كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:
تتجه أنظار بيروت اليوم إلى باريس التي سترمي «شبكة الرعاية» لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتمنحها قوةَ دفْعٍ ديبلوماسية للانطلاق في مَهمة شاقة هدفها الرئيسي توفير «مظلة» تفرْمل «السقوط الحر» للبنان وتتيح إبطاء سرعة الانهيار ريثما تكتمل العناصر المالية والمقوّمات السياسية الخارجية خصوصاً لـ «هبوط آمِن» يعاود وضْع «بلاد الأرز» على سكة النهوض.
وفيما بات معلوماً أن ميقاتي، الذي وصل إلى باريس أمس، سيؤكد للرئيس إيمانويل ماكرون على غداء العمل اليوم، شكره على الجهود التي بذلتْها فرنسا في المساعدة على استيلاد الحكومة وعدم تخلّيها عن لبنان وأنه سيستطلع إمكان معاودة تحريك موضوع «السلّة» التي خُصصت لـ «بلاد الأرز» في مؤتمر «سيدر» (2018) والبالغة نحو 11 مليار دولار، إلى جانب ما أُقر من الدول المانحة في أكثر من مؤتمر عُقد في الأشهر الأخيرة، ناهيك عن إمكان اضطلاع باريس بدور مُساعِد في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فإن معطيات متقاطعة تشير إلى أن الاليزيه سيكرر ثوابت موقفه من «خريطة الطريق» التي سبق أن حدّدها، وباتت لسان حال المجتمع الدولي، من أن مفتاح رفْد بيروت بالدعم المالي يبقى إنجاز الإصلاحات الهيكلية والإدارية والقطاعية ومحاربة الفساد.
وإذ يسود اقتناعٌ بأن هذه الإصلاحات التي ستدخل في صلب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على رزمة إنقاذٍ تشكّل منتصف الطريق نحو الخروج من الحفرة العميقة، باعتبار أن «النصف الثاني» لا يكون إلا بإنهاء دول الخليج العربي، وخصوصاً السعودية، «النأي بالنفس» عن الواقع اللبناني ريثما تَبرز إشاراتٌ إلى «إصلاح سياسي» معياره تصحيح التموْضع الإقليمي والحدّ من نفوذ «حزب الله»، فإن أوساطاً سياسية تعتبر أن «الرعاية الفرنسية» لحكومة ميقاتي ستستفيد من سكْب مياه باردة على أزمة الغواصات مع واشنطن (بعد اتصال ماكرون – جو بايدن أول من أمس) لمحاولة بلوغ أكثر من هدف أبرزها: إدارة «التفويض» الأميركي الضمني لباريس، لبنانياً، بما يحقق الحد الأدنى من أهداف صارت «دولية» في شقها الإصلاحي، وفي الوقت نفسه تفادي ترْك بيروت تغرق في فوضى شاملة ثمة مَن يعتبر أن طهران ستكون الأقدر على «الاستثمار» فيها، وذلك بانتظار اتضاح اتجاهات الريح في الملف النووي الإيراني وكيفية ترتيب الولايات المتحدة أولوياتها الخارجية وإدارة منظومة العلاقات الدولية المستجدّة بناء عليها.
وفي حين لم تستبعد الأوساط أن يحضر في لقاء ماكرون – ميقاتي ملف إعادة إعمار مرفأ بيروت وهل يمكن «تعويض» باريس خسائرها المالية والمعنوية في صفقة الغواصات مع أستراليا خصوصاً، بدورٍ لها في هذا الملف رغم أن الأمر له أبعاد متعددة وسبق أن ارتسمَ سباق بين أكثر من عاصمة إقليمية ودولية على نفض غبار انفجار المرفأ ومحيطه، فإن دوائر أخرى بدأت تثير علامات استفهام حول كيفية نجاح الحكومة الجديدة ورئيسها في إحداث اختراقات إصلاحية بقيت رغم تظاهرات 17 تشرين الأول 2019 ثم «بيروتشيما» عصية على التحقيق، وذلك وسط سباقٍ مزدوج: أولاً مع ربيع الانتخابات النيابية (بين آذار وأيار 2022) التي سيكون من الصعب إبعاد «عصْفها» عن طاولة مجلس الوزراء الذي تتعايش عليه غالبية الأحزاب «المتقاتلة» انتخابياً.
وثانياً مع ربيع «رئاسية فرنسا» (نيسان 2022) التي قد تجعل أطرافاً عدة محلية وإقليمية تحاذر «تسليف» ماكرون، ولو في مفاصل إصلاحية لها «مَنافذ» بطريقة أو أخرى على نفوذ أحزاب لا يتوانى بعضها عن اعتبار أن بعض العناوين مثل وقف التهريب عبر المعابر والتهرب الجمركي مدخل لمحاولة إقفال «خط الإمداد» العسكري له.
