبنان، والذي يبلغ عدد سكانه 5 ملايين نسمة، في وقت أصدرت جمهورية مصر التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، 500 الف بطاقة تمويلية لمواطنيها الأكثر فقراً! اي العدد نفسه. وهو أمر غير منطقي. والسؤال: كيف سيتمكن لبنان من إقناع البنك الدولي بتمويل تلك البطاقة إذا اعترض الممولون على الدراسة او ارقامها، متخذين مصر مثالاً للقول انّ لبنان ليس افقر من مصر، وهو الامر الذي قد يشكّل عائقاً ربما في المستقبل امام تمويل تلك البطاقة او اصدارها.
2- التوزيع السكاني والجغرافي للمعنيين بالبطاقة والمستفيدين منها، الذي سيوفّر «لمركب» معين نسبة استفادة اكثر من بيئة اخرى. وهو الامر الذي قد يستدعي جدلاً داخل مجلس النواب.
3- تتراوح قيمة البطاقة بين 96 دولاراً و125 دولاراً، والسؤال هنا: وفق اي معيار تمّت تلك الدراسة لتحديد هذا الرقم؟ وعلى ماذا اعتمدت لتحديد حاجات المواطن؟ علماً أنّ الشريحة التي تحصل على هذا المبلغ هي نفسها التي تعمل للحصول على الأجر الشهري نفسه، ومثالاً على ذلك العنصر في الجيش الذي يبلغ متوسط راتبه 120 دولاراً، و كأنّ الدولة تقول للمواطنين يمكنكم البقاء في المنزل والإنكفاء عن العمل عوض ان تحضّهم على العمل التطوعي في مؤسسة الجيش مثلاً او في اي مؤسسة اخرى لقاء تلك الاموال. بالإضافة الى اننا من خلال هذه العملية نضرب الاقتصاد اللبناني، عوض ان نقول للمواطنين توظفوا في الوظائف العامة مجاناً وفي المقابل سنعطيكم 120 دولاراً.
ومن الاسئلة المطروحة:
ما هي الضوابط التي ستُتخذ حتى لا تُستغل هذه البطاقة انتخابياً؟ إنّه السؤال المحيّر الذي يُطرح اليوم في كافة الصالونات السياسية والمواقع الإخبارية والتحليلية.
اما التساؤل الابرز فهو: الى متى ستبقى الأزمة مفتوحة؟ علماً انّ المبلغ الذي سيقدّمه المانحون متوافر لفترة زمنية محدّدة وليس دائماً، فمن اين سنأتي بالتمويل المستمر حتى انتهاء الأزمة؟
وبالمعنى الأوضح، انّ الـ 295 مليون دولار ستكفي اللبنانيين لتغطية تلك البطاقة لمدة 6 اشهر، فيما تبدو الأزمة مستمرة لأكثر من 5 سنوات. فمن اين سيأتي لبنان بالتمويل امام عدم حماسة بعض البلدان العربية، التي اختارت البقاء على الحياد في عملية الإنقاذ الاقتصادية للبنان؟
وعليه، فالسؤال المقلق هو: هل ستقتصر مدة خدمة البطاقة التمويلية (اذا تمكنت الحكومة من اصدارها) على مدة عمر الحكومة الجديدة، اي لثمانية اشهر، وينتهي بعدها عملها ومفعولها، ام ستفعّل «حكومة العمل» إنتاجها وتفاجئ الجميع؟