كتب عمار نعمة في “اللواء”:
قبل نيف وعام على انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، تبدو أهداف معركة العهد الحالي مُرتسمة مع بدء العد العكسي لانتهائه، خلال سنة ستكون مليئة بالأحداث.
اليوم، يقف فريق العهد، عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، علناً في معركة ضد ما يسميانه «المنظومة» التي هيمنت على الحكم منذ ما بعد اتفاق الطاف حتى اللحظة. وهما، وخاصة باسيل، يقومان بهجوم عكسي بعد مرحلة طويلة من الدفاع، تحديدا منذ قيام الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الاول 2019.
في ذلك الحين، وجهت الشرائح الشعبية المنتفضة اصابع الاتهام الى الطبقة السياسية كاملة، لكن بطبيعة الحال كانت السهام الابرز مركزة على العهد ولا سيما باسيل، خاصة وان رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري قدم بعد ايام على اندلاع الانتفاضة استقالته مُخليا الساحة ومظهرا صورة المعترف بالإثم.
كان نصيب باسيل كبيرا في السخط الشعبي مزيجا من سوء القدر كونه شكل ركنا رئيسيا في الحكم القائم، ثم نتيجة اصطفاف خصميه الاساسيين على الساحة المسيحية، «القوات اللبنانية» و»الكتائب»، ضمن صفوف «الثورة» وتنصلهما من مشاركتهما في المسؤولية كونهما شكلا عامودين من اعمدة الحكم سابقا، ليبقى العهد في واجهة الحدث وليتحمل جزءا وافراً من مسؤولية الفشل وهو الذي لا يمكن له ان يتنصل من مسؤولية عشرة اعوام في الحكم حتى لحظة تفجر 17 تشرين، و12 عاما حتى هذه اللحظة.
حينها شعر باسيل بحرب إلغاء عليه مع تبني الحريري علناً، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ضمناً، إبعاده عن الحكومة، أي عن الحكم، كونه من الرموز المغضوب عليها شعبيا والتي أُحرقت شعبياً.
مرونة عونية مع ميقاتي
رفض العهد تلك المعاملة وشرع في شراء الوقت، أو التعطيل، مع انه كان في امكانه تسهيل مهمة الحريري في تشكيل حكومته حتى وان كان الاخير يواجه رفضا سعوديا، وقبله تسهيل مهمة السفير مصطفى اديب. ويمكن قراءة ذلك عبر الآلية المرنة التي تعامل بها الرئيس عون مع محاولات الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة، قبل ان يصبح رئيسا للحكومة وينال الثقة في المجلس النيابي، بمشاركة من تكتل «لبنان القوي» نفسه دلالة على تسهيل مهمة ميقاتي، وهو التكتل الذي ألمح باسيل مرارا خلال مفاوضاته الحكومية مع الحريري سابقا أنه قد لا يمنحها لحكومته في حال تشكلها.
قوبلت المرونة العونية الظاهرة، بمسعى ميقاتي واضح لتشكيل الحكومة لأسباب خاصة بالأخير وبمستقبله السياسي، وظفر باسيل بالثلث المعطل الصافي الذي رفض ان يشاركه فيه حتى حليفه الوحيد في الحكم «حزب الله» لشعوره بأن الحزب، على الرغم من كل شيء، لن يفضل باسيل والعهد في أي معركة ينويان شنّها على من أفشلهما، الرئيس بري ومعه المنظومة التي ستشكل الهدف الاول لهما في المرحلة المقبلة. إنطلاقاً من الواقع الجديد وقوامه إبعاد الحريري وربما بدء العد العكسي لانتهاء الحريرية السياسية كما تبشر ادبيات «التيار الحر»، سينطلق العهد في أشهره الأخيرة تحت شعار عام هو مكافحة الفساد، تتفرع منه عناوين متنوعة قبل الانتخابات النيابية المقررة دستوريا في شهر أيار المقبل والتي تشكل الهدف الاول لباسيل الذي سيزايد طويلا حتى ذلك الحين.