ولا تقتصر مقاربة «حزب الله» لبعض ملفات الإصلاح من زاوية أمنية – عسكرية على ملف الحدود والمعابر مثلاً، ذلك أن حتى موضوع التفاوض مع صندوق النقد سبق للحزب أن عبّر عن نقزة منه وحذّر من أن يكون باباً لوصاية دولية على لبنان، وهو ما يعكس عدم رغبة الحزب، الذي اندفع أخيراً لجعل الانهيار مدخلاً لتوسيع رقعة النفوذ الإيراني في «بلاد الأرز» عبر سفن المحروقات، في استدراج شركاء دوليين له في إدارة الواقع اللبناني من بوابة الأزمة الشاملة التي أطبقت على لبنان.
ومن هنا، كان لافتاً عشية تشكيل لبنان وفده لبدء التفاوض مع صندوق النقد والاستعداد للشروع في إعداد خطة الإنقاذ والتعافي وسط تأكيد رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان لـ«وكالة الأنباء المركزية»، أن «لبنان أكثر ما يحتاج اليوم هو بوليس مالي دولي يشرف على كل قرش يُصرف ويمنع أي تجاوزات من الطبقة السياسية»، إعلان كتلة نواب «حزب الله»، وجوب «أن يكون أي اتفاقٍ مع الصندوق وفق المصلحة اللبنانية ومن دون القبول بأيّ إملاءاتٍ أو وصفةٍ جاهزة».
وفي موازاة الانشغال بزيارة ميقاتي لفرنسا التي تشير معلومات إلى أنه ستليها محطات خارجية أخرى تباعاً، برز أمس تحرك للسفيرة الأميركية دوروثي شيا في اتجاه وزارة الخارجية حيث التقت الوزير عبدالله بوحبيب وجرى البحث في العلاقات الثنائية وترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ودعم الجيش، إلى جانب مسألة المفاوضات مع صندوق النقد.
وكان ملف الترسيم البحري محور اجتماع عقده الرئيس ميشال عون مع الوفد اللبناني إلى المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل و«خُصص لتقويم مسار المفاوضات (المعلٌّقة منذ أشهر) والخطوات المقبلة بعد توقيع إسرائيل عقود تقييم تنقيب الغاز والنفط مع إحدى الشركات في المنطقة المتنازع عليها، لا سيما وأن هذه الخطوة تتناقض مع مسار التفاوض».
ولم تحجب هذه العناوين الأنظارَ عن الأزمات «الأخطبوطية» التي تقبض على يوميات اللبنانيين، وليس أقلّها المحروقات التي تدور في حلقة مفرغة رغم رفْع الدعم شبه الكامل في ظل تعقيدات تتصل بآليات الاستيراد وتمويله دولارياً، وعدم نجاح تحرير استيراد المازوت وتسعيره بالعملة الخضراء في الحدّ من أزمة الحصول على هذه المادة ولا سيما لأصحاب مولدات الأحياء الذين يحتارون في كيفية التسعير على المشتركين بالليرة ويثيرون اعتراضات تتصل بفروقات بين السعر الأصلي وتكلفة وصوله إليهم ومَن يتحمّلها.
ولم يكن ينقص تخبُّط الواقع الكهربائي ولجوء غالبية مولدات الأحياء إلى تقنين قاس، إلا تحذير مؤسسة «كهرباء لبنان» من عتمة شاملة خلال أيام ما لم يتم إقرار سلفة جديدة لها لشراء الفيول، كاشفة أن «خزينها المتبقي من المحروقات تدنى بشكل حاد جداً، ونفد بالكامل في كل من معمل الجية الحراري والباخرتين المنتجتين للطاقة ما أدى إلى توقفهم قسرياً عن إنتاج الطاقة، فيما شارف على النفاد في كل من معمل الذوق الحراري و معملي المحركات العكسية في الذوق والجية إلا لمحرك واحد في كل منهما، الأمر الذي سيؤدي أيضًا إلى توقفها قسريًا عن إنتاج الطاقة».
ولفتت إلى أنه «لم يعد بإمكانها سوى تسيير المجموعات الإنتاجية المتبقية بما يتجانس مع خزينها المتبقي وكميات المحروقات المرتقب توريدها بموجب اتفاقية التبادل مع الدولة العراقية، والتي لا تكفي وحدها سوى لقدرة إنتاجية بحدود 500 ميغاواط كحد أقصى، ما ينتج عنه صعوبات عديدة لتأمين ثبات واستقرار الشبكة ويهدد بانهيارها الشامل في أي لحظة».