كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:
ثلاثة أيام فقط كانت كافية لتنجز حكومة نجيب ميقاتي في لبنان بيانها الوزاري، وتعقد جلسة لإقراره قبيل التوجه إلى المجلس النيابي لنيل الثقة.
في بنود البيان طروحات وعناوين كبيرة، توحي وكأن الحكومة باقية حتى موعد الانتخابات النيابية في أيار المقبل، أبرزها “إصلاح القطاع المصرفي”، ومواصلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، والسعي مع مجلس النواب إلى إقرار “الكابيتال كونترول”، ووضع مشروع قانون لمعالجة الأوضاع المالية والمصرفية التي استجدت.
ويتعهد البيان أيضاً بتنشيط الدورة الاقتصادية، بما يساهم في تمويل القطاع الخاص، مع إعطاء الأولوية لضمان حقوق وأموال المودعين، والالتزام بالمواثيق الدولية والدستور، وبإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، واستعادة العلاقات اللبنانية مع الدول العربية والدول الصديقة والشقيقة واستكمال التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت.
ورغم السرعة القياسية، التي أنجز بها البيان، تشير مصادر حكومية الى المناقشات حوله تخللها خلافات حقيقية، لا سيما حول خطة الكهرباء، والبطاقة التمويلية، إذ إن ميقاتي لا يحبذ هذه الأخيرة لأنها بحاجة إلى وقت، بينما هو يفضل الدخول في مجال إصلاح الرواتب والأجور ورفعها وتصحيحها، في طريقة مشابهة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب قبل سنوات، في إجراء يستفيد منه كل اللبنانيين بدلاً من حصر البطاقة التمويلية بفئات معينة.
ثانياً، جاءت زيارة رئيس تكتل “لبنان القوي” جبران باسيل إلى ميقاتي، أمس، وهي جلسة مكملة لجلسة سابقة عقدت بينهما قبل يوم واحد من تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة، بمثابة خطوة لإحراج ميقاتي، وكل من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، وهذه من شأنها أن تؤدي إلى انقسامات في المواقف السياسية في المرحلة المقبلة.
وكان باسيل شدد على ضرورة توحيد الأرقام، التي يجب التفاوض على أساسها مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى الإصرار على التدقيق الجنائي ومحاسبة حاكم مصرف لبنان. كذلك أثار باسيل ملف التعيينات.
كل هذه الملفات ستكون ضاغطة على مسار الحكومة وانطلاق عملها، ولكن بمجرد الانتهاء من صوغ البيان الوزاري انعكس ذلك إيجاباً على وضع السوق، إذ شهدت الليرة اللبنانية تحسناً أمام سعر صرف الدولار، على الرغم من أن خبراء اقتصاديين وماليين اعتبروا أن هذا التحسن هو بفعل العاملين النفسي والمعنوي وغير مبني على أسس اقتصادية واضحة وصحية، وبالتالي فإن عدم الشروع في تنفيذ خطة واضحة المعالم فهناك ترجيح كبير بعودة ارتفاع الأسعار.
على وقع هذه التطورات باشر “حزب الله” إدخال قوافل محروقاته الإيرانية من سورية إلى لبنان، وقد عمل الحزب على تخزين الكميات في خزانات استأجرها في منطقة بعلبك في البقاع اللبناني، على أن يبدأ التوزيع خلال فترة قريبة على المؤسسات التي طلبت التزود بالمحروقات.
ولا تزال خطوة الحزب محط مراقبة جهات داخلية وخارجية، لم يعرف حتى الآن آلية التعاطي الأميركي معها، لاسيما أنها تعتبر خرقاً لقانون قيصر، في حين يعتبر “حزب الله” وأوساطه بأن الهدف من الخطوة كسر الحصار الأميركي وتجاوز عقوبات “قانون قيصر”.
في المقابل، برز المزيد من الاهتمام الأوروبي في الملف اللبناني، بناء على ضغوط فرنسية، وفي هذا الإطار بحث البرلمان الأوروبي جوانب مختلفة من الملف اللبناني، وصوت على آلية قرار لفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين متهمين بالفساد، بالإضافة إلى إدانة تعطيل تنفيذ خطة الإصلاح المالي والاقتصادي، وإعاقة التحقيق في تفجير مرفأ بيروت مع الاستعداد لإرسال لجنة تحقيق دولية أو أوروبية. لكن حتى الآن لا يزال غير واضح كيفية تطبيق هذا القرار وآليته التنفيذية، ولكنه أيضاً يطال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأداء المصرف المركزي، وهذا يؤكد زيادة منسوب الضغط على سلامة، الذي لا يزال رئيس الجمهورية ميشال عون يصر على إقالته.