لا تبدو “الشبكة العنكبوتية” الحاكمة، في وارد التعاون مع التحقيقات الجارية في جريمة انفجار المرفأ. يوما بعد يوم، تتأكد هذه الحقيقة أكثر. ليس رئيس الحكومة السابق حسان دياب وحده من لم يمثل امام المحقق العدلي طارق بيطار، مستفيدا من مظلة طائفية – سياسية، تمّ تأمينها له سريعا، بل امس، رفض الوزير السابق يوسف فنيانوس الحضور الى قصر العدل بعد ان استدعاه بيطار، فكان ان أصدر الاخير مذكرة توقيف غيابية بحقه. ورد بيطار في مستهل الجلسة التي عقدها، في حضور وكيلي فنيانوس المحاميين نزيه الخوري وطوني فرنجية وممثلي الادعاء الشخصي، الدفوع الشكلية المقدمة من فنيانوس الذي اعتبر نفسه مظلوما اليوم، وأنه لم يبلغ اصولا موعد الجلسة، وامتنع عن المثول لاستجوابه. في المقابل، علّق وكيل فنيانوس القانوني المحامي نزيه الخوري على القرار قائلاً “بعد المخالفات القانونية التي رصدناها اليوم في قرار المحقق العدلي ندرس الخيارات القانونية المتاحة التي يمكننا اتخاذها“. من جانبه، قال رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، عبر “تويتر”: مع صدور خبر مذكرة التوقيف بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس نؤكد وقوفنا الى جانبه مدافعاً عن نفسه وبحق ضمن القوانين المرعية الإجراء.
كل هذه المعطيات، تدل، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، الى ان سياسة الهروب من المواجهة، التي اعتمدتها “المنظومة”، ستستمر، وانها ستتخذ أوجها مختلفة في قابل الايام، حيث بات من غير المستبعد ان تقرّر جهات تم استدعاؤها، نيابيةً او وزارية “سابقة”، لعبَ ورقة كف يد القاضي بيطار عن الملف، تماما كما فعلت مع سلفه القاضي صوان، وقد نجحت آنذاك في تحقيق هدفها، وأُخرج الاخير من “ساحة” المرفأ. قضائيا ايضا، تُعاكس الرياح على ما يبدو، سفن بيطار. فأمس، نفّذ اهالي ضحايا المرفأ تحركا جديدا، امام منزل مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات. وهم كانوا، اثر امتناع فنيانوس عن الحضور، نددوا “بتصرفات النيابة العامة التمييزية المشبوهة والمريبة والتي بدأت بتسريب معلومات التحقيق، وبعدها لم تقم بدورها الأساس لجهة الإدعاء”، مشيرين الى ان “لاحظنا أخيراً مماطلة النيابة العامة التمييزية وتسويفها وتأخيرها ولامبالاتها بمسألة الدفوع الشكلية للتأخير قدر المستطاع في حضور المتهمين تحت ذرائع وحجج واهية“، مشتكين من “تسييس يطبع قراراتها” غامزين هنا من قناة قرب عويدات من تيار المستقبل… ازاء هذا الانسداد المحلي على الصعد كافة، حيث ان الاعلى للدفاع لم يمنح ايضا الاذن لملاحقة اي من القادة العسكريين والامنيين الذين يريد بيطار الاستماع اليهم، تكشف المصادر ان ثمة توجها جديا للمطالبة بلجنة تقصّي حقائق دولية، وهو لواءٌ سترفعه اطراف محلية لكن أممية حقوقية دولية ايضا.
واذ تلفت الى ان الرأي العام اللبناني لن يسكت عن طمس الحقيقة، تماما كما المجتمع الدولي، حيث ندد الاتحاد الاوروبي في الساعات الماضية بمحاولات الطبقة الحاكمة تمييع التحقيقات مهددا بعقوبات اذا استمر هذا السلوك، تشير المصادر الى ان رص المنظومة الصف ضد بيطار والتقاءها على انتقاده ورفض التعاون معه، بات مبررا وواضحَ الخلفيات: فبعضها أدخل النيترات والبعض الآخر عرف به وسكت عنه والبعض الثالث غطاه عن سابق تصوّر وتصميم، كما هناك مَن أهمله عن جهل… وهنا لا بد من التوقف عند حسم التحقيق الذي أجرته مؤسسة OCCRP وهي مؤسسة دولية متخصصة بالفساد والجرائم المنظمة، الجوابَ على أكبر الاسئلة العالقة في ملف انفجار المرفأ وهو المالك الفعلي لشحنة النيترات. واستنادا الى وثائق وأدلة، كشف التقرير عن شبكة شركات تعمل في التجارة الكيميائية منذ عقود وهي خاضعة لسيطرة الاوكرانيين وتحديدا لرجل أعمال اوكراني فولوديمير فيربونول. حققت OCCRP في احتمال أن تكون شحنة نيترات الأمونيوم متوجهة إلى موزمبيق، وأنها تُرِكت في بيروت عمداً لتهريبها إلى سوريا واستخدامها في صنع متفجّرات.
وما يعزز هذه الفرضية ما كشفته سابقا المؤسسة من أن المجموعة الموزمبيقية التي طلبت نيترات الأمونيوم تم التحقيق معها سابقاً بتهم تهريب السلاح. وكشف التقرير أن مالك السفينة قبرصي مَدين لـ”بنك الشرق الأوسط الفيدرالي” (FBME)، وهو مصرف في تنزانيا وقبرص، يملكه إخوة لبنانيون، والمرجح أن يكون هذا المصرف هو الذي حول ثمن الشحنة الى روسيا. البنك المذكور اضطر الى وقف عمله بعد أن كانت وزارة الخزانة الاميركية فرضت عليه عقوبات كونه “يعمل بشكل رئيسي في غسيل الاموال” وتقديم خدمات للحكومة السورية والى “حزب الله”. كما ذكر في التقرير. والمعلوم أن من بين عملاء بنك الشرق الاوسط الفدرالي شركاء لحزب الله وشركة يزعم التقرير أنها مرتبطة ببرنامج أسلحة الدمار الشامل السوري. وذكر التقرير رجلي أعمال من آل خوري يحملان الجنسية السورية والروسية وهما مقربين من الاسد وكانا يتعاملان مع بنك الشرق الاوسط الفيدرالي. وقد سبق للخزانة الاميركية أن فرضت عقوبات على الاخوين خوري ورجل اعمال ثالث من آل حسواني سوري وحامل الجنسية الروسية ايضا لدعمهم نظام بشار الاسد. أحد الاخوين خوري مدلل خوري فرضت عليه عقوبات أيضا لمحاولته شراء نيترات الأمونيوم لحكومة الأسد عام 2013، وهو العام ذاته الذي وصلت فيه السفينة روسوس إلى بيروت.