كتبت مايا الخوري في “نداء الوطن”:
صمد مسرح “الشانسونيه” بوجه القصف والإحتلال وبوجه المعابر والحواجز لكنه إنهزم أمام الوباء الإقتصادي والصحيّ والإجتماعي. هذا بإختصار حال المسرح الذي شكّل الكاتب والممثل “أندريه جدع” أحد أركان نجاحه طيلة 38 عاماً من العطاء. عن “الشانسونيه” والمسرح وأحوال الوطن يتحدث إلى “نداء الوطن”.
ما الذي يُزعج “كلينت” هذه الأيّام؟
نعيش توتّراً كبيراً بسبب الوضع العام الموجع جداً في هذا البلد. لا يشجّع شيء على الإستمرار في ظلّ مصائب الوضع الإقتصادي وإنتشار “كورونا” والبطالة وإقفال مسرحنا.
كيف تقضي يوميّاتك بعيداً من المسرح؟أجلس في المنزل من دون أي نشاط يُذكر. إتخذت قراراً منذ فترة طويلة بعدم متابعة أي “توك شو” سياسي أو مشاهدة الأخبار. على سبيل الفكاهة، راقبت إرتفاع ضغطي كل إثنين، وأحياناً في منتصف الأسبوع. فلاحظنا عند مراجعة الطبيب معاناتي من المشكلة الصحية نفسها، لنكتشف أن السبب هو متابعة برنامج جورج صليبي كل أحد عبر الجديد! قررت عدم متابعة البرامج السياسية لأنني لم أعد أصدّق أحداً، خصوصاً أنني واكبت طريقة عمل كبار رجالات هذا البلد مثل الرئيس كميل شمعون.
تكتب عن الواقع بسخرية، فهل “فيسبوك” وسيلتك لفشّ الخلق؟
أحبّ الدمج ما بين الضحكة والدمعة، لهذا السبب أكتب بأسلوب إخراج درامي. يطالبني معارفي بالكتابة بأسلوب فكاهي لينسوا همومهم بهذه الظروف، فأنصحهم بعدم متابعة الأخبار السياسية.
شكّل مسرح “الشانسونيه” وسيلة للتعبير عن رأي عام للمجتمع والتنفيس عن الهموم، فهل تملأ السوشيل ميديا الفراغ الذي أحدثه غياب هـــــــذا النوع المسرحي؟
نحن في أمسّ الحاجة اليوم إلى “الشانسونيه”، لكن المصائب كلّها إجتمعت في هذا البلد، من تفشّي وباء “كورونا” وأزمة الكهرباء والمازوت التي تحول دون القدرة على إضاءة المسرح وتنقّل الجمهور. لذا أحاول الإستمرار في الجوّ الذي عشته طيلة 38 سنة تقريباً وفشّ خلقي وخلق الناس عبر “فيسبوك”.
ما ميزة هذا المسرح؟
إستطاع مسرحنا في الإنتقاد السياسي الساخر إيصال الرسالة التي يريدها إلى الجمهور، عبر محاكاة الواقع بطريقة واضحة وساخرة من دون إستخدام أسلوب الجلد أو التجريح. يقدّم بعضهم حالياً “ستاند أب كوميدي” بأسلوب أميركي يطرح مواضيع إجتماعية مختلفة لكنه لا يشبه مسرح الشانسونيه الأساسي، الذي إنطلق من فرنسا في القرن 18، مرتكزاً على تجوال الفرنسيين في الشوارع وأمام منازل السياسيين مردّدين أغاني مضحكة هادفة عن المشكلات التي يعانون منها، كالبطالة والفقر والجوع.
إستمرار مسرحكم في زمن الحـرب، وتوقّفه في زمن السلم، مفارقة كبيرة؟
صحيح، إستمرّ مسرحنا رغم شدّة القصف وإقفال المعابر، حينها قدّمنا مسرحية “سالكة وآمنة”. أتذكّر إتصالنا بالإذاعات مثل “صوت لبنان” وغيرها للإستعلام عن مواقع القصف وطمأنة الجمهور ما إذا كانت الطريق سالكة إلى المسرح أم لا. كانت المناطق مقفلة على بعضها البعض والحدود بينها متداخلة، ورغم ذلك، تنقّلنا من مسرح إلى آخر بجواز مرورنا الوحيد، الضحكة، التي قدّمناها إلى كل الناس من دون إستثناء. إنتقدنا دائماً من دون تجريح وبأسلوب مقبول من السياسيين ومن جمهورهم، ولم نستزلم لأحد، هذا سرّ نجاحنا.
يقتصر المسرح حالياً علـــــــى أعمال متواضعة تُعرض لفترات قصيرة، فأي مصير تتوقّع له؟
يشكّل المسرح الوجه الحضاري في أي بلد. كان مسرح لبنان سخيّاً جداً في الماضي، ومميّزاً، عكس إشعاعه على العالم. تزامن مرّة عرض يومي لثماني عشرة فرقة مسرحية على إمتداد مساحة الوطن. ألاحظ حالياً إنبثاق مواهب جديدة وفرق صغيرة تقدّم أعمالاً بغض النظر عن عدد الجمهور والمردود المادي، بهدف الإستمرار.
كيف يضمن الممثل المسرحي إستمراريته؟
ننتظر الفرج. أتأمّل خيراً بفضل الجيل الجديد الذي يحاول تقديم المسرح وإستمراره. أمّا جيلنا، فتلقى ضربة قويّة جداً، عملنا بيار شماسيان وأنا 25 عاماً، وبسبب غياب الحلول والمدخول خسرنا مسرحنا.
ألا تتلقى عروض عمل في الخارج؟تلقينا عروضاً للعمل في بعض الدول العربية وفي الخارج، إنما توقّف كل شيء بسبب تفشّي “كورونا”.
كيف تمرر هذا الوقت الضائع؟
كتبت سكتشات كثيرة غير مرتبطة بحدث معيّن، كما كتبت مسرحية هادفة تعالج قضية لبنانية في إنتظار هدوء الأوضاع لتقديمها.
أي وجه ثقافي يعبّر عنه المسرح طالما نحن في عصرٍ أشبه بالحجري؟
فرضوا علينا عصراً حجرياً إنما هناك فئة موهوبة جداً قادرة على إلغاء هذه الصفة التي أُلصقت بنا. نصدّر بفضلها حضارة إلى الخارج، ونقدّم موسيقى وألحاناً وأغاني وثقافات تُلفت نظر العالم إلى هذا الوطن، وتثبت أنه بلد الثقافة والحضارة، رغم أنه يعاني من وضعٍ فرضته الأيادي الممدودة عليه، والتي نتمنى أن تُقطع يوماً، فهي التي تعيدنا إلى العصر الحجري.
ألا تأمل خيراً بعد تشكيل حكومة جديدة؟
لم أعد أصدّق حتى أرى. ولم أعد أصدّق أن الحلّ من الداخل. تعاقب وزراء على الحكومات السابقة يستحقّون مشاهد مسرحية!
ألا يمكن تحقيق التغيير من خلال الثورة أو الإنتخابات؟
يتألف بلدنا من 17 طائفة، تتقوقع على نفسها عند حدوث أي هزّة في البلد. هناك قسم كبير من الجيل الجديد يريد التغيير، فيما يذوب جيل آخر في محيطه المحدد سلفاً.