بارزة كانت اللفتة اللبنانية الرسمية الرئاسية والوزارية والنيابية تجاه المملكة العربية السعودية في عيدها الوطني امس. التبريكات بعيد توحيدها انهالت من كل حدب وصوب بدءا من قصر بعبدا حيث ابرق رئيس الجمهورية ميشال عون الى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بين عبد العزيز آل سعود، مشيدا بروابط الاخوّة ومتانة العلاقات و”قيم الخير والاصالة التي ما زالت مملكتكم الشقيقة تسير عليها تجاه وطننا وشعبنا”، الى سائر الوزارات لا سيما الداخلية التي اصدر الوزير بسام المولوي بيانا للمناسبة اكد فيه حرصه”كوزير للداخلية على السعي للمحافظة على أمن المملكة وشعبها تماما كحرصي على الحفاظ على أمن المجتمع اللبناني وشبابه، وذلك عبر مواصلة العمل الدؤوب على منع كل ما يمس بأمنها المجتمعي، لا سيما عمليات تهريب المخدرات” فيما ابرق وهنأ مسؤولون ونواب وفاعليات سياسية وروحية عدة مشيدين بالدور السعودي التاريخي في الوقوف الى جانب لبنان.
ليست التهنئة بالعيد الوطني بجديدة، فهي اجراء بروتوكولي عادي بين الدول، الا انها تتسم اليوم بطابع مميز وتعكس منحى جديدا من جانب لبنان الذي خرج من المحور العربي وارتمى في الحضن الايراني بقرار من سلطته السياسية، ولم تتوان طهران عن الاعلان ان بيروت من بين العواصم العربية الاربع التي تقع تحت نفوذها، كما تحوّل اخيرا الى “بلد مشبوه ومُعاقب” لكثرة ما ورّد مخدرات الى المملكة على رغم الاجتماعات والمواقف اللبنانية المنددة التي بقيت حبرا على ورق مقابل استمرار حزب الله في التهريب. فما الذي استجد لتقرر السلطة السياسية فجأة استمالة السعودية ببرقيات التهنئة وهل هي مؤشر الى نهج تعاط مغاير للذي اعتمد منذ العام 2018 حتى لحظة تشكيل الحكومة الميقاتية بشعارها الانقاذي؟
تعرب اوساط سياسية مطلعة عبر “المركزية” عن اعتقادها بأن مسار الانقاذ هذا الذي تديره فرنسا وترعاه الولايات المتحدة الاميركية لا يمكن لا بل يستحيل ان يتماشى مع سياسة الانحياز في العمق الى المحور الايراني، لان حنفية المساعدات للبنان لطالما كانت مفتوحة عربيا وفي شكل خاص خليجيا، وهي نقطة جوهرية يتقنها جيدا الرئيس نجيب ميقاتي المُبارك والمدعوم فرنسيا وفي يده ادوات الانقاذ ومن ضمنها العودة الى الحضن العربي ولو تدريجيا او على الاقل بدء الابتعاد عن ايران من خلال التزام سياسة النأي بالنفس وهو مستنبطها وعرابها ابان توليه الحكومة في عهد الرئيس ميشال سليمان حينما طرحها كخيار لبناني بعدما اتُهم سنّة لبنان بالانخراط في الحرب السورية بعيد اندلاعها في ربيع العام 2011 ، وكان على اثرها ” اعلان بعبدا” الذي ايده حزب الله باعتباره لم يكن مشاركا انذاك في المعارك السورية وما لبث ان عاد عن قراره بعيد دخوله طرفا في الصراع السوري ليعلن للملأ على الاثر عن دعوته الشهيرة في شأن الاعلان “غلوه وشربوا زومو”. وتذكّر الاوساط ان لبنان مع سياسة النأي بالنفس تمكن لا حقا من حصد مليارات عربية كثيرة كانت ابرزها الهبة السعودية الشهيرة بقيمة 3 مليارات دولار للجيش لمده بأسلحة فرنسية اضافة الى مليار رابع للاجهزة الامنية، سرعان ما تمت العودة عنها على اثر التطورات المتسارعة عربيا وسوريا ولبنانيا.
وتبعا لذلك، لا تستبعد الاوساط ان يكون ميقاتي في صدد استعادة هذا الدور والمسار خصوصا ان مفاوضات فيينا وما يتخللها من صفقات واتفاقات بين ايران والغرب قد تحدث انقلابا في المشهد اللبناني يرجح ان تترجم مفاعيله في الانتخابات الرئاسية المقبلة، انذاك، قد يأفل نجم قوى سياسية يعتقد البعض راهنا انه مستحيل باعتبارها الاقوى والآمر الناهي على الساحة اليوم، ويسطع آخر يعيد لبنان الى عروبته وتاريخه، وحتى ذلك الموعد يعد ميقاتي عدة العمل والارضية الصالحة للبنان الجديد، ومفتاحه في اليد، بعدما تقبض ايران الثمن وتنقلب الاوضاع رأسا على عقب، فيكرّس ميقاتي زعامته السنية وربما ما هو ابعد.