كتبت إيفا أبي حيدر في “الجمهورية”:
خمسة أشهر ونصف مضت على تأخّر لبنان في إتمام المرسوم 6433، والذي يعطيه مجالاً اكبر في حدوده البحرية من الخط 23 الى الخط 29. المرسوم وقّع من قِبل رئيس الوزراء السابق حسان دياب والوزراء المعنيين، ولا يزال حتى الساعة في انتظار توقيع رئيس الجمهورية الذي ينوي عرضه على مجلس الوزراء مجدداً ليؤخذ قرار بالإجماع حوله.
عاد ملف ترسيم الحدود البحرية ليتحرّك مجدداً، بعدما جُمّد ابّان الإختلاف على تحديد حدود لبنان البحرية، باعتماد الخط 29 بدلاً من الخط 23. ومع اعلان إسرائيل عن توقيع عقود تقويم تنقيب الغاز والنفط مع شركة «halliburton» في المنطقة المتنازع عليها، وبعد تشكيل الحكومة، تحرّك الوفد اللبناني الى المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية، فالتقى أمس رئيس الجمهورية ميشال عون، وكان سبق له ان التقى امس الاول وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، لإطلاعه على مسار التفاوض مع الجانب الاسرائيلي وعمل اللجنة للتوصل الى حلّ لهذا الملف يحفظ حق لبنان. لكن بدء العد العكسي لمباشرة اسرائيل بإنتاج الغاز من المنطقة المتنازع عليها لا يسمح بمزيد من المماطلة في معالجة الملف. فهل يفعلها لبنان ويتشارك حصّة واعدة من حقل «كاريش نورث»، فينتقل بصورة اسرع الى نادي الدول المنتجة للنفط والغاز؟
بداية، يشرح الخبير النفطي عبود زهر، انّ شركة «halliburton» هي واحدة من ثلاث شركات خدماتية في العالم، تعمل على تقديم خدمات للشركات المنقبة عن النفط، والشركات الثلاث هي أميركية المنشأ وهي: هاليبرتن، بايكر هيوز، وشلون برغر.
ولفت الى انّ اول خطوة تقوم بها الشركة المنقّبة عن النفط، تقضي بتلزيم باخرة الحفر، وأعدادها محصورة في العالم، خصوصاً تلك التي تحفر في أعماق البحار. وفي اسرائيل تتولّى شركة «انيرجين» التنقيب في بلوكات «كاريش» و»تانين» والبلوك رقم 12 الذي يقع بينهما. وهذه الشركة لزّمت في شهر تموز الماضي الحفر في هذه الآبار الى جانب بئرين اختياريين، بحيث يتمّ الحفر فيهما في حال ارتأت الشركة ذلك. كما لزّمت الى شركة «هاليبرتن» توفير الخدمات لهذه الآبار الخمس. والملفت انّ الاعلام اللبناني أضاء أخيراً على هذا الخبر، بينما كان يجب فعل ذلك من فترة سابقة، لأنّ هذه الخطوة هي بمثابة آخر التلزيمات، بحيث انّ «انيرجين» تعدّ الأرضية لاستخراج النفط منذ فترة، والتلزيم لشركة «هاليبرتن» هو آخر تلزيم قبل الشروع بالاستخراج، وقد سبقته خطوات وتلزيمات عدة.
اما ما يعنينا نحن من هذا الموضوع، فيتمثل خصوصاً في أنّ قسماً من حقل كاريش وتحديداً شمال كاريش او ما يُعرف بـcarich north، هو الأقرب الى الحدود اللبنانية، وحفره سيكون في المنطقة المتنازع عليها لأنّها تقع ضمن الخط 29 (وهو الخط الذي طالب فيه الوفد المفاوض بدعم من خرائط للجيش). وفي هذا السياق، أوضح زهر، انّه بالنسبة الى الأمم المتحدة، ووفق ما سبق وتبلّغت من لبنان، انّ حدودها البحرية تنتهي عند الخط 23، وهي حتى الساعة لم تتبلّغ اي تعديل على حدودها، اي الخط 29، وهذا ما يوضحه المرسوم 6433 والذي وقّعه رئيس الوزراء السابق حسان دياب والوزراء المعنيون، ولا يزال منذ اكثر من 5 اشهر في انتظار توقيع رئيس الجمهورية، الذي متى وقعّه يُبلّغ الى الأمم المتحدة، وعليه تصبح اعمال الحفر والتلزيمات التي تقوم بها إسرائيل في حقل شمال كاريش في المنطقة المتنازع عليها غير شرعية، فتتوقف الاعمال فوراً.
ومن المتوقع ان يبدأ الحفر في هذا الحقل خلال شهر آذار 2022، لذا لا يزال امام رئيس الجمهورية الوقت حتى نهاية العام للتوقيع. وتساءل زهر، لمَ المماطلة في التوقيع على هذا المرسوم؟ ولماذا يقترح رئيس الجمهورية إعادة تحويل الملف الى مجلس الوزراء، مع العلم انّه أُرفق بكل التوقيعات اللازمة ولا ينقصه سوى توقيع واحد بعد، فتتبلّغ الأمم المتحدة؟ لافتاً الى انّ تبليغ الأمم المتحدة اليوم أي قبل التوقيع على المرسوم او رفع شكوى على إسرائيل لبدئها التنقيب في منطقة متنازع عليها، لا يعطي الحق للبنان مطلقاً، لأنّه بالنسبة الى الأمم المتحدة حدود لبنان الرسمية تنتهي عند الخط 23 وليس 29.
ما أهمية «كاريش نورث»؟
ورداً على سؤال، شرح زهر، انّ في مجال صناعة النفط والغاز هناك 3 أنواع آبار:
– بئر استكشافي (وهو شبيه للخطوة التي قامت بها توتال في لبنان، يتمّ حفر بئر بهدف معرفة اذا ما كانت فيه مكامن نفطية ام لا، وفي كلا الحالتين يتمّ اغلاقه).
– بئر استقصائي: وهي المرحلة الثانية، إذ في حال تبين انّ هناك مكامن يُعاد الحفر لتقدير الكمية وتحديد النوعية.
– بئر الإنتاج: اذا ما تبين لنا في المرحلة الثانية انّ هناك كميات تجارية، يبدأ الحفر بهدف الضخ والبيع.
أما أهمية «كاريش نورث» فتكمن في كونه بئر انتاج، أي انّه اجتاز المرحلتين الأولى والثانية، ومن المتوقع بدء تشبيكه بباخرة FPSO التي تصل نهاية العام، وبعدها يبدأ ضخ الغاز. وهو عدا عن كونه منطقة متنازع عليها، لأنّه ضمن الخط 29، بات قريباً من مرحلة الإنتاج، ووجود الغاز مثبّت فيه، قدّرته شركة انيرجين بـ 243 مليون برميل. بينما وبمقارنة لهذا البئر مع البقية، فإنّ حقل تنين لا يزال في المرحلة الثانية، اما البلوك 12 فلا يزال في الأولى أي الاستكشافي.