كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:
يصر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، على توفير شبكة أمان سياسية لحكومته لتحييدها عن التجاذبات مع انطلاق التحضيرات لخوض الانتخابات النيابية في ربيع عام 2022 وعدم تعريضها لانقسامات يمكن أن تطيح ببرنامجها الاقتصادي الذي يعوّل عليه لإخراج لبنان من الانهيار، خصوصاً أن التركيبة الوزارية بمعظم أعضائها وُلدت من رحم القوى السياسية التي هي على نزاع الآن، وهذا يتطلب منه تأمين الخطوط الدفاعية لتجنيب حكومته «شر» الحمم الانتخابية.
فالرئيس ميقاتي الذي يستعد للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، غداً في قصر الإليزيه، في أول زيارة له للخارج بعد تشكيل الحكومة، يرفض أن تكون التركيبة الوزارية مطية للقوى السياسية، وهذا ما يفسّر إصراره على ترحيل الأمور الخلافية عن جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء، وبالتالي عدم مقاربته بند التعيينات إلا للضرورة القصوى التي تستدعي عدم تأجيلها، وأولها إعادة تأهيل قطاع الكهرباء وتأمين احتياجات اللبنانيين من محروقات ودواء ومستلزمات طبية والتشدد في مراقبة أسعار المواد الغذائية لقطع دابر المحتكرين وبعض التجار.
كما سيتولى ميقاتي الإشراف شخصياً على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتأمين انتقال لبنان إلى مرحلة التعافي المالي والاقتصادي بالتلازم مع عدم السماح بالتفريط بسحوبات لبنان من الصندوق والتي بلغت ملياراً و135 مليون دولار، رافضاً التصرف بها لاستخدامها في تنفيذ احتياجات لبنان من المشاريع الضرورية بالتنسيق مع المجلس النيابي.
وبالنسبة إلى إصلاح الجسم القضائي بدءاً بتأمين النِّصاب في مجلس القضاء الأعلى بتعيين أعضاء جدد خلفاً للذين انتهت ولايتهم، فإن الرئيس ميقاتي سيعطي الأولوية لإجراء التشكيلات القضائية التي ما زالت محتجزة لدى رئيس الجمهورية ميشال عون، بامتناعه عن التوقيع عليها رغم أن القضاء بات في وضع لا يُحسد عليه في ظل التباين الذي يتخبّط فيه، إضافةً إلى أن تعاون ميقاتي مع المجلس النيابي والرئيس نبيه بري سيفتح الباب أمام الإصلاحات المالية والإدارية لتصبح طريقها سالكة للتطبيق استجابةً لما نصَّت عليه المبادرة الفرنسية التي يُفترض أن تستعيد مفاعيلها بلقاء ميقاتي مع ماكرون.
وفي هذا السياق يقول مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يحبّذ اصطفاف الوزراء وراء القوى السياسية التي كانت وراء اختيارهم، خصوصاً أن الأجواء السياسية التي سادت الجلسة النيابية لمناقشة بيان الحكومة والتصويت على الثقة لا تدعو للتفاؤل لأن معظم النواب الذين تكلموا في الجلسة أحجموا عن مناقشة البيان الوزاري واستبدل بذلك عرض برامج كتلهم الانتخابية وتصرفوا كأن الانتخابات النيابية حاصلة بعد أسابيع.
ويؤكد أن المنازلة الأبرز كانت بين النواب المنتمين لتكتل «لبنان القوي» برئاسة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، والآخرين المنتمين إلى كتلة «الجمهورية القوية» (حزب القوات اللبنانية)، ويقول إن الحدة التي تميّزت بها هذه المنازلة هي عيّنة لما سيكون عليه الوضع في الشارع المسيحي مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات النيابية من دون التقليل من السخونة التي تتحكم بموقف حزب «الكتائب» الذي هو على خصومة مع الفريقين ولا مجال لعقد تحالفات ثنائية أو ثلاثية ما دام «الكتائب» يحرص على الانفتاح على «الحراك المدني» رغم أن الآراء داخل الحراك على تباين حيال هذا التحالف.
ويلفت المصدر السياسي نفسه إلى أن موقف حزب «القوات» من المنظومة السياسية لم يتبدّل، ووتيرة الخلاف بين الطرفين إلى تصاعد وإنما بتحييده لميقاتي وعدم شموله بالحملات، وإلا لم يكن رئيسه سمير جعجع مضطراً للدفاع عنه بطريقة غير مباشرة بقوله إنه لا ثلث ضامناً أو معطلاً في حكومته.
ويعزو المصدر نفسه عدم تسمية «القوات» ميقاتي لرئاسة الحكومة أو منح حكومته الثقة إلى جملة اعتبارات، أبرزها أن جعجع تعامل مع ميقاتي كما تعامل مع الرئيس سعد الحريري حرصاً منه على عدم الوقوع في خيار التمايز بينهما لمصلحة ميقاتي لئلا يؤدي تمايزه إلى تعميق الهوّة بين «القوات» وتيار «المستقبل» في ظل انقطاع التواصل بينهما الذي زاد من الخلاف بين الطرفين.
كما أن حزب «القوات»، كما يقول المصدر، ليس في وارد الانقلاب على ثوابته والعناوين الرئيسية التي حددها لنفسه لمواجهة المرحلة السياسية الراهنة في حال قرر منح الحكومة الميقاتية الثقة والذي يؤدي إلى نسف دعوته لإجراء انتخابات نيابية مبكرة كأساس لإعادة تكوين السلطة، محمّلاً تحالف «حزب الله» و«التيار الوطني» مسؤولية أساسية حيال انهيار البلد وحاملاً على الطبقة السياسية مع انفتاحه على «الحراك المدني».
لذلك فإن «القصف السياسي» الذي طغى على الجلسة النيابية ولم يغب عنه النواب المنتمون إلى تيار «المستقبل» أو «اللقاء الديمقراطي»، أدى إلى تمرير رسالة مفادها أن عقد التحالفات الانتخابية وصولاً إلى تبادل الأصوات لن يكون سهلاً ويكتنفه الغموض بخلاف الانتخابات السابقة التي كانت محكومة بتحالف «التيار الوطني» و«المستقبل» في عدد من الدوائر، التزاماً بالتسوية السياسية التي عقدها الحريري مع عون وكانت وراء تسهيل انتخابه رئيساً للجمهورية.
لكنّ الثابت في هذه التحالفات يبقى بين «حزب الله» و«التيار الوطني»، فيما يواجه تحالفهما صعوبة في انضمام الرئيس بري إلى هذا التحالف، ما يشكّل إحراجاً لحليفه «حزب الله» الذي كانت له حصته في مداخلات عدد من النواب في جلسة الثقة على خلفية استيراده للمازوت الإيراني من خارج «القنوات الرسمية»، وبالتالي الطريقة التي تصرف بها في ردّه على منتقديه خصوصاً ما ورد على لسان رئيس كتلته النيابية محمد رعد الذي حمل على خصومه مدعوماً بفائض القوة التي يتمتع بها الحزب.
إلا أن اللافت بعيداً عن السجالات التي طغت على جلسة الثقة كان في التغريدات التي أطلقها رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وغمز فيها من قناة إيران من دون أن يرد عليه «حزب الله» مع أنه استهدفه وإنما على طريقته.