كتب ألان سركيس في نداء الوطن:
عَبَر الرئيس نجيب ميقاتي مسافة كبيرة في إنجاح مهمته، وهو المعروف بوسطيته وقدرته على تدوير الزوايا في بلد تتقاذفه المحاصصة والفساد.
شكّل ميقاتي حكومته الثالثة خلال مسيرته السياسية، ويُشبّه البعض هذه الحكومة بحكومة 2005 وليس بحكومة 2011 لأنها توافقية إلى حدّ كبير ومهمتها الأساسية إنجاز الإنتخابات النيابية في موعدها في 8 أيار 2022.
ويبقى أمام حكومة ميقاتي نيل ثقة المجلس النيابي وهذه الثقة مضمونة لأن الغالبية البرلمانية مشاركة في الحكم، وبالتالي فان فرص إسقاطها من خلال حجب الثقة تبدو ضئيلة جداً وربما مستحيلة.
وإذا كان ميقاتي قد نجح في مهمته، فان الأنظار تتجه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأن معاناته مع أهل السياسة في لبنان تفوق بعشرات المرات معاناة الداخل.
كاد ماكرون أن يدفع ثمن “شفقته” على لبنان مستقبله السياسي في فرنسا، لكن الفرنسيين الذين يتابعون الشأن اللبناني يعلمون جيداً أن الطبقة السياسية اللبنانية “ماكرة” ولا يهمها مصالح شعبها وتسعى للحفاظ على المكاسب عبر رعاية الفساد، لذلك وجد جمهور ماكرون أسباباً تخفيفية لفشله في لبنان مرات عدّة.
وفي السياق، فان المشهد الأكبر يوحي بعودة فرنسية قوية إلى الساحة اللبنانية، وربما تكون هناك زيارة قريبة لماكرون إلى لبنان، لكن هذه الزيارة مرتبطة بنيل الحكومة الثقة والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة، علماً أن أمام ماكرون إستحقاق كبير وهو المعركة الرئاسية الفرنسية في نيسان 2022، ومن الطبيعي أن يزور لبنان خلال حملته الإنتخابية مثل بقية المرشحين الفرنسيين، لكن الإتجاه قد يكون المجيء إلى لبنان في زيارة منفصلة عن جولته الإنتخابية. وتصرّ الدوائر الفرنسية على الإلتزام بالمبادرة الفرنسية التي أطلقها ماكرون العام الماضي، لذلك فان تطبيقها يوجب على ميقاتي السير وفق مقتضياتها والعمل من أجل تحقيق بنودها مع معرفة الفرنسيين والأوروبيين بصعوبة الواقع اللبناني.
ومن جهة أخرى، فان سيف العقوبات لا يزال حاضراً، لكن الفرنسي حسب المعلومات لا يزال متريثاً بعض الشيء لأنه يعتبر أن هذه العقوبات لن توصل إلى أي مكان خصوصاً أن العقوبات الأميركية التي تعتبر أكثر قساوةً لن تدفع أحداً من السياسيين إلى التنازل من أجل المصلحة العامة.
كل هذه العوامل التعطيلية يعرفها ماكرون جيداً وهو يعلم في الوقت نفسه أن تأليف الحكومة لا يعني حكماً السير بمقتضيات المبادرة الفرنسية لأن القوى السياسية التي تمسك بالحكم لا ترغب بالتنازل عن مكتسباتها لذلك ستبقى العين الفرنسية والأوروبية تراقب الوضع اللبناني عن كثب.
وتؤكد مصادر دبلوماسية أن ماكرون “يسند ظهره” هذه المرّة على 3 نقاط قوّة، وتتمثل هذه النقاط بدعم أوروبي قوي وتفويض كي يرتّب الأوضاع في لبنان، أما النقطة الثانية فتظهر بتسهيل إيران مهمّة ماكرون والضغط لتسهيل الحكومة، أما الأساس والأهم فيبقى التفويض الأميركي للرئيس الفرنسي كي يقوم بالخطوات المطلوبة.
وإذا كان الأوروبي مهتماً بالعودة إلى الساحة اللبنانية وسط الحديث عن دخول شركات ضخمة لتحسين البنى التحتية من مياه وكهرباء وإتصالات إضافةً إلى بث الروح في مؤتمر سيدر، إلا أن ماكرون يهمه الوجود السياسي في بلد يعتبره آخر منطقة نفوذ لفرنسا في الشرق الأوسط، لذلك سيركز جهوده في الفترة المقبلة على النجاح في لبنان لعله ينعكس مزيداً من التقدّم في حملته الرئاسية داخل فرنسا.