Site icon IMLebanon

القرض الكويتيّ للكهرباء… استئناف لصراع عمره 10 سنوات

كتب إيلي الفرزلي في الأخبار:

إعلان الرئيس نجيب ميقاتي عن التواصل مع الكويت لإحياء قروض كانت مخصّصة لقطاع الكهرباء، جعل الأمر يبدو إحدى أولويات الحكومة الجديدة. لكنّه في المقابل، فتح الباب أمام خلافات سياسية عمرها 10 سنوات، كانت نتيجتها ضياع كل فرص إنقاذ قطاع الكهرباء. لكن هل ظروف الخلاف لا تزال قائمة، أم صار بالإمكان «الرهان» على الانهيار الشامل لتخطّي المصالح السياسية؟

منذ اللحظة الأولى لتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، تعامل معها على أنها امتداد لحكومته الثانية. القرض الكويتي الذي كان تعسّر في عام 2012، بسبب الخلافات السياسية، عاد إلى الواجهة بعد عشر سنوات، بإعلان ميقاتي عن تواصله مع الكويت لإعادة إحياء قرض خطة الكهرباء (كان الصندوق الكويتي للتنمية عرض توفير قرض ميسّر لإنجاز خطة الكهرباء وبناء المعامل).

بعيداً عن مدى جدية الموضوع، لناحية استعداد الصندوق لإقراض لبنان، في ظل «الانسحاب» السعودي – الخليجي منه، وفي ظل إعلان لبنان التخلّف عن دفع ديونه، وبالتالي استبعاد حصوله على قروض قبل تنفيذ برنامج مع صندوق النقد الدولي، فإن إعادة إحياء النقاش بشأنه، فتحت باباً أمام العودة إلى صراع الكهرباء الذي انطلق منذ عقد من الزمن وأدّى، بشكل مباشر، إلى انهيار قطاع الكهرباء.

في نهاية عام 2011 صدر القانون الرقم 181 (قانون برنامج معجّل لأشغال كهربائية لإنتاج 700 ميغاواط ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية). حينها كان بدأ الصراع بشأن كيفية تمويل هذه الأشغال. الوزير جبران باسيل كان قد أصرّ على أن يكون التمويل من الخزينة، والرئيس ميقاتي أراد أن يتم التمويل عبر الصناديق العربية. حجة الأول أن التمويل من الصناديق يحتاج إلى وقت كبير، وبالتالي يخسّر لبنان فرصة إنشاء المعامل في أسرع وقت. وكحل وسط دعا إلى أن يذهب التمويل إلى الخزينة، لا إلى مشاريع بعينها، بما يسمح ببدء الأعمال سريعاً. في المقابل، رأى خصوم باسيل في ذلك مسعى إلى النفاذ من الرقابة التي تفرضها الصناديق على المشاريع التي تموّلها.

التسوية قضت حينها بإقرار قانون البرنامج بقيمة 1772 مليار ليرة، «تُغطّى بواردات استثنائية ويجاز للحكومة إيجاد مصادر تمويل من خلال قروض ميسّرة و/أو بإصدار سندات خزينة بالعملة المحلية أو العملات الأجنبية». وقد أضيف في المادة السادسة أيضاً فقرة تشير إلى أن «يسعى رئيس مجلس الوزراء لدى الصناديق والهيئات الإقليمية والدولية أو سواها لتأمين التمويل اللازم».

في 19 كانون الثاني 2012، زار وفد من الصندوق الكويتي ميقاتي وعرض معه موضوع تمويل قطاع الكهرباء. وبنتيجة التفاوض، وافق الصندوق على تمويل دراسة لإنجاز ثلاثة معامل (دير عمار 2، الزوق والجية). كما أبدى الصندوق استعداده لتمويل هذه المشاريع بالشراكة مع الصندوق العربي، عبر قرض ميسّر بقيمة 1.5 مليار دولار.