مزايدة مسيحية قبل الانتخابات
فمن خلال تلك الانتخابات التي لا بد منها خارجيا، سيحاول باسيل قدر الامكان التخفيف من خسائره التي شكلت 17 تشرين أكثرها إيذاءً. واذا تمكن من تحقيق فوز، أقله شخصيا فيها، سيكون في امكانه التسلح بشرعية شعبية لخوض غمار تجاوز العقوبات الاميركية عليه. كما انه عبر هذا النصر المأمول من قبل تياره رغم كل ما حصل من ضربات له، قد يحيي حظوظه الرئاسية. وعلى هذا الصعيد لا يمكن تخيّل اجراء انتخابات رئاسية بعد عام من الآن، فالفراغ شكل سمة المواعيد التي ضُربت لتلك الانتخابات وقد لا يشذ الموعد المقبل عنها.
واذا لم يكن مقدرا لباسيل تحقيق حلمه بالرئاسة الاولى، فهذا لا يعني، حسب مناصريه، انه لن يكون صاحب الكلمة الفصل بهوية الرئيس المقبل ولن تكون معركته على الثلث الحكومي وعلى وزاراته وأسماء شاغليها، سوى مؤشرا بسيطا على حربه الرئاسية الكبرى المنتظرة.
من المبكر الحديث عن هذه الحظوظ من الآن، غالبا ما تشكل الظروف الاقليمية والدولية العامل الاهم في هوية من يصل الى رئاسة الجمهورية. ومن الصعب التنبؤ بهذه الظروف اليوم، غير أن في بيئة باسيل من يجزم بعدم وصول منافسيه الحاليين الى المنصب الاول في البلاد، لا بل يلوّح ببعض الاسماء التي قد تصلح لفترة رئاسية حتى يحين موعد باسيل مع الاستحقاق الاكبر، ومن هذه الاسماء إبراهيم كنعان على سبيل المثال لا الحصر، لما يتمتع به من تقاطعات محلية وخارجية، وقد تم تسريب إسم كنعان اكثر من مرة لجس نبض مناوئي «التيار».
وعلى طريق تلك الرئاسة، عزّز باسيل من حلفه الذي لن يتزحزح قيد أنملة مع «حزب الله»، لكنه هذه المرة شرع في علاقة تحالفية استراتيجية مع دمشق ومن ورائها موسكو، ولن تكون وزارة الطاقة سوى تعزيزا لهذا الخط السياسي و»الغازي» العابر للحدود والمُشرع أميركياً..
وبذلك يدخل العونيون وباسيل مرحلة جديدة بعد اقصاء الحريرية، بينما يشرعون في علاقة مستجدة مع الرئاسة السنية بشخص ميقاتي «الذي أراد ان ينجح حيث فشل الحريري، فكان له ما أراد».
مع بدء العد العكسي للانتخابات، ستكون المزايدة مسيحيا سمة تلك البيئة، ومعها تصفية الحساب مع الركن الثاني في الثنائية المضادة للعهد المتجسدة ببري، ومن هنا كان الكلام الباسيلي الأخير المتهم لرئيس مجلس النواب بإفشال العهد والاحتفاظ بهذه النيّة منذ وصول العماد عون الى رئاسة الجمهورية قبل نحو خمسة اعوام واستحضار قوله «الله لا يخلّيني إذا بخلّي عون يحكم»..، ولعل عدم توثيق تلك العبارات يشكل الدليل الأدمغ الذي سيستغله باسيل لحشد التأييد الشعبي الطائفي في بيئته التي لا تشهد ادانة مماثلة لبري كما يفعل العونيون. أما العناوين لهذا الصراع المقبل فتتعدد من التدقيق الجنائي الى وزارة المال وحاكم مصرف لبنان وغيرهم وربما فتح قضايا الهدر الشهيرة مثل مجلس الجنوب، وستتمظهر في عناوين قد تستجد مع الوقت وستُفيد باسيل في معركته المسيحية التي سيخوضها في المقبل من الايام لكونها ستمثل معركة مصيرية بالنسبة إليه.. على طريق رفع العقوبات عنه.