مصادر مسؤولة كانت عاملة في وزارة الطاقة آنذاك تؤكد أن رفض التمويل المباشر لإنشاء المعامل، أتى على خلفية تجربة تأهيل معملَي الزوق والجية القديمين. فالمناقصة تلك بدأت في عام 2006، وكانت مرّت ست سنوات من دون إنجازها بسبب تمويلها عبر الصناديق (أُنجزت عملية التأهيل في عام 2018)، التي تحتاج، بحسب طبيعة عملها إلى الكثير من الوقت للموافقة على كل خطوة. فمجالس إداراتها تجتمع كل ستة أشهر، وبالتالي كل خطوة تحتاج إلى ستة أشهر للموافقة عليها. ولذلك، كان الخيار في السير بتمويل من الخزينة. لكنّ ذلك ينكره مصدر معارض لسياسة التيار في وزارة الطاقة، مشيراً إلى أن موقفه كان له الأثر المباشر على عدم إنشاء معامل حتى اليوم. فالإصرار على رفض التمويل الخارجي، لم يكن سوى رفض للشفافية، إن كانت في إجراء المناقصات أو في تنفيذ التلزيم أو مراقبته. تنفي مصادر «التيار» ذلك بشدة مؤكدة أن الأولوية كانت للسرعة. وتقول: «لو كان الأمر يتعلق برفض التمويل الأجنبي بالمطلق، لما أُنشئ معملا الزوق والجية الجديدان بتمويل دانماركي» (تأخّر التنفيذ بسبب مفاوضات جرت بعد رسوّ التلزيم وأدت إلى تغيير الشروط، ما أدى إلى دعوى تحكيم، تضاف إلى الدعوى التي كانت شهدتها عملية تلزيم معمل دير عمار2، على خلفية توقّف الأشغال بسبب الخلاف السياسي القانوني على دفع الضريبة على القيمة المضافة).

ولذلك، تشير المصادر إلى أن «التيار» لم يكن يوماً ضد التمويل الأجنبي أو العربي، لكن كانت أولويته الإسراع في إنجاز خطة الكهرباء، وبالتالي الوصول إلى كهرباء 24 على 24، معتبرة أن الحرب على التيار وعلى وزارة الطاقة هي التي أدّت إلى عرقلة الخطط التي أُقرت في مجلس الوزراء، والتي تمكّن التيار من إنجاز قسم منها، ولا سيما في قطاعَي النقل والتوزيع، أضف إلى إنجاز معملَي الزوق والجية، اللذين أمّنا 370 ميغاواط إضافية.

في المقابل، تُذكّر مصادر أخرى أن الخطة التي وافق عليها مجلس الوزراء في عام 2010، انبثق عنها القانون 181/2011، الذي يرتكز إلى ثلاثة أمور رئيسية:

1- زيادة الإنتاج 700 ميغاواط وتحسين شبكة النقل.

2- تعيين هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء لإعطاء تراخيص إنتاج للقطاع الخاص لتأمين الزيادة على طلب الطاقة.

3- تعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان ليواكب الخطة وتشركتها وتطوير أوضاعها تطبيقاً للقانون 462/2002.

وفي ما كان يُفترض أن تُنفذ الخطة مع نهاية عام 2015، وأن ترتفع التغذية إلى 24 على 24، كما وعد الوزير جبران باسيل، كانت النتيجة أن غالبية النقاط المحدّدة في القانون لم تُنفذ، وبعضها لا يزال عالقاً حتى اليوم. لكنّ ذلك لا يحول دون تأكيد مصادر وزارية سابقة أن التغذية بالتيار وصلت إلى 20 ساعة في عام 2018.

الوضع الحالي لا يبدو واضحاً. هل يعود الخلاف إلى سابق عهده أم أن الظروف الراهنة تفرض قرارات مختلفة؟ وهل قرّر الرئيس ميقاتي، من خلال الإعلان السريع عن تحريك القرض الكويتي، فتح باب المواجهة مع باسيل، انطلاقاً من تغيّر موازين القوى، بالمقارنة مع عام 2012؟

ترفض مصادر متابعة وضع الأمر في هذا السياق، مؤكدة أن أولوية ميقاتي هي إنقاذ قطاع الكهرباء، بأي طريقة ممكنة. وتضيف: «هذه أولوية تضطلع بها كل القوى المشاركة في الحكومة». ذلك ما تؤكده مصادر مسؤولة في التيار، جازمة أنه لا ينظر إلى خطوة ميقاتي إلا بإيجابية وهو يرحب بأيّ تمويل لإعادة تفعيل خطة الكهرباء.